الخطاب المعادي لفرنسا يرفع أسهم العسكر في الشارع النيجري

الخطاب المعادي لفرنسا يرفع أسهم العسكر في الشارع النيجري

استغل قادة الانقلاب في النيجر الغضب الشعبي على الوجود الفرنسي في البلاد لحشد الدعم المحلي. ودخل العسكريون في تراشق مع باريس واتهامات لها بالسعي للتدخل العسكري واستخدام القوة ضد متظاهرين أمام سفارتها في نيامي.

نيامى – اتخذ العسكريون في النيجر الذين أطاحوا بالرئيس المنتخب محمد بازوم، من خلال اتهام فرنسا الاثنين بأنها تسعى “للتدخل عسكريا” لإعادته إلى السلطة، خطوة لإحداث قطيعة مع دولة الاستعمار السابقة.

وقد تظاهر الآلاف الأحد أمام السفارة الفرنسية في نيامي قبل تفريقهم بالغاز المسيل للدموع.

وبدأت التظاهرة بمسيرة نحو مقر الجمعية الوطنية تلبية لنداء بعض قادة الانقلاب، ورفعت خلالها لافتات تطالب بسحب الجنود الفرنسيين الـ1500 المنتشرين في النيجر.

وهو سيناريو يتكرر في منطقة الساحل التي شهدت انقلابات وتصاعد مشاعر العداء لدولة الاستعمار سابقا بعد انقلابين في كل من مالي وبوركينا فاسو.

وسرعان ما تبنى قادة الانقلاب في النيجر خطابا معاديا لفرنسا بهدف حشد الدعم الشعبي، في حين هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) -التي يتهمها منتقدوها بأنها تأثرت بباريس- بالتدخل عسكريا ضدهم.

الرأي السائد بين السكان هو أن الجنود الفرنسيين لن يأتوا إلى مناطق الحرب إلا لتوزيع الأسلحة على الجهاديين

ويؤكد إبراهيم يحيى إبراهيم، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أن الانقلابات في منطقة الساحل “مدعومة من قسم من الشعب الذي أظهر موقفا عدائيا تجاه الوجود الفرنسي أو الغربي”.

و”هذه الخطابات المعادية لفرنسا او للسياسة الفرنسية قائمة منذ زمن ومع ذلك فهي لم تعد محصورة كما في السابق بالنخب المثقفة بل تغلغلت بقوة في الطبقات الشعبية وخصوصا في المدن”، وفقا لدراسة أجراها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ونشرت في يونيو الماضي.

وفي شوارع نيامي، أحد معاقل المعارضة لنظام الرئيس بازوم، كان من الصعب إيجاد -حتى قبل الانقلاب- دعما قويا للسياسة الفرنسية.

ويتعرض الحليف الفرنسي لانتقادات على نطاق واسع بسبب عجزه عن القضاء على تهديد الجهاديين من تنظيم الدولة الإسلامية، ولاعتماده دبلوماسية وصفت بأنها متعجرفة وملتبسة.

وتتردد أيضا أصداء نظريات المؤامرة على نطاق واسع في بلد لا تتعدى فيه نسبة من يجيدون القراءة والكتابة 30 في المئة.

وكتب رحمن إدريسا، الباحث في العلوم السياسية بمركز الدراسات الأفريقية في جامعة ليدن (هولندا)، على مدونته “الرأي السائد بين السكان هو أن الجنود الفرنسيين لن يأتوا إلى مناطق الحرب إلا لتوزيع الأسلحة على الجهاديين”. وأضاف أنها فكرة “لا تستند إلى حقائق بل إلى مشاعر، وللأسف لا يمكن مناقضة المشاعر بالأدلة الواقعية”.

وعادة ما تستهدف النيجر بحملات تضليل على مواقع التواصل الاجتماعي في خضم حرب النفوذ بين العديد من الدول، منها فرنسا وروسيا، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وكان محمد بازوم قد اختار استقبال جنود قوة برخان الفرنسية بعد رحيلهم عن مالي عام 2022، رغم اعتراض فئة من السكان على ذلك.

وقال المحلل النيجري أمادو باونتي ديالو “بازوم تحالف مع الفرنسيين رغم معارضة الرأي العام”.

وفي نهاية نوفمبر 2021 قطع متظاهرون غاضبون الطريق أمام قافلة عسكرية من برخان في تيرا غرب النيجر. وقُتل ثلاثة منهم برصاص قالت حكومة النيجر إن القوات الفرنسية أطلقته.

وقال إبراهيم يحيى إبراهيم “لم ينجح بازوم في أن يُظهر بوضوح لشعب النيجر أنه يقيم علاقة غير مقيدة مع الشركاء الغربيين، وظهر في الرأي العام كشخص قريب جدا من فرنسا”.

انتخب بازوم في 2021 إثر عملية انتخابية احتجت عليها المعارضة بعدما فاز بـ55 في المئة من الأصوات. ونددت هذه المعارضة بالعلاقات بين باريس وبازوم.

في أكتوبر 2022 ألغت فرنسا تأشيرة مايكول زودي الناشط في المجتمع المدني والمعروف بمعارضته لوجود قواعد عسكرية غربية ولاسيما فرنسية في النيجر.

ورغم المساعدات الكبيرة في الموازنة التي تم تعليقها بسبب الانقلاب ظلت “العلاقات التجارية بين النيجر وفرنسا هشة للغاية. ولم تعد النيجر شريكا إستراتيجيا لمادة اليورانيوم كما كانت عليه في السبعينات والثمانينات”، وفق قول آلان أنتيل مدير مركز أفريقيا جنوب الصحراء في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

واتهم العسكريون الانقلابيون في النيجر فرنسا الإثنين بالرغبة في “التدخل عسكريا” لإعادة بازوم إلى منصبه، غداة قمة لدول غرب أفريقيا أمهلت المجموعة العسكرية الانقلابية أسبوعاً لإعادة الانتظام الدستوري إلى البلاد، مؤكدة أنها لا تستبعد “استخدام القوة”.

ويشدّد شركاء النيجر الغربيون والأفارقة الضغط على الانقلابيين الذين استولوا على السلطة في 26 يوليو الماضي، سعيا لإعادة “النظام الدستوري” إلى هذا البلد الذي يعتبر محورياً في مكافحة الحركات الجهادية الناشطة في دول الساحل منذ سنوات.

وبالإضافة إلى الجنود الفرنسيين، تنشر الولايات المتحدة 1100 جندي يشاركون في القتال ضد الجهاديين.

وتبدو فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في النيجر والداعمة للرئيس بازوم، الهدف الأساسي للعسكريين الانقلابيين.

واتهم الانقلابيون فرنسا في بيان الإثنين بالرغبة في “التدخل عسكريا” لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، وبإطلاق الغاز المسيل للدموع الأحد على متظاهرين مؤيدين للمجموعة العسكرية أمام سفارة فرنسا في نيامي.

وجاء في البيان “في إطار بحثها عن سبل ووسائل للتدخل عسكرياً في النيجر عقدت فرنسا بتواطؤ مع بعض أبناء النيجر، اجتماعاً مع هيئة أركان الحرس الوطني في النيجر للحصول على الأذونات السياسية والعسكرية اللازمة”.

وفي بيان آخر اتهم الانقلابيون “أجهزة أمنية” تعود إلى “قنصلية غربية”، دون تحديد هويتها، بإطلاق الغاز المسيل للدموع الأحد في نيامي على متظاهرين مؤيدين للمجموعة العسكرية، “ما أدى إلى إصابة ستة أشخاص، نقلوا إلى مستشفيات” في العاصمة.

وتحدث بعض المسؤولين النيجريين بعد التظاهرة عن إطلاق نار فرنسي برصاص حي على المتظاهرين.

العسكريون في النيجر يتهمون فرنسا بالرغبة في “التدخل عسكريا” لإعادة بازوم إلى منصبه، غداة قمة لدول غرب أفريقيا أمهلت المجموعة العسكرية الانقلابية أسبوعاً لإعادة الانتظام الدستوري إلى البلاد

ونفت فرنسا الإثنين معلومات تحدثت عن استخدامها وسيلة فتاكة لتفريق متظاهرين الأحد أمام سفارتها في عاصمة النيجر نيامي.

وتوعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد الانقلابيين بالرد “فوراً وبشدّة” على أي هجوم يستهدف مواطني فرنسا ومصالحها في النيجر، بعدما تظاهر آلاف الأشخاص أمام سفارة باريس في نيامي.

وحاول بعض هؤلاء اقتحام المبنى قبل أن يتم تفريقهم باستخدام الغاز المسيل للدموع.

ونظمت تظاهرة جديدة مؤيدة للمجموعة العسكرية الإثنين في منطقة زيندر، على بعد 850 كلم شرق نيامي.

وعقدت قمة استثنائية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (والنيجر عضو فيها إلى جانب 14 بلدا آخر) الأحد في أبوجا برعاية رئيس نيجيريا بولا تينوبو الذي يتولى رئاسة التكتل منذ مطلع يوليو.

وطلبت المجموعة في ختام القمة “الإفراج الفوري” عن الرئيس بازوم و”العودة الكاملة إلى الانتظام الدستوري في جمهورية النيجر”.

وحذّرت من أنه في حال “عدم تلبية الطلب ضمن مهلة أسبوع” ستقوم “باتخاذ كل الإجراءات الضرورية… وهذه الإجراءات قد تشمل استخدام القوة”.

كما قررت المنظمة الإقليمية “تعليق جميع المبادلات التجارية والمالية” بين الدول الأعضاء والنيجر. وفرضت عقوبات مالية أخرى منها “تجميد أصول المسؤولين العسكريين الضالعين في الانقلاب”. ورحّبت فرنسا بالقرارات التي اتخذها قادة إيكواس الأحد.

وشارك رئيس تشاد محمد إدريس ديبي إيتنو في قمة إيكواس رغم أن بلاده ليست عضواً في المجموعة الاقتصادية، لكنها جارة للنيجر وهي أيضا قوة عسكرية في منطقة الساحل متحالفة مع فرنسا.

وتوجه ديبي بعد ذلك إلى نيامي الأحد في إطار “مبادرة تشادية”، “ليرى ما يمكن أن يقدمه في سبيل تسوية الأزمة” في النيجر، بحسب ما أكده المتحدث باسم الحكومة التشادية عزيز محمد صالح.

وخلال جهود الوساطة هذه تحدث ديبي إلى بازوم المحتجز منذ 29 يوليو الماضي في مقر إقامته في القصر الرئاسي من قبل أعضاء في الحرس الرئاسي الذي يقوده الجنرال عبدالرحمن تياني الذي يقف وراء عملية الانقلاب.

وأدان المجلس العسكري المنبثق عن الانقلاب مساء السبت القمة قبل انعقادها، معتبراً أنها تهدد بـ”تدخل عسكري وشيك في نيامي بالتعاون مع دول أفريقية غير منتسبة إلى المنظمة وبعض الدول الغربية”.

وحمّل جوزيب بوريل مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي الاثنين الانقلابيين في النيجر مسؤولية أي هجوم على السفارات الأجنبية. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي “سيدعم بسرعة وبحزم” قرارات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

كذلك أعلنت ألمانيا وإسبانيا الإثنين تعليق مساعدتهما للنيجر بعد الانقلاب العسكري.

ومن جهته دعا الكرملين الإثنين “جميع الأطراف إلى ضبط النفس” والعودة إلى “الشرعية” في النيجر، بينما لوح المتظاهرون المؤيدون للانقلاب بأعلام روسيا في نيامي.

واستنكر الحزب الرئاسي في النيجر ضمن بيان الإثنين القبض على أربعة وزراء (الداخلية، النفط، التعدين، النقل) ووزير سابق، وعلى رئيس الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس المحتجز.

كذلك أعلنت مصادر مقرّبة من الرئاسة اعتقال وزير التعليم العالي.

والنيجر بلد يقع في منطقة الساحل الصحراوية ويبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة، وهو من أفقر دول العالم رغم موارده من اليورانيوم.

وقال رئيس وزراء النيجر حمودو محمدو لمحطة فرانس 24 الأحد إن العقوبات “ستكون كارثة” اقتصادية واجتماعية، لكنه أعرب عن تفاؤله حيال الوساطات.

وتقع النيجر في قلب منطقة الساحل وهي الحليف الأخير الذي تقيم معه باريس شراكة “قتالية” ضد الجهاديين في هذه المنطقة التي تعاني من انعدام الاستقرار والهجمات. والنيجر هي ثالثة دول المنطقة التي تشهد انقلابا منذ عام 2020 بعد مالي وبوركينا فاسو.

العرب