تركيا وروسيا: علاقات متذبذبة يوترها تقارب أنقرة مع الغرب

تركيا وروسيا: علاقات متذبذبة يوترها تقارب أنقرة مع الغرب

في ظل المتغيرات الحاصلة في الوضع الدولي، ودخول الحرب الروسية – الأوكرانية مرحلة الصراع الطويل، بدأت العلاقة بين تركيا وروسيا تشهد العديد من التوترات، حيث يبدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقاربا مع الغرب في محاولة لإنقاذ اقتصاد بلاده ويدعم كل تقارب غربي مع أوكرانيا، في المقابل تتعامل روسيا مع الوضع بهدوء، إذ يدرك الطرفان أن الوضع لا يتيح لهما التصعيد.

واشنطن – شهدت الشهور القليلة الماضية مؤشرات عديدة على دخول العلاقات التركية – الروسية مرحلة جديدة من التذبذب، بعد فترة من التقارب الشديد في بدايات الحرب الروسية ضد أوكرانيا وقبلها.

ومنذ فوزه بفترة حكم ثانية بصعوبة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو الماضي، يميل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التركيز على تعزيز علاقات بلاده مع الغرب. في المقابل تعاملت موسكو بهدوء مع موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ونقل تركيا لخمسة قادة أوكرانيين كانت روسيا قد أسرتهم وسلمتهم لأنقرة إلى كييف، ثم تصريحات أردوغان المؤيدة لانضمام أوكرانيا إلى الناتو رغم أن هذه العضوية خط أحمر بالنسبة لروسيا.

بالتحول نحو الغرب يختبر الرئيس التركي الخطوط الحمراء الجديدة لموسكو، ومدى استعداد روسيا للرد على أي موقف تركي

ويقول المحلل والكاتب الروسي رسلان سليمانوف، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن موسكو حاليا ليست في موقف يتيح لها السماح بتدهور علاقاتها مع أنقرة، كما أنه من المهم بالنسبة لتركيا تجنب هذا التدهور حتى تواصل الاستفادة من لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب.

في الوقت نفسه فإن تحول أدروغان نحو الغرب يرجع إلى عوامل داخلية في مقدمتها أزمة اقتصادية حادة تفرض الحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية التي لا يمكن الحصول عليها إلا من الغرب.

ويمكن القول إن تركيا الآن وبعد الانتخابات أصبحت تواجه الواقع. فالليرة التركية تواصل تراجعها السريع أمام الدولار لتفقد حوالي 30 في المئة من قيمتها خلال شهر واحد بعد الانتخابات الرئاسية. كما ارتفعت أسعار المستهلك في يونيو الماضي بنسبة 38 في المئة عن الشهر نفسه من العام الماضي.

ويقول سليمانوف، وهو كبير مراسلي وكالة تاس الروسية للأنباء في الشرق الأوسط ومدير مكتبها في القاهرة سابقا، إن أردوغان يدرك أن إجراءاته الداخلية لن تكفي لتحقيق استقرار شامل للاقتصاد التركي الذي يعتمد بشدة على الاستثمارات الأجنبية. وتركيا في أمس الحاجة إلى تدفق الأموال الأجنبية، كما أن أكبر المستثمرين في تركيا مازالوا من الدول الغربية وبخاصة هولندا والولايات المتحدة وبريطانيا والتي تمثل معا حوالي 30 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تركيا.

في الوقت نفسه فإن جزءا كبيرا من الصادرات التركية تتجه إلى الغرب. ورغم النمو القياسي لحركة التجارة مع موسكو، مازالت روسيا تمثل 3.7 في المئة من إجمالي صادرات تركيا.

في ظل هذه الظروف أدرك أردوغان حاجته إلى التوجه نحو الغرب من أجل استقرار اقتصاد بلاده. في الوقت نفسه فإن قطع العلاقات مع روسيا التي أصبحت في العام الماضي أكبر دولة مستوردة من تركيا ليس خيارا.

وإلى جانب المشكلات الاقتصادية، يجب أن يتعامل أردوغان مع الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في مارس من العام المقبل. ولكي يستعيد السيطرة على المدن الرئيسية مثل أنقرة وإسطنبول من المعارضة، على أردوغان جذب أصوات الناخبين المؤيدين للغرب من سكان المناطق الحضرية إلى صفه.

وبعد انتخابات الرئاسة أعاد أردوغان فتح ملف انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، بل وطالب بفتح الطريق أمام هذه العضوية مقابل موافقة أنقرة على انضمام السويد إلى حلف الناتو.

والحقيقة أن موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو لم تكن مفاجأة كبيرة بالنسبة للكرملين، كما أكد المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف الذي قال “تركيا ملتزمة بتعهداتها. هذا لم يكن سرا بالنسبة لنا، لم ننظر إلى الأمر أبدا من نظارة وردية”.

وبدأت أنقرة تتحرك لإحياء شراكات واتفاقات مع الغرب، حيث اتفقت تركيا وبريطانيا على بدء المحادثات من أجل تحديث اتفاقية التجارة الحرة بينهما والموقعة في ديسمبر 2020.

وربما التصرف الأشد إيلاما بالنسبة لموسكو كان تسليم تركيا للقادة الأوكرانيين الخمسة لبلادهم على هامش زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأخيرة لإسطنبول. كانت روسيا قد أسرت قادة كتيبة أزوف الأوكرانية الخمسة ثم نقلتهم إلى تركيا مع تأكيدات بعدم إعادتهم إلى أوكرانيا قبل انتهاء الحرب.

ويرى الكرملين أن التصرف التركي “انتهاء للاتفاق القائم”. ولكن أردوغان يقول إن “روسيا ستغضب في البداية لكنها ستنظر إلى الموقف بشكل إيجابي عندما تعرف بعض التفاصيل”.

وبالتحول نحو الغرب يختبر الرئيس التركي بشكل جوهري الخطوط الحمراء الجديدة لموسكو، ومدى استعداد روسيا للرد على أي موقف تركي في الوقت الذي تتصدى فيه لهجوم أوكراني مضاد وتسعى للتعافي من تداعيات تمرد مجموعة فاغنر المسلحة؟

ويرى سليمانوف أن تسليم قادة أزوف الأوكرانيين لبلادهم يبدو أنه كان محاولة تركية للضغط على روسيا لتجديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي انتهى أجله يوم السابع عشر من يوليو الحالي. فهذا الاتفاق الذي تم بواسطة تركية يسمح بخروج السفن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا في أوكرانيا دون أي تهديد روسي. ورغم رفض القيادة الروسية تمديد الاتفاق، فإنه في ضوء التحولات التي تمر بها العلاقات الروسية – التركية، قد تتوصل الدولتان إلى اتفاق بديل.

ففي أزمتي توسيع حلف الناتو وتسليم القادة الأوكرانيين لدولتهم، أظهر رد الفعل الحذر أن روسيا حاليا ليست في موقف يسمح لها بتصعيد التوترات مع تركيا التي تبقى الوسيط الوحيد الحقيقي بين موسكو وكل من كييف والغرب، إلى جانب أنها واحدة من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لها.

من ناحيته لا ينسى أردوغان الدعم الذي حصل عليه من موسكو أثناء حملته الانتخابية حيث وافقت على سبيل المثال على تأجيل مدفوعات بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على أنقرة مقابل مشترياتها من الغاز الروسي. كما لا ينسى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، وكذلك قدرته على ممارسة الضغوط على شركائه في حلف الأطلسي بمساعدة روسيا.

ويعتبر المحلل السياسي أن الخلاصة تتمثل في أن كلتا الدولتين تدركان أهمية تجنب أي تصعيد في التوتر بينهما وضرورة إبقاء أي خلافات تحت السيطرة.

العرب