سيظل اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران برعاية صينية يمثل نقطة تحول مهمة ومحورية في كثير من ديناميكيات المنطقة وتطوراتها، وهو ما دفع إيران إلى تنشيط دبلوماسية الجوار والاستفادة من الانفراج الإقليمي الحاصل الآن من جهة، والتواصل مع الغرب من جهة أخرى، على نحو يبين كيف أن طهران تسعى حالياً إلى تحقيق ما كانت تصبو إليه من قبول إقليمي واعتراف دولي.
دائماً ما تضمن الخطاب السياسي لصناع القرار الإيراني أهدافاً وأفكاراً مرتبطة بمحاولات التأثير والهيمنة وممارسة النفوذ، بحيث تنظر إلى ذاتها كقوة إقليمية لديها قدرات مادية وغير مادية تسعى إلى توظيفها لتحقيق طموح الهيمنة والتأثير استناداً إلى إدراكها لماضيها وحاضرها.
بحسب العلوم السياسية، عند سعي أية قوة إقليمية إلى ممارسة الهيمنة والتأثير والنفوذ تواجهها عقبات أمام المشروع إلى جانب محفزات له، ويعد القبول الإقليمي والاعتراف الدولي بوضعية القوة الإقليمية أهم شروط ممارسة النفوذ والتأثير والهيمنة.
فالهيمنة تتحقق في جزء منها من خلال ما تتمتع به الدولة من قبول وسط محيطها وعدم وصفها بالعزلة الإقليمية أو المنبوذ الإقليمي، وعلى المستوى الدولي فإن تلك الدولة تسعى إلى اعتراف القوى الكبرى بتأثيرها داخل محيطها الإقليمي، فضلاً عن السماح لها بالاندماج في المجتمع الدولي اقتصادياً وسياسياً.
وقعت إيران على خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 والمعروفة بالاتفاق النووي من أجل رفع العقوبات عنها والحصول على شرعية دولية بدخولها اتفاق دولي متعدد الأطراف، ولا تعد دولة منبوذة دولياً، أو ضمن محور الشر كما صنفها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن.
أما القبول الإقليمي، فتحقيقه يعتمد على إستراتيجية تلك الدولة في محيطها وما إذا كانت تمثل مصدر تهديد لجيرانها، ولذا أدت سياسة إيران الإقليمية ومشروعها للهيمنة وحديثها عن نفوذها المتمدد إلى توتر العلاقات بينها ومعظم دول المنطقة.
لذا كان التصالح بين السعودية وإيران سبباً مهماً لتحقيق انفراج إقليمي على مستوى عدد من الملفات الإقليمية ودفع إيران إلى تفعيل دبلوماسية الجوار، فكانت دعوتها إلى إعادة العلاقات مع مصر والبحرين، وتريد طهران القبول الإقليمي لتعزيز شرعية نظامها داخلياً، لا سيما في ظل اهتزاز تلك الشرعية مع احتجاجات الحجاب التي امتدت لأشهر طويلة.
كما تحدث وزير خارجيتها حسين أمر عبداللهيان عن أهمية الاتفاق لإيران كوثيقة ترفع عنها العقوبات، أياً كانت نقاط الضعف والقوة في بنوده، فالأهم هو إلغاء العقوبات، كما أكد أن حكومة بلاده مصممة على مواصلة الجهود لعودة جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق النووي. إذاً تستهدف طهران العودة للاتفاق لرفع العقوبات ولاستمرار التواصل والتفاهمات مع واشنطن.
وفي الوقت ذاته عملت إيران على حل القضايا العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ إن الوكالة أعلنت أن طهران أجابت عن وجود آثار جزيئات اليورانيوم المخصب بنسبة 83 في المئة، كما أعطت إجابات عن أحد المواقع حيث عثر على جزيئات يورانيوم فيه، مما يعني أنشطة نووية سابقة هناك، كما أنها أعادت تركيب كاميرات المراقبة على المنشآت النووية مع استمرار عدم تسليم وحدات الذاكرة لحين التوصل إلى اتفاق.
مما سبق تعمل إيران على الاستفادة القصوى من سياق الانفراج الإقليمي التي تشهده المنطقة لتعزز دبلوماسية الجوار وتكتسب شرعية إقليمية وداخل حدودها ولتستفيد اقتصادياً من التعاون مع دول المنطقة، كما تستهدف من جهة أخرى رفع العقوبات وتعزيز اندماجها على المستوى الدولي اقتصادياً وسياسياً.
السؤال الآن هل ستقدم إيران تطمينات عبر تغيير السلوك الإقليمي لتستمر في الحصول على تلك المكاسب، لتعي أن الاستقرار ليس مباراة صفرية يكسب طرف ويخسر الجميع، بل يجب تحقيق المكاسب لجميع الأطراف.
اندبندت عربي