رأى خبيران فلسطينيان أن مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” تعيش مخاضا عسيرا، وقد تأخذ عدة أسابيع تحت ضغوط الوسطاء بما فيهم الولايات المتحدة، قبل الوصول إلى انفراجة منتظرة.
واتفقا على أن إسرائيل ستعمل بكل قوتها للضغط على حركة حماس عبر تصعيد هجماتها العسكرية، من أجل تحقيق ما يمكن أن يتحقق من مكاسب في التسوية المنتظرة.
وقالا إن رد حماس يؤسس لمرحلة انطلاقة فعلية وجدية للمفاوضات، وهو ما يؤكده تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي ذكر أن الرد حمل أشياء “تجعلنا نعتقد أنه بالإمكان متابعة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق”.
ووصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الأربعاء، مطالب حركة حماس لإتمام صفقة لتبادل الأسرى بـ”الجنونية وغير المقبولة”، متوعدا بمواصلة القتال في قطاع غزة، والعمل في مدينة رفح جنوبي القطاع الحدودية مع مصر.
من جانبه، علق القيادي في “حماس” أسامة حمدان، على تصريحات نتنياهو بشأن رد الحركة، بالقول إن نتنياهو يسعى بكل الطرق لـ”تضليل الرأي العام الداخلي وإطالة أمد العدوان، والهروب من استحقاقات مرحلة ما بعد العدوان، وإرجاء مواجهة لجان التحقيق حول الفشل المدوي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي”.
وحول مطالب “حماس” لإتمام الصفقة، قال حمدان: “قدّمت الحركة ملاحظاتها حول المقترح بما يضمن وقف إطلاق النار الشامل، وإنهاء العدوان على المدنيين العزّل، وإدخال المساعدات والمواد الإغاثية، وتأمين الإيواء للنازحين، وضمان الإعمار ورفع الحصار عن القطاع، وإنجاز عملية تبادل للأسرى”.
وعقب تصريحات نتنياهو وحمدان، أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحافي في القدس المحتلة، أن واشنطن “ترى في رد حماس مساحة تجعلها تعتقد أن بالإمكان متابعة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق”.
وفي تصريحات للأناضول، كشفت مصادر فلسطينية مطلعة الأربعاء، عن موافقة “حماس” على مقترح خطة لتبادل الأسرى والتهدئة في قطاع غزة، وأضافت إليه ملحقا مفصلا لتنفيذ مراحله واشترطت أن يكون جزءا من الخطة.
وقالت المصادر إن رد “حماس” على مقترح إطار باريس الذي قدم إليها الأسبوع الماضي، تضمن خطة من ثلاث مراحل مدة كل منها 45 يوما، يتم خلالها وقف العمليات العسكرية بشكل كامل من الجانبين وتبادل الأسرى والرفات.
مرحلة جدية
ويرى سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات (غير حكومي)، أن رد حماس على إطار اتفاق باريس يؤسس لمرحلة انطلاقة فعلية وجدية لمفاوضات يمكن أن تفضي في نهاية المطاف إلى اتفاق.
وأضاف للأناضول “ولكن ربما يحتاج أي اتفاق لمزيد من الوقت ليتم الوصول إلى نقطة التقاء بين ما تطرحه حماس وطبيعة رد إسرائيل عليها، ويمنح الوسيطين المصري والقطري إمكانية السعي لتقديم أطروحات تقارب ما بين ما عرض المقاومة ورد إسرائيل”.
وأوضح أن “حماس في ردها وضعت الكرة في الملعب الإسرائيلي وسحبت ذريعة إمكانية الرفض القاطع لجهود الوساطة المبذولة، هذا الأمر يجعل إسرائيل مضطرة لبحث رد يكون أكثر واقعية بمعنى عدم الرفض المطلق أو القبول المطلق بل السعي لمحاولة ممارسة بعض الضغوط من خلال تصعيد المواقف والتصريحات وربما الفعل الميداني لتحسين شروط التفاوض”.
وأضاف: “لهذا التوقعات أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تكثيف لجولات التفاوض المدعومة بالموقف الأمريكي الدافع لضرورة الوصول إلى هدنة وخفض حالة الصراع مدفوعة من خشيتها اتساع رقعة الحرب”.
وبالموازاة، رأى بشارات أن إسرائيل ستستمر بحربها في غزة لمحاولة تحسين شروط التفاوض أولا من خلال الضغط العسكري، وثانية في محاولة لتحقيق أي من الأهداف التي وضعت ميدانيا للحرب”.
وقال نتنياهو في مؤتمره الصحافي الأربعاء، أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بالعمل في رفح ومخيمين وسط القطاع (لم يذكرهما)، “آخر معاقل حماس المتبقية”، على حد زعمه.
مفاوضات صعبة
بدوره يقول أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فريد أبو ضهير إن “مفاوضات وقف إطلاق النار تمر في مخاض عسير للغاية”.
وأضاف للأناضول أن ” المعركة العسكرية لا يمكن أن يكون نهايتها فراغ، بل يكون وضعا جديدا، وهذا يحتاج إلى عمل صعب، وخيارات صعبة”.
ويرى أبو ضهير أن “نتنياهو قال بصراحة قبل فترة أن وقف الحرب يعني أن توقع إسرائيل على التزامات قد تكون صعبة جدا أو مذلّة، وهذا يعني انتصار المقاومة وهزيمة “إسرائيل، لذلك هو يناور بكل الطرق بما فيها الضغط على حماس بمزيد من العمل العسكري”.
وتابع “نتنياهو يعرف أنه، رغم كل الخسائر البشرية والاقتصادية، وحتى الأخلاقية، يجب أن يستمر في الحرب حتى القضاء على القوة العسكرية لحماس (على أقل تقدير). ولكن هذه مغامرة محفوفة بالمخاطر، وهناك احتمال أن تفشل، بل وربما ترتد على دولة الاحتلال، وهذا أخطر في الأمر”.
ومضى الخبير الفلسطيني يقول: “ففي حال ارتدت على دولة الاحتلال فإن الثمن سيكون باهظا، ليس فقط على المستوى الداخلي، ولكن أيضا على وضعها في الإقليم وفي العالم”.
وتابع: “نتنياهو يريد أن يخرج بانتصار، يريد أن يظهر بأنه بطل الدولة الذي حقق نصرا غير مسبوق، فقد يشفع له هذا الأمر في القضايا المرفوعة ضده في المحاكم، وقد يخلد اسمه في التاريخ على أنه استكمل حرب الاستقلال”.
واستدرك قائلا: “رغم ذكاء نتنياهو، إلا أن ذكاءه خانه هذه المرة، فهو مندفع في حالة صعبة وضبابية ومعقدة جدا، وأبعادها ليست على مستوى فلسطين، بل على مستوى العالم”.
ويعتقد أبو ضهير أن “الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل من أجل الذهاب إلى اتفاق وتنصح إسرائيل بأن تنتظر رد حماس على ملاحظات إسرائيل حتى لو كانت هذه الردود مستحيلة بالنسبة لحماس”.
وأضاف: “وفي المقابل، ستدرس حماس هذه النقاط، وربما توافق على بعضها، وتتحفظ على أخرى، وترفض نقاط أخرى. وهكذا قد يستمر السجال لفترة قد تصل من أسبوعين إلى شهر”.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة بدعم أمريكي على غزة خلفت حتى الأربعاء، 27 ألفا و708 شهداء و67 ألفا و147 مصابا، معظمهم أطفال ونساء”، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في “دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب الأمم المتحدة.
(الأناضول)