آفاق لبنان في القيادة والإصلاح والتغيير: حوار مع سمير جعجع

آفاق لبنان في القيادة والإصلاح والتغيير: حوار مع سمير جعجع

يناقش رئيس أكبر كتلة برلمانية في البلاد الأزمة السياسية الحالية، ودور العقوبات الأمريكية، وكيف يمكن أن يحدّ الرئيس الجديد من هيمنة “حزب الله” محليًا، وغيرها من القضايا.

“في 20 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسات افتراضيًا مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وهذا المقال هو ملخص أعدّه المقرِّر أحمد شعراوي لملاحظات جعجع الافتتاحية وجلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة مع الباحثين في المعهد روبرت ساتلوف وحنين غدار وديفيد شينكر”.

 

سمير جعجع

يعيش لبنان أزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة تؤثر بشدة في سكانه. يواجه الناس ارتفاعًا شديدًا في معدلات التضخم، وانخفاضًا في قيمة العملة بنسبة 99 في المئة، وزيادة هائلة في معدل البطالة. وشُلَّت مؤسسات الدولة، في ظل عدم فعالية الحكومة والبرلمان ورئيس الجمهورية. أما المسؤول عن هذه الأزمة فهي “فرقة مافياوية وميليشياوية” يقودها “حزب الله” المدعوم من إيران، وتستخدم العنف والترهيب لمنع انتخاب رئيس، وإدامة الفساد، وإعاقة تنشيط مؤسسات الدولة، وعرقلة تنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.

تتمثل مهمة حزب “القوات اللبنانية” بإقامة دولة حقيقية وفعالة. وبالإضافة إلى التركيز على الحكم الرشيد والإصلاح، يترأس حزب “القوات اللبنانية” الجهود الرامية إلى التصدي لهيمنة “حزب الله”. وعلى الرغم من الصعوبات المختلفة الناجمة عن تَحَفُّظ الفصائل الأخرى عن مواجهة هذه الهيمنة، حقق حزب “القوات اللبنانية” فوزًا في الانتخابات البرلمانية في عام 2022، ليحل محل شريك “حزب الله”، أي “التيار الوطني الحر”، كالكتلة المسيحية الكبرى. ونتيجة لذلك، فقدَ “حزب الله” وحلفاؤه الأغلبية في مجلس النواب.

وتشمل أولويات حزب “القوات اللبنانية” ضمان حصر استخدام القوة داخل الأراضي اللبنانية بالجيش اللبناني. ولكن عندما دعت الحاجة، قدّمت “القوات اللبنانية” نفسها المساعدة للمجتمعات المحلية “التي اعتدى عليها” “حزب الله”، كما حصل في اشتباكات الطيونة المؤسفة عام 2021.

يشكل “حزب الله” العقبة الأساسية أمام انتخاب رئيس نزيه ومستقل. وهو عازم الآن على انتخاب سليمان فرنجية، لكن حزب “القوات اللبنانية” سيواصل معارضة ترشيحه.

لقد سعت فرنسا إلى إيجاد حل لهذه المشكلة، إلا أن جهودها باءت بالفشل حتى الآن. ويشير الاقتراح الفرنسي الحالي إلى الرضوخ لمطالب “حزب الله” وإجراء انتخابات رئاسية، لكن “القوات اللبنانية” لا تزال ثابتة في معارضتها لفرنجية أو أي مرشح يؤيده الحزب. يجب اقتراح خيارات أخرى. وفي غضون ذلك، غيرت السعودية توجهاتها على صعيد التدخل في لبنان، واعتمدت الرياض سياسة جديدة تقوم على عدم الانحياز لأي طرف.

لماذا يُعتبَر لبنان مهمًا بالنسبة إلى أمريكا؟ كان لبنان قبل وقوعه تحت هيمنة إيران وسوريا و”حزب الله”، دولة ذات سيادة ودولة حرة وديمقراطية وتعددية تجسّد التسامح الديني، وتعزز السلام والاعتدال، وتتصدى للتطرف. ولعبت الولايات المتحدة دورًا حيويًا في إنهاء الاحتلال السوري، وما زالت تقدم مساعدات أمنية واقتصادية وإنسانية كبيرة يقدّرها الشعب اللبناني كل تقدير. ولكن على الرغم من هذه الجهود، ما زال الوضع المحلي يتدهور.

في المستقبل، يجب أن يركّز واضعو السياسات الأمريكيون في إطار انخراطهم السياسي على الجهات الفاعلة في لبنان التي تناضل من أجل تحقيق السيادة. وعلى الرغم من امتنان اللبنانيين للدعم الأمريكي، يرى الكثيرون أن الإدارة الحالية هي بمثابة “متفرج بريء”. لذلك، يجب أن تنظر الإدارة في اتخاذ ثلاث خطوات رئيسية هي:

  1. المساعدة في ضمان التزام رئيس الجمهورية المقبل بالإصلاح واحترامه لمؤسسات الدولة والقرارات الدولية.
  2. مواصلة تقديم الدعم الإنساني للشعب اللبناني والاستمرار في مساعدة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
  3. التصدي للنفوذ الإيراني في لبنان.

جلسة الأسئلة والأجوبة

الآفاق الرئاسية. من الصعب التوافق مع “حزب الله” بشأن مجموعة واسعة من القضايا. والموقف الحالي الذي يتخذه الحزب هو أن الرئيس القادم سيكون فرنجية أو لا أحد، ولا يمكن معالجة الجمود الناتج بالطريقة التي اقترحتها فرنسا سابقًا. لا يعارض حزب “القوات اللبنانية” التسوية، ولكنه لن يلبي رغبات “حزب الله” في هذه القضية. وينتظر قادة “القوات اللبنانية” الآن وصول وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان، أي مبعوث الرئيس الفرنسي الجديد إلى لبنان. لا يجلب لودريان معه مبادرة أخرى؛ بل سينضم إليه حزب “القوات اللبنانية” للتفكير في خيارات أخرى عند وصوله.

ولا شك في أن المرشح المحتمل، قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، سيجابَه بمعارضة شديدة من “حزب الله”. على الرغم من ولاء قائد الجيش لحليف الحزب، أي “التيار الوطني الحر”، فهو يتمتع بفكر مستقل ويتخذ قراراته بنفسه، وهذا ما لا يمكن أن يقبله “حزب الله”. وعلاوةً على ذلك، لن يكون العماد جوزيف عون مستعدًا لإعطاء الحزب الضمانات الأمنية التي يطلبها غالبًا من بيروت.

هل سيؤدي انتخاب رئيس جديد أو تشكيل حكومة جديدة، بغض النظر عن فعاليتهما، إلى تحسين مسار لبنان؟ هذا هو التساؤل الذي يراود المراقبين في واشنطن. ولكن عون أحدث فرقًا في الجيش اللبناني وسيُحدث فرقًا كرئيس. ومن المؤكد أن هذا التغيير سيكون تطوريًا وتدريجيًا وليس ثوريًا. غير أن إحداث الفرق يتطلب ببساطة قادة جدد مستعدين للعمل كممثلين عن لبنان وليس عن “حزب الله”، وليس من الضروري أن يواجهوا الحزب.

فعالية العقوبات الأمريكية. بشكل عام، يُعتبَر تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية للنخَب اللبنانية الفاسدة على قائمة العقوبات ضروريًا ويساعد في تنفيذ السياسة الأمريكية، ولكنه غير كافيًا. أما التصنيف الأمريكي للمصارف وحسابات “حزب الله” على قائمة العقوبات، فلا علاقة له بالأزمة المالية في البلاد. يُعزى الوضع الاقتصادي والمالي القاتم إلى سوء الإدارة في بيروت والمراسيم الحكومية وأداء مصرف لبنان. لم يتأثر الاقتصاد بعد أن صنفت الولايات المتحدة “البنك اللبناني الكندي” في عام 2011، بل على العكس، استمر القطاع المالي في الازدهار في ذلك الوقت.

كيفية إنهاء الأزمة المالية. تأتي السياسة في المقام الأول، فإذا كانت سياستك جيدة، ستنجز الأمور بطريقة جيدة. والعكس صحيح أيضًا. وفي ما يتعلق باحتمال تطبيق خطة إنقاذ صادرة عن “صندوق النقد الدولي”، سيكون القرض الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات مفيدًا، لكن اعتماد تدابير محلية قد يُحدِث آثارًا مماثلة. على سبيل المثال، يكلّف التهريب لبنان مليار دولار سنويًا، ويكلّفه التهرب الضريبي مليار دولار على الأقل، وتكلّفه المشاكل في قطاع الكهرباء مليارَي دولار تقريبًا. وفي ظل وجود سلطة تنفيذية مناسبة تعارض المساومة مع “حزب الله” وتَحدّ من الخسائر الكبيرة، يستطيع لبنان أن ينتشل نفسه من الأزمة.

الأثر الناتج من صفقة أمريكية مع إيران. يمكن أن تتفاوض الولايات المتحدة مع طهران بشأن القضية النووية من أجل تَجَنُّب وقوع حرب مدمِّرة في الشرق الأوسط، لكن لا علاقة لهذا الأمر بلبنان. ما زال بإمكان واشنطن أن تتصدى لنفوذ إيران و”حزب الله” في لبنان، وهاتان القضيتان منفصلتان.

المساءلة. في ظل الظروف الراهنة، لا يمكن فعل أي شيء، إذ تتطلب المساءلة وجود دولة حقيقية، ما يتطلب بدوره وجود رئيس، ولن يسمح “حزب الله” بذلك. وحاول حزب “القوات اللبنانية” التوجه نحو تنفيذ الإصلاحات والمساءلة بعد انتخابات عام 2022، لكن مجلس النواب المختلط حال دون إحراز أي تقدم. كما أن الاحتجاجات الجماهيرية لن تتكرر على الأرجح ولن يعود الناس إلى الشوارع لأنهم لم يروا أي نتيجة من المظاهرات التي دامت ثمانية أشهر في عام 2019.

وضع اللاجئين السوريين. يستحق النازحون السوريون في لبنان التعاطف معهم نظرًا لنظام الأسد وما يُعرف عنه، ويمكن تَفَهُّم حاجتهم إلى الفرار من بلادهم عندما كانت بعض الجماعات مثل “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” تُصعّد الثورة. ولكن بعد اثني عشر عامًا، أدى تَراجُع النشاط العسكري إلى بروز عدة خيارات لعودة اللاجئين إلى أجزاء مختلفة من سوريا، سواء أكانت مناطق يسيطر عليها الأسد، أو مناطق كردية تسيطر عليها المعارضة، أو إدلب. وتجدر الإشارة إلى أن نحو مئتَي ألف ناخب من هؤلاء اللاجئين صوتوا غيابيًا للأسد بشكل طوعي في خلال الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة. ولم يعد هناك أي أساس قانوني للاعتراف بالسوريين كلاجئين في لبنان.

الوضع بالنسبة إلى المسيحيين. يدور الصراع الرئيسي في الشرق الأوسط عادةً بين السنّة والشيعة. ولكنه يدور في لبنان بين الشيعة والمسيحيين، لأن معظم المسيحيين يرفضون سيطرة إيران وسوريا و”حزب الله”. ولا تُشكل الديمغرافيا المعيار الوحيد لقياس تأثير المسيحيين. صحيح أن معدل الولادات لديهم يتراجع في لبنان، لكن دورهم لا يتراجع.

احتمالات نشوب حرب أخرى بين إسرائيل و”حزب الله”. لن تساعد الحرب مع إسرائيل على إحراز “حزب الله” لتقدم في أيٍ من مخططاته الداخلية، أو على تغيير قواعد السياسة اللبنانية (مع أن لبنان يمكن أن يستفيد من عقد مؤتمر وطني شامل لمراجعة النظام، بما في ذلك اتخاذ المزيد من الخطوات نحو اللامركزية). أما السيناريو الوحيد لنشوب حرب أخرى، فسيحدث إذا ضربت إسرائيل برنامج إيران النووي، وفي هذه الحالة، سيهاجم “حزب الله” إسرائيل.

معهد واشنطن