في مقالنا السابق كتبنا عن أفضلية خيار إنهاء الحرببين روسيا وأوكرانيا، واقترحنا بعض المبادرات الدبلوماسية، ومنها إطلاق لجنة اتصال قوامها دول محايدة ولها علاقة مع الطرفين، للتوصل إلى وقف إطلاق نار، تتبعه مفاوضات سلام بمشاركه الصين وحلف شمال الأطلسي، بما فيه الولايات المتحدة. وبالطبع هذا فقط سيناريو واحد من عدة سيناريوهات، مع أنني اعتقد أن هذا الأخير قد يكون الأفضل نظراً لانعدام ثقة بين المعسكرين. وأيّاً يكن السيناريو فمبدأ ضرورة وقف الحرب لا بديل له، إذ أنه بات واضحاً أن الحسم العسكري بالاتجاهين بات شبه المستحيل، إلا عبر عجيبة أو كارثة إنسانية. فالكثير من المحللين لا يرون دبابات الكرملين في قلب كييف ولا عسكر زيلينسكي في الساحة الحمراء. فإما وقف الحرب وإما حرب طويلة، لنصل إلى سؤال دراماتيكي: ماذا يحدث إذا سقط الحل الدبلوماسي واستمرت المواجهة العسكرية؟
الأهداف الأوكرانية
القيادة الأوكرانية كانت ولا تزال واضحة في مواقفها، أكانت من قبل الحكومة أو الصحافة. كييفليست مستعدة لوقف النار أو إنهاء الحرب أو حتى بدء محادثات، “قبل خروج كل القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية”. سياسياً، الرئيس فولوديمير زيلينسكي وحكومته لا يريدون مواجهة الرأي العام في أوكرانيا للإعلان عن قبول وقف العمليات لقاء واقع “أراض محتلة”. لذلك هم يشعرون بأن “الموقف القومي” يفرض عليهم القتال حتى الحدود. وهو موقف يؤيده معظم السياسيين في أوكرانيا ما عدا الانفصاليين. ولكن هناك جناح يريد نقل الحرب إلى الداخل الروسي “لتدمير قدرة روسيا نهائياً وإسقاط النظام فيها”، وبعضهم يقترح أيضاً تقسيمها! إلا أن الخطاب الرسمي في كييف يقف على حد الانسحاب الشامل للقوات الروسية والحصول على “تعويضات تاريخية”.
الأهداف الروسية
أجندة القيادة الروسية الرسمية لا تزال كما كانت منذ بداية الحرب، أي اقتطاع ما يسمونه “أراضي الأهالي الروس” في شرق أوكرانيا والقرم “الروسية” وإعادة “ضمها” إلى الوطن الروسي. وكما كتبنا العام الماضي، الكرملين يعتبر الشرق والجنوب جزءاً من الدولة الروسية يجب “تحريره وتوحيده”. وهناك أيضاً جناح واسع في الدولة يريد منع كييف من الانضمام إلى حلف الناتو أو حتى الحصول على أسلحة أميركية وأطلسية وذلك عبر فرض صيغة حيادية على الدولة الأوكرانية، كما هي الحال مع سويسرا، أو كما كانت فنلندا والنمسا في الماضي.
مع موقفين متضادّين النتيجة سوف تكون استمرار الحرب مع التصعيد المرتقب، ومع احتمال أن تتحول المواجهة إلى حرب مدمرة كالحرب العراقية – الإيرانية التي دامت 8 أعوام. الجيش الأوكراني يصبح ملزماً بإطلاق هجمات باتجاه دونيتسك وسائر الأقضية الناطقة بالروسية مع أسلحتها الجديدة وكلفتها البشرية. كما سيلتزم باجتياح القرم وساحل بحر آزوف وماريوبول، مما يعني معارك عنيفة مدمرة. فبمجرد أن ينقل الأوكرانيون القتال باتجاه هذه المناطق، سوف يشن الروس هجمات مضادة وكأنهم يقاتلون في ستالينغراد! والحرب طويلة الأمد ستتخذ شكل المواجهات الطاحنة وسيتم فيها استعمال الأسلحة المتدفقة على أوكرانيا من الغرب والأسلحة الروسية المتدفقة من المصانع الحربية الثقيلة في العمق الروسي. وتبدأ كييف باستعمال أسلحة بعيد المدى وطائرات متقدمة غربية، وقد يقرر بعض قادتها العسكريين أن يستهدفوا أراض داخل الاتحاد الروسي، فيرد الآخرون بتعميم الرد الاستراتيجي على أوكرانيا الغربية حيث العمق الجيوسياسي ومراكز التواصل مع الناتو. وقد يصل الوضع إلى استهداف وحدات أطلسية على أراضي الدولة الأوكرانية، فيحدث تطور أكبر. إذ أن القيادتين الروسية والأطلسية تريدان تفادي الاصطدام المباشر على الأراضي الأوروبية، ولكن لا يمكن ضبط إيقاع الحرب إلى ما لا نهاية. إذ أن خطر الاشتباك النووي يكمن عبر التصعيد والاستطالة.
الموقف الأميركي
سنكتب عن التطورات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة قريباً ولكن التصعيد الحزبي والانقسام السياسي في الداخل الأميركي سيتأثر بتطورات الحرب الأوكرانية. فالتيارات المحافظة الانعزالية باتت تلتقي مع الأجنحة المعارضة للحرب في أوساط اليسار مما سيخلق موجة ضاغطة ضد الحرب سيكون لها وزن العام المقبل خلال أشهر الحملات الانتخابية.
بكلام آخر، الدعم المستمر من جهة واشنطن باتجاه كييف سيتأثر بتيار إنهاء الحرب أو الانسحاب منها في بداية العام المقبل. مما قد يعني أن استطالة الحرب ستستفيد من دعم وشنطن اللامحدود حتى بداية 2024. ولكن لن يضمن أحد استمراره خلال السنة الانتخابية. لذا فنافذة إنهاء التطاحن العسكري ستبقى مفتوحة لحوالى 8 أشهر.
لنرى…
اندبندت عربي