الضربات الأميركية في العراق وسوريا تربك الروس

الضربات الأميركية في العراق وسوريا تربك الروس

بغداد – دمشق – شنت الولايات المتحدة في الثاني من فبراير غارة جوية استهدفت قواعد المجموعات المسلحة في العراق وسوريا، ما بدا استهانة بالوجود الروسي، وهو ما يفتح باب التساؤلات حول أهمية رهان دمشق وطهران على موسكو كحليف إستراتيجي في المنطقة في مواجهة نفوذ واشنطن.

وإذا كانت روسيا قد طبّعت مع التدخلات الإسرائيلية في سوريا ضد الوجود الإيراني فيما أوحى بوجود تنسيق مسبق بين موسكو وتل أبيب ورضاء من دمشق المنزعجة من زيادة النفوذ الإيراني، فإن الضربات الأميركية التي شملت عدة مناطق في سوريا واقعة تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد ستزيد من إحراج موسكو لدى حلفائها، خاصة أنه لم تتسرب أي معلومات عن تنسيق مسبق من واشنطن مع القوات الروسية.

ويلزم الروس الصمت تجاه تطورات الشرق الأوسط مكتفين بتصريحات عامة لتسجيل الموقف من دون تحركات دبلوماسية لإظهار القدرة على التأثير في مسار الأحداث، وهذا ما يفسّره البعض بالانشغال الكامل بالحرب في أوكرانيا.

ما يثير الاهتمام بالنسبة إلى الغربيين أن الوجود الروسي مثل مظلة للميليشيات المعادية لأميركا وإسرائيل

وتسلط الضربات الأميركية على الأراضي السورية الضوء على واقع الوجود العسكري الروسي المتراجع بسبب سحب أجزاء مؤثرة من القوات ونقلها للمشاركة في الحرب على أوكرانيا. وقد يؤدي هذا الانكشاف إلى تشجيع المجموعات المعارضة للنظام السوري، وخاصة المجموعات المتشددة، على تنفيذ عمليات قد تضع موسكو في حرج.

لكن ما يثير الاهتمام بالنسبة إلى الغربيين أن الوجود العسكري الروسي مثّل مظلة لتجميع الميليشيات المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل وأمّن أنشطة إيران وفسح لها المجال لتحويل سوريا إلى نقطة مواجهة متقدمة مع إسرائيل، وهو ما يهدد علاقات روسيا مع إسرائيل.

ولا تمتلك روسيا سيطرة على أنشطة الحرس الثوري الإيراني في سوريا. وأصبح اهتمامها منصبّا على تحصيل المئات من الطائرات المسيّرة من طراز شاهد 136 لتوظيفها في حرب أوكرانيا.

وتتبنّى طهران طموحات كبيرة في الشرق الأوسط وتتلاعب بالعديد من الوكلاء المسلحين. لكنها تقيس بحذر شدة المواجهة مع الولايات المتحدة وتدرك أن العلاقات مع روسيا غير مجدية في سياسة حافة الهاوية المحفوفة بالمخاطر.

كما أن روسيا لم تخف انحيازها لحركة حماس من خلال استقبال وفد قيادي من الحركة وإظهار التفهم الروسي لمطالبها، ما جعل حماس تقترح روسيا من ضمن الدول الضامنة.

ولا تدرك السياسة الروسية استياء القوى الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك مصر والسعودية من حماس بسبب تحركها غير المحسوب واستهدافها للمدنيين في هجوم السابع من أكتوبر وتعريض الفلسطينيين للدمار الكبير الذي تنفذه إسرائيل، وهي تعرف مسبقا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيردّ على الهجوم بأعنف منه مرات كثيرة.

وتوقعت موسكو أن يساعد استعدادها لاحتضان حماس في تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع تركيا. وتعزز هذا التكهن بمقاطعة الرئيس رجب طيب أردوغان للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسبب عدم الاهتمام الكافي بمحنة الفلسطينيين في غزة.

وقررت أنقرة نفسها الامتثال بشكل أكثر صرامة للعقوبات الغربية على روسيا. وأغلقت معظم البنوك التركية حسابات العملاء الروس وأوقفت المعاملات. ويشعر فلاديمير بوتين بالإحباط من هذا التوافق مع المبادئ التوجيهية الأميركية، ويأمل إحياء العلاقة مع أردوغان خلال زيارته المقررة في منتصف فبراير إلى تركيا، وهي الأولى من نوعها منذ أربع سنوات.

ويرتبط سوء تقدير روسيا كذلك بالتهديدات التي تواجه حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر من خلال إبداء التفهم لموقف المتمردين الحوثيين. وتصف وسائل إعلام روسية الضربات الصاروخية الأميركية والبريطانية على الأصول العسكرية الحوثية في البحر الأحمر بالانتهاكات لسيادة اليمن.

ومن المفارقة أن الطائرات المسيّرة الحوثية التي تستهدف الناقلات في البحر الأحمر هي نفسها التي تهدد صادرات النفط الروسية إلى الهند. لكن هذا لم يمنع المعلقين في موسكو من التعبير عن أملهم في ضرب سفينة قتالية أميركية. وتحظى الإجراءات المضادة الأميركية بدعم ضمني من الصين القلقة من المخاطر على طرقها التجارية. كما يفعّل الاتحاد الأوروبي مهمته البحرية الخاصة في البحر الأحمر بقيادة اليونان وإيطاليا.

ويرى الكاتب بافيل بايف في تقرير مؤسسة جايمس تاون أن النفط يعد نقطة الاهتمام الأساسية لروسيا في الشرق الأوسط، وأنها تعتبر أن اندلاع الأعمال العدائية يشكّل محركا لزيادة أسعار النفط ومضاعفا محتملا للإيرادات الداعمة للميزانية. ويضيف بايف أن الكرملين يتمسك بأمله في أن يقوّض الصراع في الشرق الأوسط الهيمنة الأميركية في المنطقة ويعزز في المقابل نفوذ روسيا، لافتا إلى أن الوهم الروسي يمكن أن يدرك الواقع الذي تلعب فيه الدبلوماسية الأميركية الدور المركزي في تعزيز الحلول للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، حيث يشكل الجيش الأميركي رادعا لوقف تصعيده.

وكانت موسكو تتمتع بالقدرة على التواصل مع كل مشارك في اشتباكات المنطقة، لكنها خسرت هذا التنوع بسبب احتضان جماعات مناوئة للغرب وإسرائيل مثل حماس والحوثيين. كما أن أهمية روسيا الجيوسياسية قد تراجعت حيث لم تعد تعتبر نظيرا موثوقا به بالنسبة إلى الغرب. ويشير بايف إلى أن قاعدة الموارد الداعمة لسياسة روسيا الخارجية قد تقلصت ما سيقوض مصالحها في الشرق الأوسط.

العرب