تراجع فرص مصر في التحول إلى مركز إقليمي للغاز

تراجع فرص مصر في التحول إلى مركز إقليمي للغاز

القاهرة – تضاءلت فرص مصر للمنافسة على تحولها إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الذي راهنت عليه القاهرة كثيرًا بعد طفرة الغاز في شرق البحر المتوسط وعقب اكتشاف حقل “ظُهر” وتوقيع اتفاقيات عالمية كبرى للاستثمار في هذا القطاع.

وأعلن وزير البترول المصري طارق الملا عن توقف صادرات البلاد من الغاز المسال خلال الصيف المقبل، مع زيادة استهلاك السوق المحلية للطاقة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتأثير التوترات الإقليمية على بعض أعمال الاستكشافات الجديدة.

وصدّرت مصر بين 3 و4 شحنات من الغاز الطبيعي فقط شهريّا هذا الشتاء، وفق وزارة البترول والثروة المعدنية. وتعمل الحكومة على إحداث توازن بين جلب العملات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها من جهة، والاستمرار في تلبية الاحتياجات الداخلية من جهة ثانية.

وأعلن مسؤولون كبار في القاهرة أن مصر خسرت نحو 50 في المئة من دخل قناة السويس في الفترة الماضية بعد تصاعد حدة التوترات في جنوب البحر الأحمر.

وتهدد هذه الخطوة سعي القاهرة للتحول إلى مركز إقليمي لتوزيع الغاز، وتقوض الإمدادات من مصادر كثيرة لتوجيهها إلى الأسواق الكبرى، خاصة الاتحاد الأوروبي.

وبدأت أحلام التحول إلى مركز إقليمي تراود القاهرة منذ عام 2015، عقب اكتشاف حقل “ظُهر” باعتباره أكبر الحقول المكتشفة في شرق البحر المتوسط، وبعد ذلك توقيع اتفاقية الغاز المصرية – الإسرائيلية لتصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار.

وتعزز ذلك في عام 2022 عندما وقعت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية ونظيرتها في إسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم ثلاثية بشأن التعاون في مجال تجارة الغاز ونقله وتصديره بين الجهات الثلاث تحت مظلة منتدى شرق المتوسط.

ووصف خبراء لـ”العرب” تصريحات وزير البترول المصري بأنها “خطيرة ولم تكن في الحسبان، وتكشف عُمق الأزمة الحالية، سواء المتعلقة بشُح العملة أو بنقص الغاز الذي يُنذر بصيف مؤلم وقاس على المصريين”، مُلفتين إلى “احتمال زيادة مدة انقطاع التيار الكهربائي التي طالت حاليا”.

وأشار هؤلاء الخبراء إلى وجود معضلة تعرقل حضور مصر الإقليمي في هذا المجال، تتعلق بانخفاض إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي إلى 5.5 مليار قدم مكعبة يوميّا على خلفية تقادم بعض الحقول والآبار.

وبلغ إنتاج الغاز الطبيعي في مصر نحو 6.2 مليار قدم مكعبة يوميّا في المتوسط خلال العام المالي الماضي، و6.7 مليار قدم مكعبة يوميّا خلال 2021 – 2022.

وقال الخبير في قطاع البترول والغاز رمضان أبوالعلا إن “القاهرة مضطرة إلى سلك مثل هذا الطريق بسبب الأزمات المحلية والعالمية التي تجعل من الصعب استيراد كميات من الغاز، حال احتاجت إليها البلاد، وهو ما سيحدث فعلا الصيف المقبل”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “مصر ليس لديها عملات صعبة تنقذها حال احتدام أزمة نقص الغاز، خاصة مع ارتفاع تكاليف الشحن في البحر الأحمر بسبب التوترات الراهنة في جنوبه، وزيادة تكاليف التأمين على ناقلات النفط والغاز”.

وقامت شركات النقل برفع أسعار الشحن التي تدفعها المؤسسات لنقل بضائعها على متن سفن شركات النقل بنسب تجاوزت 150 في المئة، بحسب التقارير العالمية، كما فرضت رسومًا إضافية طارئة.

وأضاف أبوالعلا أن إيقاف التصدير يعطل بشكل مؤقت الخطة المصرية لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز، في انتظار تسوية بعض النزاعات الإقليمية المؤثرة، والتي أدت إلى بطء الاكتشافات الجديدة.

وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى أن “مصر كانت تطمح إلى أن تتحول إلى مركز إقليمي لتداول الغاز، لكنها بدأت تواجه عراقيل أخرى، فهي ليست الأكبر في إنتاجه بالمنطقة، حيث تفوقها دول، مثل قطر وإيران والجزائر”.

وقال محللون إن مواجهة تقادم الحقول والآبار في مصر تتطلب خطة ترويجية لجذب شركات أجنبية إلى قطاع الغاز، بغية البحث والاستكشاف. وربما يفضي إعلان القاهرة عن إيقاف تصدير الغاز والرغبة في الشراء من الكميات المنتجة والمعاد تسييلها محليا، لتلبية احتياجات السوق الداخلية، إلى الهروب من التكاليف الباهظة التي تتطلبها عمليات الشحن والنقل.

وثمة حل مناسب لمواجهة زيادة الحاجة المحلية عبر شراء الغاز الإسرائيلي الذي تتم إعادة تسييله في البلاد وسيكون أقل كلفة من الاستيراد من أي دولة أخرى.

ولدى السلطات المصرية توجهات طموحة حيال مشروعات من المتوقع دخولها مرحلة الإنتاج خلال العام المالي المقبل، ما من شأنه أن يسهم في زيادة إنتاج الغاز الطبيعي.

وتستهدف وزارة البترول جذب نحو 7.5 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة من الشركاء الأجانب في قطاع النفط خلال العام المالي المقبل، مقابل 6 مليارات دولار متوقعة في العام المالي الجاري 2023 – 2024.

وتؤكد مساعي وزارة البترول المصرية حرصها على عدم التفريط في تحقيق حلم المنافسة على التحول إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز، وتعتزم طرح مزايدة للتنقيب عن الغاز في النصف الثاني من العام الجاري، وذلك بالتزامن مع إعلان كيانات عالمية كبرى استمرار التنقيب عن الغاز في مصر، مثل “دراجون أويل” التابعة لشركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك) و”أباتشي” الأميركية و”إنرجي” البريطانية.

وأعلنت شركتا “أدنوك” و”بي بي” عن اتفاقهما على تأسيس مشروع جديد للغاز في مصر، يجمع بين القدرات التقنية للشركتين، ويهدف إلى تنمية محفظة أعمال تنافسية في مجال الغاز، ومن المنتظر أن تنتج عنه اكتشافات جديدة في مصر.

ولم تقتصر تصريحات وزير البترول المصري على احتمال فقدان البلاد ثمار الطفرة التي تحققت في قطاع الغاز خلال الأعوام الماضية، وإنما تشمل إغلاق نافذة لتدفق الدولار من الخارج، وهي خطوة تتناقض مع الجهود التي تبذلها الدولة لزيادة الإيرادات من العملات الصعبة من أجل المساهمة في حل أزمة ضربت بعض مفاصل الاقتصاد في مقتل.

وأكد المحلل الاقتصادي محمد النجار أن لجوء القاهرة إلى إيقاف تصدير الغاز بداعي توفيره للسوق المحلية، خاصة لمحطات الكهرباء، هو قرار جانبه الصواب وسوف يعمق أزمة شح العملات في الفترة المقبلة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “أزمة الكهرباء ترجع إلى استمرار دعم الحكومة لهذا القطاع، ومن الضروري تحرير سعر الكهرباء، لأنه الحل المناسب للتغلب على أزمة انقطاع التيار الكهربائي والحاجة إلى الغاز”.

وللتغلب على التخوف من تضرر الطبقات الفقيرة حال تحرير سعر الكهرباء، ينبغي تقديم دعم نقدي للمحتاجين وإلا ستفقد الدولة مصدرًا مهما لجلب العملة الصعبة بعد انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج وتراجع إيرادات قناة السويس.

العرب