الانتخابات المحلية فى العراق: تفكك تحالفات.. واحتمالات عودة مقتدى الصدر

الانتخابات المحلية فى العراق: تفكك تحالفات.. واحتمالات عودة مقتدى الصدر

أعلنت الحكومة العراقية إجراء الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) فى 18 ديسمبر 2023، بعد فترة انقطاع دامت 10 سنوات على تاريج آخر انتخابات محلية شهدها العراق فى عام 2013، حيث تم حل مجالس المحافظات امتثالاً للمطالب الشعبية التى نادت بها حركة الاحتجاج الجماهيرية فى أكتوبر 2019 (حراك تشرين)، نتيجة فشل تلك المجالس فى توفير وتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية للمواطن العراقى وتردى البنى التحتية فى كافة المحافظات، فضلاً عن تورطها فى العديد من أوجه الفساد المالى والإدارى.

ومن المفترض أن تُجرى الانتخابات المحلية فى كل المحافظات العراقية عدا محافاظات إقليم كردستان الثلاثة -أربيل والسليمانية ودهوك- الذى يخضع لنظام الحكم الذاتى، وله نظام انتخابى منفصل عن النظام الانتخابى العام الذى تطبقه الحكومة المركزية فى بغداد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرار تنظيم الانتخابات المحلية جاء بعد إقرار البرلمان للموازنة العامة للدولة وللمحافظات، وهو ما دفع القوى السياسية المسيطرة على البرلمان إلى عودة العمل على المستوى المحلى بخطى حثيثة، بهدف رعاية مصالحها عبر السيطرة على السلطتين السياسية والمالية.

تكتسب الانتخابات المحلية أهميتها فى الحياة السياسية العراقية من كون نتائجها ستحدد حصة الأحزاب والقوى السياسية من المجالس المحلية التى تلعب دوراً واسعاً فى التشريع والرقابة داخل المحافظات، فضلاً عن كونها لا ترتبط ولا تخضع فى عملها لأى جهة وزارية، وتتمتع إلى جانب ذلك بصلاحيات إدارية كبيرة، هذا إلى جانب أن الانتخابات المحلية فى حد ذاتها تعد مؤشراً قوياً على طبيعة التفاعلات بين القوى السياسية التى ستخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة المحتمل إجراؤها خلال عام من تاريخ تولى محمد شياع السودانى رئاسة الوزراء فى أكتوبر 2022 ، وذلك وفقاً لما تعهد به السودانى نفسه.

وقد أدت الدعوة إلى إجراء الانتخابات المحلية، بعد عقد من توقفها، إلى زيادة الزخم السياسى بشأن طبيعة التفاعلات بين القوى والأحزاب السياسية القائمة، بالإضافة إلى المستجدات التى تشهدها هذه التفاعلات، والتى بدأت تتكشف معالمها مع التطورات الحادثة على مستوى الإطار التنسيقى الشيعى، الذى يمثل القوى السياسية الأبرز على خريطة العملية السياسية فى العراق، وما يشهده من تفكك فى تحالفاته وظهور تحالفات جديدة منبثقة عنه. وأيضاً على مستوى تحالفات القوى السنية والكردية، فضلاً عن بعض التوقعات التى قد تؤشر إلى احتمالية عودة التيار الصدرى إلى ساحة العمل السياسى من بوابة الانتخابات المحلية، بما قد يعيد تشكيل مجمل خريطة التفاعل ين القوى الحزبية سواء على مستوى التفاعل بين القوى السياسية الشيعية نفسها، أو بينها وبين غيرها من القوى السياسية السنية والكردية، فضلاً عن القوى المدنية الجديدة.

تفكك “تكتيكى” للتحالفات القائمة
ألقت نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة – أكتوبر 2021 – وما نتج عنها من صراع سياسى بين القوى السياسية الشيعية نفسها؛ بظلال قاتمة على العملية السياسية فى العراق، وهو الصراع الذى انتهى بتشكيل القوى الخاسرة فى الانتخابات – قوى الإطار التنسيقى – الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السودانى، بينما اتجهت القوى الفائزة – تيار الصدر – إلى الانكفاء على نفسها والانسحاب من البرلمان والانعزال الطوعى عن العمل السياسى. وبعدها استطاعت قوى الإطار، وعن طريق سيطرتها على البرلمان مع غياب المعارضة الوازنة، تعديل قانون الانتخابات العام سواء على مستوى انتخابات مجالس المحافظات، أو على مستوى الانتخابات البرلمانية ككل، وذلك فى مارس 2023، وتلخص هذا التعديل فى عودة العمل بالنظام الانتخابى “سانت ليجو المعدل” بعد أن ألغاه قانون الانتخابات رقم 9 الصادر فى سبتمبر 2020. وبدون الدخول فى تفاصيل قانون سانت ليجو المعقدة يمكن القول إن هذا النظام الانتخابى يضمن عودة الأحزاب التقليدية الكبرى للهيمنة أولاً على ساحة العمل السياسى فى المحافظات، وثانياً على نتائج الانتخابات البرلمانية لكونه يعتمد التمثيل النسبى – وفقاً لنمط حسابى معين – أساساً للعملية الانتخابية، ويعتبر الدولة دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يمثل نكوصاً على أحد أهم مكتسبات حراك تشرين 2019، وهو قانون الانتخابات رقم 9 الصادر فى سبتمبر 2020، الذى ألغى العمل بنظام القائمة النسبية، كما قسم الدولة إلى 85 دائرة انتخابية، وهو ما أتاح للأحزاب المدنية الجديدة – المنبثقة عن الحراك – دخول البرلمان.

فى هذا السياق، شهدت خريطة القوى السياسية عدة مستجدات كان أبرزها تلك التى حدثت على مستوى التحالفات الشيعية داخل الإطار التنسيقى؛ حيث بدا واضحاً أن قوى الإطار لن تدخل الانتخابات المحلية بكتلة انتخابية واحدة، بمعنى أن القوى الشيعية المنضوية فيه ستتفكك إلى عدة تحالفات كل وفق خطه السياسى؛ فمن المتوقع أن تشكل الأحزاب الشيعية الدينية تحالفاً منفرداً، وكذلك الأحزاب اليسارية، بينما من المتوقع أن تتجه قوى الاعتدال المدنية فى الإطار إلى تشكيل تحالف منفرد أيضاً. هذا فضلاً عن الخلافات البينية التى تضرب علاقات القوى الشيعية داخل الإطار؛ والتى فشلت محاولات احتوائها من قبل زعيم “تحالف الفتح” هادى العامرى، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم؛ بهدف الحفاظ على وحدة الإطار. فضلاً عن رفض نورى المالكى زعيم ائتلاف دولة القانون مشاركة تيار الفراتين الذى يرأسه رئيس الحكومة شياع السودانى فى الانتخابات المحلية المقبلة، بالرغم من أن السودانى حظى بدعم نورى المالكى فى فترة ما. والسبب فى ذلك يعود إلى مخاوف القوى التقليدية فى الإطار التنسيقى عامة، والمالكى تحديداً من حصول تيار الفراتين على نسبة أصوات تمكنه من السيطرة على مجالس عدد من المحافظات، حيث يرغب المالكى فى حالة فوز قائمته فى الانتخابات المحلية في أن يكون له الدور الأكبر فى عمليات انتخاب المحافظين ونوابهم بخلاف المناصب الإدارية، حيث يمتلك المحافظ والمسئولون التنفيذيون فى المحافظات صلاحيات مهمة أبرزها إقرار المشاريع وفقاً لخطة الموازنة المالية التى تخصصها الحكومة المركزية فى بغداد لكل محافظة على حدة.

ويرغب نورى المالكى في خوض الانتخابات المحلية منفرداً بكتلته السياسة – ائتلاف دولة القانون -عن باقى قوى الإطار التنسيقى؛ أى بقائمة منفصلة، مستنداً فى ذلك إلى النتائج التى حصل عليها الائتلاف خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة – أكتوبر 2021- والتى تقدم فيها على كافة أقرانه من الأحزاب السياسية الشيعية؛ حيث حصل على 34 مقعداً برلمانياً، وهو ما يعنى أن المالكى على قناعة بأن قاعدته الشعبية ثابتة، ولم تتغير بل ويتوقع أن يحصل على المزيد فى انتخابات مجالس المحافظات.

اللافت فى التحولات التى طرأت على الإطار التنسيقى أنها ارتبطت بارتفاع حدة الخلاف مع رئيس الوزراء شياع السودانى الذى تولى منصبه بمساعدة قوى الإطار نفسها، ما دفع إلى القول بأن ثمة تغييراً واضحاً فى نمط تفاعلات القوى الرئيسية والنافذة داخل الإطار عنوانه الرئيسى هو “تقاطع المصالح الحزبية” فى مرحلة سياسية لم يتضح فيها بعد إلى أين ستتجه البلاد؛ هل ستتجه إلى إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وفقاً لرغبة رئيس الوزراء، أم ستتجه إلى التأجيل واستكمال الفترة البرلمانية لمدة 4 سنوات وفقاً لرؤية قوى الإطار التنسيقى. فثمة تفاعلات واضحة تشى بأن بعض قوى الإطار باتت تنتقد سياسات السودانى من ناحية، فضلاً عن غياب حالة التنسيق السياسى التى كانت تميز مسار العلاقة بينهما على مدار الشهور الماضية من ناحية ثانية. ويفسر البعض هذا التحول بأن السودانى بدأ يتصرف كرجل دولة وليس كمرشح لقوى الإطار، وبالتالى غابت سمة التفاعل على أساس الندية والتعاون بين الجانبين، وحضرت بدلاً من ذلك سمة التفاعل على أساس الغلبة والسيطرة على الأمور من جانب السودانى بصفته رئيساً للحكومة. وكانت أبرز أوجه الخلاف التى خرجت للعلن هو الانتقاد الحاد الذى وجهه السودانى لعدد من الوزراء المحسوبين على قوى نافذة داخل الإطار التنسيقى، مصرحاً بأن علاقة الوزير بحزبه السياسى تنتهى عند عتبة منصبه؛ أى عند حصوله على ثقة البرلمان، وهو ما عده البعض مؤشراً على احتمالية إجراء تعديلات وزارية قد تؤدى إلى حالة من الصدام السياسى المكتوم بين السودانى والقوى الحزبية التى ينتمى لها بعض الوزراء الذين ستطالهم التعديلات، ما يعنى أن المصلحة الجماعية التى جمعت قوى الإطار التنسيقى معاً، لم تعد واحدة فى الوقت الراهن، بل قد تختلف من قضية لأخرى ومن موضوع لآخر. وتعد انتخابات مجالس المحافظات، ووفقاً لهذا التصور، هى المصلحة الفردية الأهم للقوى النافذة فى الإطار حالياً، لكونها مصدر مهم من مصادر القوة والنفوذ على المستوى المحلى.

من هذا المنطلق، يمكن تفسير أسباب تحركات نورى المالكى – رئيس ائتلاف دولة القانون – لدخول الانتخابات المحلية بقائمة منفردة بعيداً عن تحالفاته السابقة مع قوى الإطار التنسيقى. لكن هذا التصور لا ينفى – كما سبق القول – عودة التحالفات مرة أخرى بعد الانتخابات لتقاسم “كعكة” مناصب مجالس المحافظات، مع ملاحظة أن توزيع هذه المناصب المهمة فى المجالس المحلية سيخضع حينها للأوزان النسبية التى ستحصل عليها القوى السياسية فى تلك الانتخابات، وهو ما يعنى أن “تفكك” الإطار التنسيقى بالرغم من اعتباره مؤشراً واضحاً على وجود خلافات بين قواه السياسية، إلا أنه فى الوقت نفسه يعد “تفككاً تكتيكياً” أى لن يؤثر كلية على حالة “التحالف الإستراتيجى” للإطار.

وعلى الرغم من عدم اكتمال الصورة الخاصة بخريطة القوى السياسية التى ستدخل الانتخابات المحلية؛ نظراً لحالة التغير المستمر فى تفاعلات تلك القوى مع بعضها البعض، لاسيما وأن الانتخابات ستجرى نهاية العام، إلا أنه يمكن القول أن الإطار التسيقى كممثل لجميع القوى الشيعية – باستثناء تيار الصدر – سوف ينقسم “انتخابيا” إلى ثلاثة تيارات :

1- تيار اليمين المتشدد، ويمثله الأحزاب الدينية التقليدية؛ تحالف المالكى ويمثله ائتلاف دولة القانون، وتحالف قيس الخزعلى ويمثله عصائب أهل الحق، وتحالف فالح الفياض وتمثله هيئة الحشد الشيعية. وكل من التحالفات الثلاثة تتجه إلى دخول الانتخابات المحلية بقائمة منفردة.

2- تيار الاعتدال، ويمثله بعض القوى الشيعية الدينية أيضاً، لكنها أكثر اعتدالاً عن التيار السابق ومنها تحالف تيار النصر لحيدر العبادى رئيس الوزراء السابق، وتيار الحكمة لعمار الحكيم . وخلال الأسابيع الماضية حاول هذا التحالف استمالة بعض القوى والشخصيات المعروفة بنهجها المعتدل من باقى القوى الشيعية، لاسيما المترددين فى الانضمام سواء للمالكى (ائتلاف دولة القانون) أو الخزعلى (عصائب أهل الحق). كما يكثف هذا التيار من مشاوراته السياسية مع “حركة الوفاء” وحركة “اقتدار وطن” فى محاولة لضمهما لقوائمه الانتخابية.

3- التيار المدنى العلمانى الشيعى، ويمثله بعض أحزاب اليسار العراقى.

والأمر نفسه بخصوص التحالفات السنية؛ حيث تفكك تحالف السيادة السنى بإعلان حزب “تقدم” لمحمد الحلبوسى رئيس البرلمان، وتحالف “عزم” لخميس خنجر عن دخولهما انتخابات مجالس المحافظات بقوائم منفصلة؛ بهدف استفادة كل طرف من نتائج الانتخابات فى المحافظات التى يتمتع فيها بقاعدة شعبية كبيرة على غرار ما يتمتع به الحلبوسى فى محافظة الأنبار مثلاً. لكنهما فى الوقت نفسه لم ينفيا إمكانية عودة تحالفهما عند تشكيل مجالس المحافظات. ومن المفترض دخول التيارات السياسية السنية انتخابات المحافظات بقائمتين فقط، حيث سيؤدى الانقسام إلى قوائم متعددة إلى تشتت أصوات المكون السنى.

كذلك بالنسبة للمكون السياسى الكردى؛ فعلى الرغم من أن محافظات الإقليم الثلاثة – أربيل والسليمانية ودهوك- لن تجرى فيها انتخابات محلية؛ نظراً لأن الإقليم ووفقاً لحالة الحكم الذاتى التى يتمتع بها تضمن له نظاماً انتخابياً مستقلاً، إلا أن الانتخابات ستشمل المناطق المتنازع عليها بين الإقليم وحكومة بغداد المركزية. وهنا تحديداً، أخذت التفاعلات منحى تصاعدياً بين المكون السياسى الكردى؛ لأن حكومة الإقليم أعلنت رفضها التام إجراء انتخابات محلية فى المناطق المتنازع عليها. بل عادت نبرة التصعيد والتخوين بين القوى السياسية الكردية نفسها، حيث يرى الحزب الديمقراطى الكردستانى أن “الموافقة الضمنية” التى يبديها حزب الاتحاد الكردستانى على رغبة الحكومة المركزية شمول العملية الانتخابية للمناطق المتنازع عليها، تعد بمثابة “خيانة” لأسس ومرتكزات العمل السياسى الكردى.

موقف القوى المدنية المعارضة
أما القوى المدنية المعارضة، والتى تكونت على وقع الحراك الشعبى فى أكتوبر 2019، فقد كثفت نشاطها السياسى على هامش الاستعداد لدخول الانتخابات المحلية، وتحاول هذه القوى جذب القاعدة الشعبية التى تؤيد التيار الصدرى الذى لم يحسم موقفه بعد بشأن دخول الانتخابات المحلية، لاسيما مع اقتراب انتهاء فترة “عام الانعزال السياسى” التى أعلنها زعيم التيار مقتدى الصدر. أى ستحاول القوى المدنية المعارضة ملء الفراغ الذى خلفه انسحاب الصدر من الحياة السياسية، عبر استمالة القواعد الشعبية التى تؤيده حال قرر الأخير عدم دخول انتخابات مجالس المحافظات. ومن المتوقع أن تشارك هذه القوى عبر تحالف انتخابى يسمى “قوى التغيير الديمقراطية” تم تشكيله فى يونيو 2023، ويضم : حركة “نازل آخذ حقى”، و”حزب البيت الوطنى”، و”الحزب الشيوعى العراقى”، إلى جانب عدد من السياسيين المستقلين من المشاركين فى البرلمان. وتتميز هذه القوى بأنها تتبنى أفكاراً عابرة للمحاصصة الطائفية ورافضة لسيطرة ونفوذ الأحزاب الكبرى التقليدية.

وتعد حظوظ هذه القوى بشأن إحراز نتائج يعتد بها فى انتخابات مجالس المحافظات محدودة، كما أن هذه النتائج لن تمثل تغييراً حدياً فى الخريطة الانتخابية العراقية، لاسيما إذا قرر تيار الصدر العودة للعمل السياسى من بوابة الانتخابات المحلية. فضلاً عن اعتماد برامجها السياسية على المعارضة فقط لسياسات الأحزاب التقليدية، دون أن يكون لها برامج سياسية واضحة تتضمن آليات المواجهة والتغيير المنشود. لكن فى الوقت نفسه فإن تكتل تلك القوى تحت شعارات وبرامج عمل رافضة للمحاصصة الطائفية، باعتبارها أساس الأزمات فى العراق، يمثل “تغييراً نسبياً” فى خريطة الفاعلين السياسيين من ناحية، وخصماً ولو محدود التأثير فى شعبية الأحزاب الكبرى من ناحية ثانية.

عودة محتملة لتيار الصدر
تقترب حالة الانعزال السياسى الطوعى لتيار الصدر التى أعلنها فى 29 أغسطس 2022 ولمدة عام من الانتهاء، الأمر الذى قد يفتح المجال أمام التيار مجدداً للعودة إلى الحياة السياسية، لاسيما وأن ائتلاف إدارة الدولة، الذى تشكل من قوى شيعية وسنية وكردية على وقع الأزمة السياسية التى تعلقت بتشكيل الحكومة على مدار العام الماضى، كان قد تعهد بضمانات لإنهاء عمل الحكومة – حكومة شياع السودانى – بعد عام ونصف العام من تاريخ تشكيلها فى أكتوبر 2022، والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وهذا الأمر تحديداً يحاول رئيس الوزراء شياع السودانى التمسك بتحقيقه، إلا أن ثمة مؤشرات تقول بأن القوى الشيعية فى ائتلاف إدارة الدولة “ربما ” تتراجع عن وعودها فى هذا الشأن، لاسيما القوى المتشددة التى تضغط باتجاه عدم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، والاتجاه بدلاً من ذلك إلى بقاء حكومة السودانى لفترة برلمانية كاملة (4 سنوات).

وبغض النظر عن تلك المعطيات، فإن ثمة احتمالين بشأن مشاركة تيار الصدر فى انتخابات مجالس المحافظات: الأول، اتجاه التيار للمشاركة الفعلية فى الانتخابات المحلية حال إجراؤها فى الموعد المحدد لها نهاية العام 2023 الجارى، والتى ستتزامن مع انتهاء مدة الانعزال السياسى التى فرضها التيار على نفسه، وهو ما يقتضى “كسر” حالة الانعزال الطوعى والعودة لغمار العمل السياسى. أما الاحتمال الثانى؛ وهو الاتجاه إلى تأجيل الانتخابات المحلية حتى ما بعد مارس 2024، وهنا تحديداً سيكون التيار الصدرى قد استعاد وعلى مدى – 8 شهور من تاريخ انتهاء عزلته – قوته فى العمل السياسى بكامل طاقته. لذا يمكن تفسير”إصرار” قوى الإطار التنسيقى على إجراء الانتخابات المحلية فى موعدها المحدد، بما قد يحد من إمكانية مشاركة التيار الصدرى بقوة وفعالية فى جميع المحافظات. وبغض النظر عن كلا الاحتمالين، فإن ثمة مؤشرات تقول بأن التيار الصدرى ربما عقد العزم على العودة للعمل السياسى؛ سواء قبل انتهاء فترة الانعزال أو بعدها، بدليل قيام التيار بإعداد خريطة انتخاباته فى عدد من المحافظات، وإعداد الكوادر التى ستخوضها. بل هناك من يرى أنه حتى لو لم يشارك تيار الصدر فى الانتخابات المحلية، فإن تحركات عناصره خلال الشهور الماضية تشير إلى دور سياسى سيقوم به فعلياً خلال تلك الانتخابات يشمل على سبيل المثال، تقديم الدعم لبعض القوى، أو من خلال تبنى حراك شعبي داعم لقوى مناهضة للإطار التنسيقى وعناصره فى المحافظات. مع ملاحظة أنه وفى حالة مشاركة التيار فى هذا الاستحقاق الانتخابى فإن نتائجه المتوقعة ستؤثر بالضرورة على نتائج خصومه السياسيين، لكنها لن تحدث “تغييراً عميقاً” فى خريطة تحالفات القوى السياسية القائمة؛ وسيكون هذا التغيير فى النتائج أكثر وضوحاً فى المحافظات التى يحظى فيها التيار الصدرى بشعبية وازنة وهى محافظات الجنوب والوسط.

وثمة فى المقابل رأى يقول أن قرار عودة الصدر للمشاركة فى الانتخابات المحلية قد يدفع قوى الإطار التنسيقى إلى إعادة التفكير فى تكتيكاتها بخصوص دخولها الانتخابات بقوائم منفصلة. وفى هذه الحالة ستضطر كافة القوى فى الإطار إعادة الاعتبار لآلية التحالف الجماعى بينهم، والدخول بقوائم موحدة لمواجهة الشعبية التى يتمتع بها التيار الصدرى والتى من المتوقع أن تترجم فى نتائج الانتخابات المحلية.

وفى الأخير، يمكن القول إن المشهد السياسى فى العراق على موعد مع تغييرات جديدة حال تقرر إجراء الانتخابات المحلية فى موعدها المحدد لها فى ديسمبر المقبل، وحال قرر التيار الصدرى العودة إلى ساحة العمل السياسى؛ لأن قرار مشاركته فيها يعنى أن خريطة التفاعلات السياسية التى كانت قائمة على مدار العام الماضى ستتغير ملامحها ومعادلات تفاعلها.

مركز الأهرام للدراسات