هل تنجح إيران في سدّ فراغ أمريكا في العراق؟

هل تنجح إيران في سدّ فراغ أمريكا في العراق؟

لم تتوصل القوى السياسية في العراق إلى “إجماع وطني” واتفاق بشأن ملف انسحاب قوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم “الدولة الإسلامية” والأمريكية على وجه الخصوص، من الأراضي العراقية. ففيما يتبنّى السياسيون الشيعة المؤيدون للفصائل المسلحة المواقف المطالبة بـ”شدّة” بإخراج القوات الأجنبية من العراق، على خلفية تكرار الضربات الأمريكية التي طالت مقاراً وشخصيات تابعة “للحشد” والفصائل، تبدو مواقف السنّة والأكراد “ضبابية”.
وخاضت الحكومة الاتحادية برئاسة محمد شياع السوداني، جولتين من المفاوضات الخاصة بتقييم عمل التحالف الدولي تمهيداً لانسحاب قواته من العراق.
وفي مقابل ذلك، يعكّف مجلس النواب على صياغة مشروع قانون يُلزم الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، غير إنه لم يحظَ بإجماع سياسي حتى الآن.
وفي جلسة تداولية عُقدت الأسبوع الماضي بغياب النواب الأكراد والسنّة، قدّم 100 نائب، ينتمي أغلبهم لقوى سياسية شيعية، مقترح القانون لهيئة رئاسة البرلمان التي بادرت بطرحه على اللجان المختصة (القانونية، والأمن والدفاع) لإنضاجه قبل تسليمه إلى الحكومة.
ويرى المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، أن موقف الأكراد والسنّة واضح في مسألة إخراج قوات التحالف الدولي من العراق، معتبراً إن سياسيين شيعة يرفضون أيضاً خروج الأمريكان، عازياً السبب في ذلك إلى الحفاظ على مكتسباتهم منذ عام 2003.
ويقول الحكيم لـ”القدس العربي” إن “موقف السياسيين في الإقليم وكذلك سياسيي المكون السني، كان واضحاً وشفافاً منذ البداية. أنهم لا يرغبون بخروج قوات التحالف الدولي وعدم حضورهم (جلسة البرلمان) للمرة الثانية، بعدما كانت المرة الأولى في عام 2020 بعد اغتيال سليماني والمهندس خير دليل على ذلك” مبيناً أن “المكونين الكردي والسني غير راغبين بخروج قوات التحالف، ناهيك عن العديد من القوى الشيعية هي الأخرى غير راغبة وغير راضية بخروج القوات الأمريكية لأسباب عديدة، لذلك قضية خروج القوات الأمريكية تحتاج إلى إجماع وطني”.
ويشير إلى أن إلغاء الاتفاقية الاستراتيجية المُبرمة بين بغداد وواشنطن يحتاج إلى تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب، الأمر الذي عدّه الحكيم بأنه “حلم إبليس في الجنة”.
وأوضح أن “خروج القوات الأمريكية أولا يتطلب إلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي وهذا أمر يصعب تحقيقه في ظل رغبة كردية وسنية وبعض الأطراف الشيعية ببقاء الأمريكان، بالإضافة إلى إنه من أصل 184 نائباً شيعياً لم يحضر إلا 73 نائباً (في إشارة إلى الجلسة التداولية المنعقدة الأسبوع الماضي)”.
ووفق الحكيم فإن “القوم في السر ليس القوم في العلن، وما يخرج من هنا وهناك للمطالبة بخروج القوات الأمريكية سينتهي بمجرد انتهاء حرب غزة، ناهيك عن الأوراق التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية للمناورة للبقاء في العراق، أبرزها سلاح الدولار وسلاح البند السابع وسلاح العقوبات الاقتصادية”.
ورأى أن “أغلب القوى السياسية تريد بقاء الأمريكان، لكن هناك اختلافا بطريقة كشف الحقيقة للجمهور، لأن باعتقادي بقاء القوى السياسية في العراق وفي العملية السياسية وحفظ العملية السياسية وعروش القوى السياسية مرهون ببقاء الأمريكان”.
وأضاف: “ينبغي أن نلقي باللوم على القوى السياسية التي اكتفت بالبيانات الخجولة (استنكار وشجب وإدانة) دون تحريك أي ساكن في ظل وجود أوراق للمناورة للجانب العراقي، منها المناورة بورقة التبادل التجاري أو رفع دعوى في مجلس الأمن أو محكمة لاهاي”.
وفيما يسير البرلمان متوازياً مع الحكومة في طريق يرغب في نهايته إخراج القوات الأجنبية من العراق، غير أن موقف الأكراد- وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني- مغاير لذلك، إذ يرى في ‏المسألة بأنها “وطنية ولا تتعلق بمكون معين فقط”.
وخلال لقاء جمع زعيم الحزب مسعود بارزاني بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية ‏في العراق ديفيد برغر، الأسبوع الماضي، أشار إلى ضرورة أن ‏‏”تلتزم جميع الأطراف بالدستور الذي صوّت عليه شعب العراق، وضرورة ‏حماية كيان إقليم كردستان ومؤسساته” مشدداً على أن “لا يتم المساس ‏بالعملية التشريعية في الإقليم بطريقة غير دستورية، كما ورد في الدستور ‏بوضوح بأنه في حال وجود تعارض بين قوانين الإقليم والقوانين الصادرة ‏عن مجلس النواب العراقي فإن الأولوية تكون لقوانين الإقليم”.‏
وحول بقاء قوات التحالف الدولي في العراق، اعتبر بارزاني أن “هذه ‏المسألة وطنية ولا تتعلق بمكون معين فقط، ولا بد أن تتوصل الحكومة ‏العراقية عن طريق الوزارات والمؤسسات الرسمية إلى اتفاق على أساس ‏نتائج الحوار مع التحالف الدولي، وينبغي أن تدرك جميع المكونات العراقية ‏حقيقة أن الإرهاب ومخاطر عودته بالظهور مجدداً ما تزال قائمة”.‏
وشدد على ضرورة أن “يدعم الجميع عملية الحوار والاتفاقات بين الحكومة ‏العراقية والتحالف الدولي” معتبراً أن “هذا الأمر ليس من اختصاصات ‏البرلمان وأنه لا بد من إبعاد هذه المسألة عن المزايدات السياسية وعن ‏التداعيات والمعادلات الإقليمية من أجل الحفاظ على مصلحة العراق، ويجب ‏الأخذ بنظر الاعتبار مصالح واستقرار وأمن جميع مناطق العراق ‏ومكوناته”.‏
وبين أن “جميع الأطراف تعلم جيداً بأنه لولا قيام الولايات المتحدة بإسقاط ‏النظام السابق ومساعدة العراقيين في عملية تحرير العراق، فإن الموجودين ‏في السلطة بالعراق الآن ما كانوا ليتمكنوا من حكم العراق أبداً”.‏
وتخطط الحكومة الاتحادية في بغداد، إلى استبدال مهام التحالف الدولي بقوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” والاستعانة بها في دعم القوات العراقية “لوجستياً” وفي أمور التدريب والمشورة.
وعلى هذا الأساس، التقى رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني، بقائد القوات المشتركة لحلف شمال الأطلسي “الناتو” الأدميرال ستيورات مونش، على هامش مشاركة في مؤتمر ميونخ للأمن 2024.
وشهد اللقاء “استعراض مجمل الأوضاع الأمنية في المنطقة، والتعاون بين بعثة الناتو والجهات الأمنية العراقية، خصوصاً في مجال التدريب والتنسيق الاستخباري” كما جرى التباحث بشأن “عدد من المسائل التي تخص الدعم اللوجستي لبعثة حلف شمال الأطلسي العاملة في العراق، بعد انسحاب التحالف الدولي لمحاربة داعش، وتولّي هولندا قيادة مهمة بعثة الحلف في شهر أيار/مايو المقبل” حسب بيان لمكتب السوداني.
وتشهد الساحة العراقية منذ أكثر من أسبوع “هدوءاً حذّراً” بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية، إذ لم ينفّذ أيّ من الطرفين هجمات في الداخل العراقي، في مؤشرٍ قد يعطي للحكومة زخماً إضافياً للمضي في حوارها مع التحالف الدولي.
السياسي العراقي المستقل عمر الناصر يقول لـ”القدس العربي” إن “خروج السوداني من الكلاسيكية المتبعة في إدارة ملف السياسة الخارجية التي كان عليها رؤساء الوزراء السابقين وانفتاحه الجاد على دول العالم، أبرز ما يميز خطواته الجادة في جعل التوازن والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة القاسم الذي يؤسس لعلاقات استراتيجية مع دول العالم، خصوصاً أن العراق هو إحدى الدول التي تأثرت بالإرهاب الذي تسعى (بعض الدول) لبقائه تحت الأجندات الخارجية لغرض جعله مركز جذب للتوترات والصراع الدولي ومكبا للنفايات السياسية الإقليمية والدولية”.
ورأى أن “تأطير وترتيب شكل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة والتحالف الدولي، ضروري جداً للانتقال من مرحلة التنسيق والتفاهمات على الورق إلى مرحلة التعاون والشراكة على الأرض”.
ووفق الناصر فإن “الهدوء الحذر بين الفصائل العراقية والقوات الأمريكية مرهون بخفض أو ارتفاع التصعيد أو عدم حسم قرار ايقاف الحرب في غزة، فضلاً عن عدم أخذ ملف قرار بقاء أو جدولة انسحاب قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية من العراق على محمل الجد سيوثر على الأوضاع الدولية والإقليمية بشكل عام، خصوصاً ان فريقاً من الشارع العراقي يرى عدم وجود مكاشفة ومصارحة في الكثير من القضايا المفصلية التي تخص شكل العلاقات الدولية مع العراق”.
وأشار إلى أن “من أخطر تداعيات المحاصصة الطائفية التي جيئت لبنية النظام السياسي، هي عدم وجود ثقة متبادلة بين القوى السياسية. الكثير من السنة والكرد ما زالوا يرون ان وجود القوات الأمريكية هو الضامن لعدم ملء الفراغ من قبل إيران، وسبب أساسي في السيطرة على الأجواء للكشف عن أماكن تواجد جيوب تنظيم داعش الإرهابي الذي ما زال تأثيره لم ينته بعد ويسعى لضرب الأهداف النوعية داخل العمق العراقي”.
وبشأن إمكانية إسهام الحراك البرلماني في الإسراع بإخراج القوات الأجنبية استدرك الناصر قائلاً: “فيما مضى كان هناك قرار برلماني لإخراج القوات الأمريكية من العراق عندما تم خرق السيادة العراقية في حادثة المطار، لكنه لم يكن ملزماً”.