انتظار طويل قبل ظهور مزايا توسع بريكس

انتظار طويل قبل ظهور مزايا توسع بريكس

الرهان كبير من أغلب الدول التي انضمت حديثا إلى بريكس على أن يحمل لها حلولا سريعة لأزمات، وهذا يخص الأرجنتين وإيران ومصر. وكل دولة لها ظروفها، لكن تشترك في أمل الحصول على استثمارات سريعة تساعدها على الخروج من وضعها الصعب.

جوهانسبرغ / لندن- يمكن أن يمثل توسع مجموعة بريكس شريان حياة لكل من إيران والأرجنتين ومصر الدول الثلاث التي وُجّهت إليها الدعوة للانضمام إلى التكتل وتشتد الحاجة فيهما إلى رأس المال، لكن مستثمرين ومحللين يقولون إن تحقيق مزايا اقتصادية كبيرة للدول الأعضاء في المجموعة ليس في حكم المؤكد.

ودعا قادة مجموعة بريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إيران والأرجنتين إلى جانب السعودية والإمارات وإثيوبيا ومصر للانضمام إلى التكتل في قمة عقدت هذا الأسبوع في جوهانسبرغ.

وتهدف هذه الخطوة إلى زيادة نفوذ مجموعة بريكس بوصفها تكتلا مناصرا لدول “الجنوب العالمي”، التي يشعر الكثير منها بمعاملة غير عادلة من جانب المؤسسات الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول غنية أخرى.

وتشكل الدول الجديدة المتوقع انضمامها إلى المجموعة خليطا يشمل السعودية والإمارات، وهما دولتان صاعدتان اقتصاديا وتمتلكان إمكانيات كبيرة، والأرجنتين التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم وتشتد الحاجة فيها إلى الاستثمار الأجنبي، وإيران التي تعيش في عزلة بسبب العقوبات الغربية، وإثيوبيا التي تتعافى من حرب أهلية، ومصر التي تواجه أزمة اقتصادية.

ويشكك بعض المستثمرين والمحللين الاقتصاديين في أن يؤدي التوسع إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر داخل التكتل.

وقال فيكتور زابو، مدير الاستثمار لدى شركة “أبردين” في لندن، “كانت مصر تتوقع بالفعل الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر من السعودية… لكن الأموال الخليجية لم تأت. وليس لهذا الأمر علاقة بكونها خارج منظمة بريكس، بل لأن عروضها غير جذابة”.

لكن قادة مجموعة بريكس ومستثمرين آخرين ِأشادوا بالثقل الاقتصادي الذي سينتج عن هذا التوسع. وقال لي كه شين، المسؤول البارز بوزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحفي الخميس إن الأعضاء الجدد سيرفعون حصة التكتل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 29 في المئة ارتفاعا من 26 في المئة، والتجارة في السلع إلى 21 في المئة بدلا من 18 في المئة.

وقالت علا الشواربي، نائبة مدير الاستثمار لاستراتيجية أسهم الأسواق الناشئة لدى شركة فان إيك في نيويورك، “لا أعلم إذا كان هذا سيغير قواعد اللعبة، لكن فيما يتعلق بفتح الأسواق الاستهلاكية، فإن التكتل يحتوي بالفعل عليها”.

وتحظى العلاقات التجارية المتزايدة بين الأعضاء الحاليين والمحتملين في المجموعة بالاهتمام. وقال كريس تورنر، رئيس الأسواق العالمية في شركة آي.إن.جي، “يوفر الترابط التجاري المتزايد فيما يبدو بعض الأسس لإعلانات سياسية”.

وجاء في حسابات آي.إن.جي أنه منذ عام 2015 ارتفعت حصة مجموعة بريكس الأساسية في واردات المرشحين الجدد من 23 في المئة إلى 30 في المئة لتحل بريكس محل منطقة اليورو والولايات المتحدة وغيرهما من الاقتصادات المتقدمة.

ويقول محللون ومستثمرون آخرون إن إيران التي تخضع لعقوبات غربية، وكذلك الصين، بما لها من ثقل كبير كعضو في المجموعة، والتي لطالما ضغطت من أجل التوسع، من بين المستفيدين الرئيسيين من هذه الخطوة.

وقال ياكوب إيكهولت كريستنسن، المحلل الإستراتيجي البارز في “بنك إنفيست” في كوبنهاجن “ستستفيد الصين والبرازيل والهند فيما يتعلق بسهولة الوصول إلى النفط، وستستفيد الأرجنتين، وتحديدا إيران، فيما يتعلق بالوصول إلى الأسواق والاستثمارات الأجنبية المباشرة”.

وقال حسنين مالك، العضو المنتدب في شركة تيليمر لأبحاث الأسواق الناشئة ومقرها دبي، إن “التوسعة في أحسن أحوالها ستفيد الوافدين الجدد المتعطشين لرأس المال”.

◙ الصين والبرازيل والهند تستفيد من الوصول إلى النفط، والأرجنتين، وتحديدا إيران، بالوصول إلى الأسواق

وأضاف “لكن هذا يفترض أن تلك الدول لن تشهد تدفقات رأس مال على أيّ حال من دول بريكس الأكثر ثراء، وأن أيّ رأس مال يتم تقديمه عبر مؤسسة في إطار بريكس لا يعرض للخطر الرأس المال المستمد من مصادر أخرى متعددة وثنائية الأطراف”.

وقال زابو من شركة أبردن إن قرضا من مجموعة بريكس للأرجنتين قد يتعارض مع أموال الإنقاذ التي تتلقاها من صندوق النقد الدولي الذي يملك أموالا أكثر.

وتأمل مصر أن يساعد انضمامها الوشيك إلى مجموعة بريكس في تخفيف العجز في العملات الأجنبية وجذب استثمارات جديدة، لكن محللين يقولون إن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل ظهور أيّ فوائد لهذه الخطوة.

ويرى المحللون أن القاهرة تريد نتائج عاجلة من عضويتها في بريكس لمساعدتها على تجاوز أزماتها الحالية خاصة ما تعلق بالعملة الصعبة، وكيفية تدبير قروض جديدة بشروط أفضل مما يفرضها صندوق النقد.

وتختلف مصر في هذا التوجه عن بقية الدول الأخرى التي تعاملت مع عضوية بريكس على أنها مكسب إستراتيجي يساعد اقتصاداتها على الاندماج في الاقتصاد العالمي، ويفتح أمامها الاستثمارات الكبرى.

وقدم تكتل بريكس دعوة الخميس إلى مصر وخمس دول أخرى للانضمام إليه، ورحبت القاهرة فورا بالعرض.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد فترة وجيزة من توجيه الدعوة إلى بلاده “أثمّن إعلان تجمع بريكس عن دعوة مصر للانضمام إلى عضويته اعتبارا من يناير 2024، ونعتز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها جميعا علاقات وثيقة، ونتطلع إلى التعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة، وكذلك مع الدول المدعوة للانضمام لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي فيما بيننا”.

وأضاف الرئيس المصري أن بلاده تتطلع إلى العمل على “إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق الدول النامية ومصالحها”.

وعانت مصر خلال السنوات القليلة الماضية من أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب جائحة فايروس كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا.

وفقد الجنيه المصري نصف قيمته تقريبا في غضون 18 شهرا وارتفع التضخم السنوي إلى مستوى قياسي بلغ 36.5 في المئة في يوليو، كما تسببت القروض الكثيرة خلال السنوات الثماني الماضية في زيادة عبء سداد الديون الخارجية. وأجبرت أزمة شح الدولار مصر على تأجيل مدفوعات وارداتها من القمح.

وقال مجلس الوزراء في بيان الخميس “استهداف التكتل تقليل التعاملات البينية بالدولار الأميركي سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر.. علاوة على أن وجود مصر كدولة عضو ببنك التنمية التابع لتكتل بريكس سيمنح فرصا للحصول على تمويلات ميسّرة لمشروعاتها التنموية”.

وأعلنت وزارة التموين المصرية في أبريل أنها تناقش مع الصين والهند وروسيا استخدام عملاتها في شراء السلع الأولية لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق.

وقالت مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري إن عضوية مجموعة بريكس قد تساعد مصر في نهاية المطاف في جذب المزيد من الاستثمارات.

وأضافت “انضمام مصر شيء إيجابي بالنسبة إليها. صحيح أنه من المتوقع أن يكون التأثير محدودا على المدى القريب، لكنه قد يساعد في تعزيز علاقاتها مع اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية”.

ومن الأهداف الأخرى التي ناقشها زعماء بريكس في القمة التي عقدت في جوهانسبرغ زيادة استخدام العملات الوطنية لتقليص الاعتماد على الدولار الأميركي. وقال الزعماء إن هذا قد يساعد في تقليص هشاشة اقتصاداتهم أمام دولار قوي وتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية.

وقال مستثمرون إن وجود دول ثقيلة الوزن منتجة للنفط بين الوافدين الجدد سيذكي التكهنات بأن السعودية قد تتحول على نحو متزايد إلى عملات غير مقومة بالدولار في تجارة النفط.

وقال كان نازلي، وهو مدير استثمار في شركة نويابيرجر بيرمان لإدارة الأصول في لندن، “يمكن رؤية التبعات قصيرة الأمد في النفط”.

وأضاف “إذا تم تسعير النفط بعملة غير الدولار، أو حدث هذا على الأقل جزئيا على سبيل المثال.. فإنه يمثل تغيرا كبيرا”.

العرب