هل يتحكم البنك المركزي العراقي في التحويلات بتوفر العملة الصعبة

هل يتحكم البنك المركزي العراقي في التحويلات بتوفر العملة الصعبة

بغداد- أوحى محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق بأنه لا وجود لمشكلة عملة في العراق، وأن احتياطي العراق من العملة الأجنبية يبلغ أكثر من 113 مليار دولار، وذلك في رد على احتجاج العشرات من العراقيين أمام مقر البنك على تواصل ارتفاع سعر صرف الدولار، مطالبين الحكومة بإيجاد حلول لمشاكل العملة العراقية.

يأتي هذا في وقت يتساءل فيه مراقبون عما إذا كان فائض العملة يعني أن البنك المركزي العراقي يتحكم في التحويلات، وأن العراقيين يحصلون على ما يريدونه من عملات بحُرية تامة فيما تضع الولايات المتحدة يدها على عمليات التحويل المختلفة، وتلزم البنك المركزي والحكومة العراقية بإجراءاتها.

وفي محاولة للتخفيف من حدة غضب الشارع، قال العلاق في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية إن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي سببه عدم دخول التجار على المنصة الإلكترونية للبنك، وإن “بعض من يريدون شراء الدولار لا يعتمدون الطرق الصحيحة عبر الذهاب إلى المنصة الإلكترونية”.

ويرى المراقبون أن هذا تفسير غير منطقي هدفه تخفيف الضغوط عن الحكومة بعد أن بدأ العراقيون يتذمرون من تداعيات أزمة العملة على حياتهم.

ورفع المتظاهرون الأربعاء لافتات تدعو الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات صارمة للسيطرة على سعر صرف الدولار، منددين بتواصل تدهور أوضاعهم المعيشية.

وقفز سعر صرف الدولار في السوق الموازية بالعراق إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز حاجز الـ155 ألف دينار لكل 100 دولار أميركي، في حين بلغ السعر الرسمي في البنك المركزي العراقي 1320 دينارا للدولار.

وأدى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى إرباك حركة السوق وزيادة أسعار السلع، الأمر الذي أثار قلق المواطنين.

واحتدّت أزمة الدينار بعد أن أعلن البنك المركزي العراقي عن ضوابط جديدة للسيطرة على أسعار صرف الدولار إثر فرض وزارة الخزانة الأميركية قيودا على 14 مصرفا عراقيا تمنعها من التعامل بالدولار لتحويله إلى إيران ودول أخرى خاضعة للعقوبات في الشرق الأوسط.

ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الأسبوع الماضي عن مسؤولين أميركيين تفسيرهم لهذه الخطوة بأنها جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية.

ودعت المصارف العراقية التي تستهدفها عقوبات أميركية إلى رفع الضرر الذي طالها. وقالت في بيان إنها “تعمل تحت مظلة ورقابة البنك المركزي العراقي وتقدم خدمات مصرفية متعددة ومن ضمنها تغطية الاستيرادات الخارجية”، وإنها “على استعداد تام للخضوع لتدقيق معاملاتها كافة، سواء من البنك المركزي العراقي أو من شركات التدقيق العالمية”.

ومن شأن هذا البيان أن يزيد الإحراج الذي يشعر به العلاق والبنك المركزي بشكل يظهرهما في موقف من لا يتحكم في عملية التقييم وتحديد من يستحق ومن لا يستحق.

وكان البنك المركزي العراقي سعى في بيان سابق لطمأنة هذه المصارف والأطراف التي تقف وراءها، لكنْ بعيدا عن الضوابط المفروضة أميركيًّا.

وقال البيان إن “المصارف المحرومة من التعامل بالدولار الأميركي تتمتّع بكامل الحرية في التعامل بالدينار العراقي بمختلف الخدمات ضمن النظام المصرفي العراقي، فضلاً عن حقّها في التعامل الدولي بعملات غير الدولار الأميركي”.

واجتمعت اللجنة المالية في البرلمان العراقي مع العلاق “لمناقشة موضوع صرف الدولار وآلية عمل البنك المركزي للسيطرة على السوق”.

وقال رئيس اللجنة النائب عطوان العطواني إن النواب شددوا على وجوب “مراجعة الإجراءات المتخذة من قبل البنك المركزي للحفاظ على استقرار أسعار الصرف والسوق”. وأضاف أن “هذه الإجراءات لم تعد كافية ويجب اتخاذ إجراءات جديدة، بما يضمن إعادة استقرار السوق والسيطرة على أسعار صرف الدولار”.

وحذر من “حساسية الموقف، خاصة أن هذه الأزمة لا تقل خطورة عن التحدي الإرهابي، كونها تهدد وجود الدولة، لاسيما في ظل وجود عامل خارجي يعمل جاهدا على زعزعة الاستقرار السياسي والأمني”.

وكان الخبير المالي صادق الركابي قال إن العقوبات اتخذت على خلفية “فواتير غير مبررة”، وليس فيها إثبات لتحديد الوجهات التي تم تحويل الدولار إليها من هذه المصارف، أو إثبات سلع مقابلها.

◙ فائض العملة هل يعني أن العراقيين يحصلون على ما يريدونه من عملات فيما تضع واشنطن يدها على عمليات التحويل المختلفة

وأضاف أن وزارة الخزانة الأميركية كانت تنتظر منذ أشهر أن تمدها المؤسسة المالية العراقية بإثبات ودليل على تلك الفواتير، لكنها لم تحصل على شيء.

وتجري معظم عمليات التهريب بناء على وثائق استيراد لسلع تدخل البلاد فعليّا من أجل بيعها بالدينار، لكن الكثير من عمليات الاستيراد وهمية. كما أن وسائل التهريب الأخرى تتضمن شراء سلع بأسعار مضاعفة، أو سلع رديئة، والغاية من ذلك أن تتحول فواتيرها إلى دولارات، قبل أن يتم تهريبها إلى الخارج.

ووفقًا للخبير منار العبيدي فإنه خلال عام 2020، على سبيل المثال، حوّل العراق نحو 40 مليار دولار لغرض استيراد بضائع مختلفة، لكن السوق تسلمت بضائع بقيمة 15 مليار دولار، ما يعني أن المبلغ المتبقي تم تهريبه إلى جهات خارجية.

وقال المسؤول السابق في البنك المركزي محمود داغر في تصريح تلفزيوني “حين يقول البنك إنه باع 250 مليون دولار، فإن الزبائن قد لا يتسلمون منها بالفعل إلا 150 مليونًا فقط”.

ويقول مراقبون إن مصادر التدبير والتغطية على عمليات التهريب متعددة، وهي تشمل مسؤولين حكوميين كبارا، وقادة أحزاب وأعضاء في البرلمان، وليست المصارف “الإسلامية” والأهلية إلا الطرف الوسيط الأخير في العملية، ما يجعل حظر بعضها لا يعني شيئا على أرض الواقع.

العرب