تحالف انتخابي عراقي ضد النفوذ الإيراني ومخاوف من المال السياسي

تحالف انتخابي عراقي ضد النفوذ الإيراني ومخاوف من المال السياسي

مع اقتراب الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في العراق في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يرتفع منسوب المخاوف لدى الأحزاب المدنية والقوى المناهضة للنفوذ الإيراني في البلاد من احتمالات أن تنتهج الميليشيات الموالية لطهران مسارات تصعيدية ضدهم.

ويعزز غياب التيار الصدري عن المشهد الانتخابي تلك المخاوف، إذ تكاد ساحة منافسي “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” التكتل الأكبر الموالي لإيران، تنحصر في القوى المدنية والأحزاب التي انبثقت على أثر انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهو ما يدفع عديداً من قادة تلك الأحزاب إلى التعبير عن مخاوفهم من احتمالات التصعيد تلك.

وتمتد قائمة المخاوف لدى القوى المدنية والتيارات الناشئة من إمكانية تعرض مرشحيها للاستهداف المسلح، إلى استخدام القوى التقليدية المال السياسي والإعلام وتوظيف موارد الدولة والسلاح المتفلت لضمان استحواذها على الأصوات.

تحالف “قيم”

وأعلنت غالبية القوى والأحزاب المدنية القريبة من أجواء الانتفاضة العراقية والمنضوية ضمن “قوى التغيير الديمقراطية” عن تشكيلها تحالف “قيم” الانتخابي، وهي المرة الأولى التي يتشكل فيها تحالف مدني يضم هذا العدد من الأحزاب.

وعلى رغم المخاوف من احتمالات الاستهداف بطرق مختلفة، يتوقع أعضاء في التحالفات المدنية التي تنوي الاشتراك في الانتخابات المحلية المقبلة تحقيق عدد غير مسبوق من المقاعد في مجالس المحافظات.

يقول عضو المكتب السياسي لـ”الحزب الشيوعي العراقي”، ياسر السالم، إن تحالف “قيم” المدني، الذي يضم عديداً من القوى المدنية والأحزاب الناشئة سيكون “منافساً قوياً لقوى السلطة في الانتخابات المحلية المقبلة”.

ويضيف لـ”اندبندنت عربية” أن التقديرات مبنية على “الاهتمام الكبير الذي حظي به التحالف حتى قبل الإعلان عنه، من قبل جماعات فاعلة ومؤثرة وناشطين وشخصيات وطنية”.

ويشير إلى أن ما يعزز حظوظ التحالف الجديد هو “تضمنه عديداً من الأسماء المعارضة لمنظومة المحاصصة والفساد والسلاح”، مبيناً أن التحديات ستكون كبيرة خصوصاً مع “استمرار تأثير المال السياسي والسلاح على نتائج الانتخابات”.

ويتوقع السالم “تكرار سيناريو التهديدات لمرشحي التحالفات المدنية مع اقتراب موعد الانتخابات كما كان يحصل في كل انتخابات سابقة”، مشيراً إلى أن هذا الأمر يعد محفزاً إضافياً لـ”الصمود أمام ماكينات القتل والترهيب التي تملكها قوى السلطة”.

المال السياسي والسلاح المتفلت

وعلى رغم تعبير عدد كبير من قادة التحالفات المدنية عن تفاؤلهم بتحقيق نتائج مرضية خلال الانتخابات المحلية المقبلة، فإن جملة عوامل ربما تعرقل هذا الطموح من بينها احتمالية استمرار العزوف الواسع للعراقيين عن الاشتراك في التصويت.

ويعتقد رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري أن الانتخابات المحلية المقبلة “لن تمثل مساحة مناسبة للتغيير”، مبيناً أن إمكانية وصول ممثلي القوى القريبة من الانتفاضة بشكل كبير إلى مجالس المحافظات “ليس ممكناً خلال الانتخابات المقبلة”.
ويشير إلى عوامل عدة تقف في طريق إمكانية أن تشهد الانتخابات المحلية تغييراً حقيقياً، لعل أبرزها “توظيف أحزاب السلطة المال وموارد الدولة في الانتخابات”، فضلاً عن فقدان جزء من الأحزاب الجديدة “صدقيتها أمام جمهورها من خلال التورط بالاقتراب من الأحزاب التقليدية والاتهامات بوجود مصالح مالية معها”.

ويتابع أن الميليشيات مستنفرة خلال الفترة الحالية لـ”الحيلولة دون تكرار سيناريو الانتخابات البرلمانية الماضية”، لافتاً إلى أنها “ستستخدم كل الوسائل الممكنة ومن بينها السلاح المتفلت لمنع وصول معارضيها”.

ويبدو أن المساحة الإعلامية ستمثل “المسار الأهم بالنسبة إلى القوى الموالية لإيران في عرقلة حصول الأحزاب الناشئة على الأصوات”، بحسب الشمري، الذي يعتقد أن الميليشيات ستعتمد بشكل مباشر على “عزوف العراقيين عن الاشتراك في مقابل تحفيز جمهورها الحزبي والفصائلي”.

ولا يوجد في قانون الانتخابات العراقي نص يحدد قانونية الانتخابات بناءً على نسبة الاشتراك فيها، وهو الأمر الذي ربما تستخدمه قوى “الإطار التنسيقي” في صالحها.

ولا يستبعد الشمري إمكانية أن تلوح الفصائل المسلحة بـ”خلق فوضى انتخابية لفرض الهيمنة وضمان عدم خسارتها”، مبيناً أن هذا الأمر حصل في السابق خصوصاً بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

تصعيد متوقع

ومع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في 18 ديسمبر المقبل، بدأت مختلف القوى السياسية في البلاد تحشيد جماهيرها تمهيداً لخوض الانتخابات، خصوصاً أنها تعد اختباراً ومحطة قياس للثقل الانتخابي لكل كتلة قبل الانتخابات البرلمانية.

وتحاول القوى المدنية استغلال الانتخابات المحلية لقياس مدى فاعلية جماهيرها في تمكينها من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المقاعد.

يقول عضو تحالف “قيم” محمد عبدالكريم الشيخ إن “المنافسة مع قوى السلطة ليست آمنة منذ عام 2003، لكنها تفاقمت بعد الانتفاضة، وهو ما يجعلنا نتوقع تصعيداً كبيراً بالضد منا مع اقتراب موعد الانتخابات”.

ويضيف لـ”اندبندنت عربية” أن “قوى السلطة لم تتوقف عند حدود ترويع الجماعات المدنية المناوئة لها واستخدام المال والسلاح لترهيبها”، مبيناً أن “الإطار التنسيقي” عمل خلال السنوات الماضية على “إنتاج قوى ظل تحت عنوان المدنية لإيهام العراقيين بوجود معارضة فاعلة داخل أروقة القرار”.

ويبدو أن الطريق إلى الانتخابات المحلية بالنسبة إلى القوى المدنية والمناهضة للنفوذ الإيراني في البلاد لا يزال وعراً، إذ يشير الشيخ إلى أن المعطيات المتوافرة على الساحة العراقية تعطي انطباعاً واضحاً بأن “قوى الإطار التنسيقي لن تترك القوى المدنية تتحرك بحرية قبل الانتخابات وستستخدم كل تلك الوسائل لإسقاطها”.

ولعل التحدي الأكبر الذي تواجهه القوى المدنية خلال المرحلة الحالية هو “إمساك الإطار التنسيقي بالسلطة والميليشيات في الوقت ذاته”، كما يعبر الشيخ الذي يلفت إلى أن هذا الأمر “يعقد حراك القوى المدنية انتخابياً”.

ويختم بأن “عدم امتلاك القوى المدنية المال والإعلام يجعلها تعول بالدرجة الأساس على النقمة الشعبية الكبيرة على قوى السلطة، فضلاً عن كونها تمثل البعد الوطني الوحيد في الساحة السياسية التي تقتصر على أحزاب طائفية أو قومية”.

عزوف متوقع

في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي أن الانتخابات في العراق “لم تعد وسيلة ناجعة للتغيير”، مبيناً أن هذا الأمر بات محسوساً لدى معظم العراقيين وهو ما يدفعهم إلى العزوف عن الاشتراك في الانتخابات.

ويشير إلى أن هذا العزوف المتوقع عن الانتخابات المحلية المقبلة “يعقد مهمة القوى المدنية والقريبة من أجواء الاحتجاجات، مع إيمان الطبقات المؤيدة لها بأن التغيير في البلاد لا بد أن يمر بالمسارات الثورية وليس الانتخابية”.

ويختم بأن قوى السلطة ستحاول تعزيز موقفها في الانتخابات من خلال “شبكة المصالح أو ما بات يطلق عليه بالزبائنية السياسية المرتبطة بها من خلال استغلال موارد الدولة في إطلاق التعيينات في دوائر الدولة”.

أما أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي فيتوقع “تصاعداً في مناسيب التصعيد مع اقتراب موعد الانتخابات”. ويلفت إلى أن قوى “الإطار التنسيقي” ستعمل على درء إمكانية أن تحظى القوى المدنية بأي مقاعد في الانتخابات من خلال “إنشاء قوائم ظل تحمل عناوين مدنية لتشتيت أصوات مناهضي قوى السلطة في البلاد”.

ويقول إن “المال السياسي يمثل أحد أبرز العوامل المؤثرة في مسار الانتخابات في العراق، وطالما لا تتم مساءلة الأحزاب عن مصادر أموالها سيستمر استخدام أموال الفساد في تعزيز سيطرة قوى السلطة”.

اندبندت عربي