الآلية الأفريقية تتحاور مع جميع القوى السودانية ولا خصوصية للبرهان

الآلية الأفريقية تتحاور مع جميع القوى السودانية ولا خصوصية للبرهان

تشهد الساحة السودانية زخما مع نشاط مكثف للآلية الأفريقية رفيعة المستوى، والتي تأتي في سياق مجهود متعدد الأطراف للتوصل إلى هدنة خلال شهر رمضان، تكون مدخلا للبحث في تسوية دائمة للصراع الذي شارف على استكمال عامه الأول.

الخرطوم – كثفت الآلية الأفريقية رفيعة المستوى الخاصة بالسودان من تحركاتها لحل الأزمة المستعصية، ووسعت من نطاق حواراتها مع عدد كبير من القوى في داخل السودان وخارجه، وهو ما تزامن مع توجه جديد داخل مجلس الأمن، الخميس، لوقف صراع بدأ يثير قلقا دوليا من اتساعه، وخوفا من استغلال بعض القوى له في تحقيق مصالح إستراتيجية في منطقة حيوية.

وأكدت حوارات الآلية مع أطراف سودانية متباينة أنه لا خصوصية لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وأن هناك رغبة في المساواة بين جميع القوى لاستطلاع موقفها، دون استثناءات لأحد، ما فتح الباب لاستنتاجات قد لا تكون في صالح البرهان والآلية معا، فالأول سيعامل كطرف في الأزمة وليس رئيسا لمجلس السيادة، بينما تبدو الآلية مستعدة للانفتاح على قوى محسوبة على النظام السابق.

ومن المنتظر أن تعقد الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) اجتماعا جديدا مهما مع الآلية الأفريقية بشأن السودان في أديس أبابا لبحث مساعي إنهاء الحرب في السودان والتواصل مع طرفي القتال وتوسيع الجبهة المدنية.

وأشارت تقارير سودانية إلى أن الاجتماع تسبقه زيارة وفد “تقدم” برئاسة عبدالله حمدوك لمصر وإجراء لقاءات مع المسؤولين حول الدور الذي يمكن أن تقوم به لوقف الحرب في السودان، خاصة أن القاهرة ضاعفت من نشاطها أخيرا، وبدت مستعدة بشكل أكبر للمشاركة في إيجاد حل مناسب للصراع في السودان.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لتنسيقية “تقدم” اللواء كمال إسماعيل إن السودان يشهد نشاطا لوقف الحرب، أو على الأقل التوصل إلى هدنة إنسانية في شهر رمضان، وبدأ النشاط منذ زيارة البرهان للقاهرة التي مارست ضغطا عليه لوقف الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية، مشيرا إلى أن تحركات الآلية الأفريقية ومجلس الأمن تأتي في هذا السياق.

وأضاف إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن زيارة حمدوك للقاهرة (الجمعة) تأتي في سياق التحركات العامة والحثيثة للضغط على طرفي الصراع للتعامل بجدية مع الأزمة الإنسانية الصعبة، وتشير الأجواء الراهنة إلى وجود توافق إقليمي بشأن الموقف من التوصل إلى اتفاق هدنة خلال رمضان، يفضي إلى وقف شامل للحرب.

وشدد القيادي في “تقدم” على أن اجتماعات التنسيقية والآلية الأفريقية لم تنقطع خلال الأسابيع الماضية، وهناك تنسيق كامل بشأن الضغوط التي تمارسها الآلية لوقف الصراع. ويؤكد مراقبون أن “تقدم” قد تكون قناة رئيسية لتجسير الهوة بين قوى عديدة، على الرغم من تحفظات البعض على بعض مواقفها واتهامها بالإنحياز لقوات الدعم السريع، لكنها في النهاية تمثل واجهة مدنية يمكن الالتفاف حولها ودعمها سياسيا.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى مغزى التحركات التي تقوم بها جهات محلية وإقليمية ودولية وما يمكن أن توفره من زخم يوقف الحلقة المفرغة التي أسهم الجنرال البرهان في توسيعها بسبب تصوراته ومراوغاته لإفشال العملية السياسية، وتصب الجهود الخارجية العازمة على إيجاد نافذة أمل للحل في خانة تضييق الخناق عليه.

وعقد وفد تنسيقية “تقدم” اجتماعات مؤخرا مع قوى خارجية، أبرزها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وزعماء جنوب السودان وكينيا وغانا، ولقاء وزير خارجية تشاد وسكرتير عام منظمة إيغاد، والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وأخرى داخلية في مقدمتها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ووقعا إعلانا مشتركا يتضمن بذل جهود لوقف الصراع في السودان، بينما تنصل البرهان حتى الآن من الاجتماع مع وفد تقدم داخل السودان أو خارجه.

وأجرت الآلية سلسلة لقاءات الأيام الماضية مع البرهان، وبعض القوى السياسية داخل السودان، منها قوى الحرية والتغيير/ الكتلة الديمقراطية، وحركة الإصلاح الآن (إسلامية)، وحزب المؤتمر الشعبي/ جناح هيئة الشورى (إسلامي)، والتقت في القاهرة بممثلين لحزب المؤتمر الوطني المنحل (إسلامي).

وبدا لقاء الآلية الأفريقية مع ممثلين لحزب المؤتمر الوطني في القاهرة هو الأكثر إثارة للانتباه، على مستوى المكان والزمان، حيث يعني أن هناك قيادات تنتمي إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير تقيم في مصر التي لديها موقف صارم من ذوي التوجهات الإسلامية، وأن الآلية عازمة على عدم استثناء أي قوى سياسية، وعلى استعداد للحوار مع الجميع، ما يوقعها في حرج مع قوى الثورة الرافضة لأي دور للفلول.

وذكر موقع “سودان تربيون” أن ممثلي حزب المؤتمر الوطني أبلغوا الآلية الأفريقية بعدم وجود تفويض معهم لمناقشة الأجندة المطروحة حاليا، وجرى نصح وفد الآلية بالاجتماع مع قيادة الحزب الموجودة داخل السودان.

وكان البرهان قد رهن قبول حلول الاتحاد الأفريقي بتسوية النزاع في البلاد بإعادة عضوية السودان في التكتل القاري، عندما التقى وفد الآلية الأفريقية برئاسة محمد بن شمباس، الأحد الماضي، حيث علّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 على الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك. وشكلت مفوضية الاتحاد الأفريقي في يناير الماضي آلية رفيعة المستوى لاستعادة الاستقرار والنظام الدستوري في السودان، تعمل مع الأطراف العسكرية والقوى المدنية والمجتمعين الإقليمي والدولي بهدف تنفيذ ولايتها.

وتشمل خطة الاتحاد الأفريقي وقف إطلاق النار الدائم، وتحويل الخرطوم إلى منطقة منزوعة السلاح، وتمركز قوات الجيش والدعم السريع في أماكن تبعد 50 كيلومترا عن العاصمة، مع نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الحيوية، ومعالجة الأزمة الإنسانية والبدء في عملية سياسية لتسوية الصراع. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس إلى وقف الأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان.

وقال غوتيريش أمام مجلس الأمن الدولي “هذا الوقف للأعمال القتالية يجب أن يؤدي إلى توقف القتال بشكل نهائي في جميع أنحاء البلاد، ورسم طريق محدد نحو السلام الدائم للشعب السوداني“. وكشف دبلوماسيون أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدرس مقترحا بريطانيا ينص على وقف فوري للأعمال القتالية قبل حلول الشهر المبارك، وقد يطرح التصويت عليه الجمعة.

ويدعو مشروع القرار جميع الأطراف إلى ضمان إزالة أي عقبات، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر مختلف النقاط، والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي. ويحث مشروع قرار مجلس الأمن جميع الدول على الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يسعى إلى إثارة الصراع وعدم الاستقرار، ويطالب بدعم جهود تحقيق السلام.

العرب