نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لعدد من مراسيلها، قالوا فيه إن الحرب الروسية أصبح لها ضحية جديدة وهي “رابطة بوتين- أردوغان”.
وقالوا إن قرار الرئيس التركي رفع الفيتو عن عضوية السويد في حلف الناتو، أدى إلى مطالب من المتشددين الروس، باعتبار تركيا بلدا “غير صديق”. وقالوا إن التحركات التركية التي نُظر إليها كمؤيدة للغرب، بما فيها استقبال أردوغان للرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي في إسطنبول يوم الجمعة، قادت لتكهنات حول تحول تركي نحو علاقات أكثر دفئا مع أوروبا والولايات المتحدة، بعد سنوات من التعاون الوثيق مع موسكو.
وفي روسيا، حيث كانت علاقات الرئيس بوتين مع أردوغان هي أهم عملة جيوسياسية، فإن حس تحول الرئيس التركي للتعاون مع القادة الغربيين، أثار على ما يبدو قلقا في موسكو مثل القلق الناجم عن انضمام السويد للناتو، مما أثار اسئلة حول الحرب الروسية في أوكرانيا، وإن كانت قوضت أهم علاقات روسيا.
كانت علاقات بوتين مع أردوغان هي أهم عملة جيوسياسية، ومنحت الصداقة مع أردوغان، بابا خلفيا لبوتين كي يتجنب العقوبات الغربية على بلاده
وتعلق الصحيفة أن انتقاد الكرملين لأنقرة كان حذرا، لكن المشرعين القوميين المتشددين شجبوا بمرارة أردوغان، في وقت تساءلت فيه الصحافة السائدة عن خطوات تحول رئيسية يقوم بها الرئيس التركي بعيدا عن روسيا.
وبدا التحول واضحا في نبرة أردوغان عند لقائه مع زيلينسكي الذي زار تركيا الأسبوع الماضي، وهي الأولى منذ الغزو الروسي، حيث تحدث الزعيم التركي عن علاقات الصداقة بين البلدين، وعبّر قائلا إن استقلال أوكرانيا يستحق عضويتها في الناتو. وبعد أيام، تحرك لكي يرفع الفيتو عن عضوية السويد في الناتو، وكان ذلك ضربة قوية لروسيا التي جعلت من منع الناتو قبول أعضاء جدد، سياسة أمنية لها منذ تسعينات القرن الماضي.
ومنحت الصداقة مع أردوغان، بابا خلفيا لبوتين كي يتجنب العقوبات الغربية على بلاده، في وقت صورت الصحافة الرسمية، الرئيسَ الروسي بالرجل القوي الذي يقيم علاقات مع رجال أقوياء. وكلاهما يتشاركان في رؤية وقف الهيمنة الأمريكية، وهو مبدأ أساسي دفع بوتين لغزو أوكرانيا والوقوف أمام الجشع الغربي.
وبعد التحدي الذي واجه بوتين جراء تمرد فاغنر، اتصل أردوغان بالرئيس الروسي وعبّر عن “دعمه الكامل” له، وعندما فاز أردوغان بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، اتصل به يوتين وهنأه، واصفا إياه بـ”الصديق العزيز”.
إلا أن تحرك أردوغان للإفراج عن قادة في كتيبة أزوف الأوكرانية، الذين دافعوا عن ماريوبول أثناء الحصار الروسي، واعتبرتهم موسكو إرهابيين، نظر إليه المسؤولون الروس على أنه خيانة. وما أغضب الروس أكثر، هي الإشارات عن التقارب التركي ودعم أنقرة لأوكرانيا. ففي أثناء زيارة زيلينسكي، وقّع الطرفان اتفاقيات للتعاون في الصناعات الإستراتيجية، وتم التأكيد على بداية إنتاج أول طائرة مسيرة “بيرقدار” من مصنع في أوكرانيا.
وقال رئيس لجنة الشؤون الدفاعية في المجلس الفدرالي الروسي، فيكتور بونداريف، إن “تركيا تتحول تدريجيا وبثبات من كونها بلدا محايدا إلى بلد غير صديق”.
ويرى المحلل الروسي سيرغي ماركوف، أن قرار أردوغان تسليم قادة كتيبة أزوف لزيلينسكي “أرسل هزات داخل روسيا”، لأن موسكو تتعامل مع الكتيبة كـ”رمز للنازية الجديدة في أوكرانيا وجرائم الحرب ضد الشعب الروسي”. وكان رد فعل الكرملين الغاضب تعبيرا عن استياء الجمهور، خاصة بعد تصريحات قائد الكتيبة دينيس بروكوبينكو، بأنهم سيعودون للقتال.
رئيس لجنة الشؤون الدفاعية في المجلس الفدرالي الروسي: تركيا تتحول تدريجيا وبثبات من كونها بلدا محايدا إلى بلد غير صديق
ووصف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، التسليم بأنه “خرق” لعملية تبادل الأسرى، وطلبت روسيا توضيحا في مكالمة بين وزير الخارجية الروسي ونظيره التركي يوم الأحد. وما أثار مخاوف موسكو أكثر، هي تصريحات المتحدث باسم هيئة الأركان الأوكراني، أوليكسي غروموف، من أن كييف تتوقع حصولها على مدافع هاوتزر ذاتية الدفع، من طراز تي-155 فيرتينا التركية.
ولم تؤكد تركيا الصفقة. ولو قدمت تركيا المدافع فـ”إن هذا يعني تحولا نوعيا حصل في سياسة تركيا فيما يتعلق بالنزاع الروسي- الأوكراني” حسب صحيفة نيزافيسمايا غازيتا.
وقلل بيسكوف من قرار تركيا فتح الباب أمام عضوية السويد في الناتو، قائلا إن موسكو تتفهم التزامات تركيا باتجاه الحلف، و”لم يكن هذا سرا بالنسبة لنا، ولم نرتد أبدا نظارات ملونة في هذا المجال”، وقال إن روسيا ستواصل التعاون في المصالح المشتركة بين البلدين.
ووقف البلدان على جانبي النزاع في كل من سوريا وليبيا، لكن العلاقات ظلت قوية بينهما مع تراجع علاقة روسيا بالناتو. وأهمية العلاقة للبلدين واضحة من خلال الأرقام، فقد زادت صادرات تركيا إلى روسيا بنسبة الضعف منذ بداية الغزو، من 2.6 مليار دولار في النصف الأول من العام الماضي، إلى 4.9 مليار دولار عن نفس الفترة. وزادت واردات تركيا من النفط والغاز الروسي بشكل كبير عام 2022، وهو ما وفّر عائدات لروسيا بسبب العقوبات الغربية.
ويقول محللون إن في قلب حسابات أردوغان هيتخفيف الأزمة الاقتصادية التركية، وتخفيض معدلات التضخم وتراجع العملة التركية، وزيادة معدلات التصدير للدول الأخرى. ورغم زيادة الصادرات التركية لروسيا، إلا أن حجم الصادرات الإجمالي تراجع في حزيران/ يونيو إلى 20.9 مليار دولار، أي بنسبة 10.5% مقارنة مع حزيران/ يونيو الماضي.
ولقي أردوغان مساعدة أثناء الانتخابات الأخيرة، عندما وافقت غازبروم الروسية على تأجيل مدفوعات لها بقيمة 600 مليون دولار إلى عام 2024. إلا أن أردوغان تبنى بعضا من تعهدات المعارضة في مرحلة ما بعد الانتخابات، مثل تحسين العلاقات مع الغرب. ودعا يوم الإثنين، الاتحادَ الأوروبي إلى “فتح الطريق” أمام تركيا للدخول في النادي، بعد توقف طلبها عام 2019.
وتقول إيفرين بالتا، أستاذة العلوم السياسية بجامعة أوزيجين في إسطنبول، إنه “من المبكر الحديث عن تحول تركيا باتجاه الغرب”، وما يحدث هو تكيف مع الظروف، بما في ذلك الحاجة لجذب الاستثمارات، في وقت يعاني البلد من أزمة اقتصادية.
وقالت بالتا: “لقد تغيرت حاجات السياسة الخارجية والحاجات البنيوية للاقتصاد التركي”، مشيرة إلى حاجة تركيا لجذب الاستثمارات الغربية. وأضافت أن تركيا قامت ومنذ عدة سنوات، بتطبيع علاقاتها مع أعدائها وخصومها مثل اليونان وإسرائيل ودول الخليج.
من المبكر الحديث عن تحول تركيا باتجاه الغرب، فقد تغيرت حاجات السياسة الخارجية والحاجات البنيوية للاقتصاد التركي
وترغب تركيا باستكمال صفقة طائرات أف-16 بقيمة 20 مليار دولار مع الولايات المتحدة، والتي يُنظر إليها أنها المفتاح الرئيسي لقرار أردوغان المضي بملف عضوية السويد في الناتو ووقف الفيتو ضدها.
ويرى تيمور كوران، الاقتصادي في جامعة ديوك، إنه تعامل مع تحركات أردوغان “باتجاه الغرب والتي تثير الدوار” بأنها ابتعاد واضح عن روسيا، و”ربما كان هذا التحول تكتيكيا، فعداؤه العميق للغرب معروف”، لكن التحول قد يكون دائما لو جلب إليه استثمارات غربية.
وفي موسكو، فموقف أردوغان من الغرب واستعداده لمواجهته يظل ورقة رابحة لروسيا، وحاول بيسكوف لعب ورقة الحنق التركي بسبب انتظار أنقرة الطويل للدخول في الاتحاد الأوروبي. وقال يوم الثلاثاء: “لا أحد يريد تركيا في أوروبا”، مضيفا: “على شركائنا الأتراك ألا يكون لديهم أي وهم بشأن هذا”.
وفي الوقت الذي يثمن فيه الكرملين شراكته مع تركيا، إلا أن القوميين المتشددين الروس عبّروا عن غضبهم منها. وقال المدون العسكري والصحافي في التلفزة الرسمية أندريه ميدفيدف، إنه لم يستغرب من خداع أردوغان لروسيا. وتساءل إن كان الرئيس التركي حليفا أو صديقا، مجيبا أن أردوغان لم يكن أبدا حليفا لروسيا ولا صديقا أيضا، وأن هناك شركاء تكتيكيون يحاولون خدمة أهدافهم، و”لا أمل منهم” بحسب قوله.
القدس العربي