عمق إعلان السعودية أن قطار استثمارات شركة النفط أرامكو سيستمر رغم تضاؤل صافي الأرباح في 2023، من غموض القرارات الأخيرة، التي تسببت في تأجيل مشاريع في حقول كان يفترض أن توسع الإنتاج وسط مساع لتنويع المحفظة لتشمل صناعة الغاز.
الرياض – ينظر المحللون بعين الشك إلى خطط عملاق النفط السعودي أرامكو لزيادة استثماراته في الفترة المقبلة عقب إعلان الشركة الأحد عن ثاني أكبر صافي أرباح في تاريخها مع زيادة التوزيعات على المساهمين، وأيضا لدعم ميزانية الدولة.
وبالنظر إلى ضبابية الأسواق في ظل وضع اقتصادي عالمي قاتم، يبدو المسؤولون على الشركة في وضع مطالبين فيه بتوضيح مسار أعمالها بعيدا عن الوعود التي لا يجد بعضها طريقه إلى الواقع.
وقال أمين الناصر الرئيس التنفيذي لأرامكو عقب إعلان نتائج أعمال الشركة للعام 2023 إن “أرامكو تبحث عن المزيد من فرص الاستثمار في الصين، حيث يرتفع وينمو الطلب”. وأضاف “نحن حتى الآن في أوائل 2024، والطلب قوي ومتزايد في الصين”.
وعززت أرامكو المملوكة للدولة أعمالها في أكبر سوق استهلاكية للطاقة عبر سلسلة من الصفقات في مجال التكرير والبتروكيماويات، بعضها يشمل اتفاقات لتوريد الخام.
وتعتمد الحكومة، التي تمتلك 82.2 في المئة من أرامكو، بشكل كبير على مدفوعاتها السخية، إذ تنفق السعودية مليارات الدولارات في محاولة للتنويع وإيجاد مصادر بديلة للثروة بعد أن اعتمدت على النفط لعقود.
وتؤكد الشركة أن مصافي الصين من أكثر المصافي تكاملا، وتتمتع بأعلى معدلات للتحويل وأنها تبحث حاليا عن المزيد من الفرص للاستثمار. وقال الناصر “نرى ذلك من خلال مشترياتهم من مختلف المنتجين حول العالم”.
وأظهرت النتائج أن صافي الأرباح انخفض بواقع 24.7 في المئة إلى 121.3 مليار دولار في 2023 مقابل نحو 161.1 مليار دولار في العام السابق، والتي اعتبرها الناصر أنها ثاني أعلى دخل على الإطلاق رغم الصعوبات التي واجهت الاقتصاد العالمي.
ونسبت هذا التراجع في المقام الأول إلى انخفاض أسعار النفط الخام والكميات المباعة وانخفاض أسعار المنتجات المكررة والكيميائية.
ووفرت أرباح 2023 القياسية للشركة، التي فاقت أرباح خمس شركات نفط كبرى، بما فيها توتال وشل وإيني وإيكسون موبيل فائضا لميزانية الدولة هو الأول منذ عشر سنوات.
ويتوقع أليستر سيم المدير العالمي الأول لسيتي غروب، انخفاض أرباح أرامكو بنسبة 6 في المئة بالمتوسط بين عامي 2024 و2027 بسبب تعليق خطط التوسع في الإنتاج.
24.7 في المئة نسبة تراجع أرباح الشركة في 2023 بمقارنة سنوية لتبلغ 121.3 مليار دولار
وتراجع إنتاج أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم خلال 2023 بعدما أعلنت الرياض في أبريل خفضا قدره 500 ألف برميل يوميا في إطار تحرك مشترك مع تحالف أوبك+ لخفض الإمدادات بأكثر من مليون برميل يوميا في محاولة لدعم الأسعار.
وبدأت هذه الجهود في أكتوبر 2022 عبر خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل. وفي يوليو الماضي، بدأت الرياض تنفيذ خفض طوعي إضافي مقداره مليون برميل يوميا، وهو قرار تم تمديده شهريا. وأعلنت الأسبوع الماضي أنّه سيستمر حتى يونيو المقبل.
وقال الخبير بقطاع الطاقة المقيم في الإمارات إبراهيم الغيطاني لوكالة فرانس برس إنّ “السعودية تتحمل العبء الأكبر لخفض الإنتاج باعتبارها أكبر منتج داخل التحالف ومنظمة أوبك”.
وأضاف “لولا سياسة أوبك+ لكانت أسعار النفط دون المستوى الذي نراه اليوم فوق 80 دولارا للبرميل خاصة وسط علامات اضطراب بيئة الاقتصاد العالمي عقب الجائحة والحرب الأوكرانية ثم حرب غزة”.
وأشار إلى أنّ السعودية تحاول التحوط ضد انخفاض أسعار النفط بشكل عام عبر تنويع محفظة أعمالها، والتركيز على إنتاج الغاز، إلى جانب البتروكيماويات والتوسع الخارجي.
وبلغت الاستثمارات الرأسمالية للشركة العام الماضي، نحو 49.7 مليار دولار ارتفاعا من 38.8 مليار دولار قبل عام، بينما تتوقع أرامكو زيادتها هذا العام بين 48 و58 مليار دولار مع النمو حتى منتصف العقد الحالي تقريبا.
واعتبر زياد المرشد المدير المالي للشركة في اتصال مع وسائل الإعلام إن هذا النطاق واسع لأنه بالنسبة إلى الاستثمارات الخارجية “هناك عنصر توقيت لا نتحكم فيه بشكل كامل”.
وأعلنت أرامكو بشكل مفاجئ في يناير أنها تلقّت توجيهات من وزارة الطاقة بالمحافظة على مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى عند 12 مليون برميل يوميا والتخلي عن خطة لزيادتها إلى مستوى 13 مليون برميل يوميا بحلول 2027.
ولم يفسر مسؤولو الشركة القرار حينها، لكنّ وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أبلغ مؤتمرا للطاقة أنّ القرار يأتي “لأننا نشهد تحولا”. وأضاف إن “ذلك يعني مزيدا من الاستثمارات في أشكال الطاقة الأخرى مثل الغاز والطاقة المتجددة”.
وفي وقت لاحق، قال الناصر “يوفر التوجيه الأخير من الحكومة بالمحافظة على طاقتنا الإنتاجية القصوى عند 12 مليون برميل في اليوم، مزيدا من المرونة إلى جانب فرصة التركيز على زيادة إنتاج الغاز وتنمية أعمالنا في مجال تحويل السوائل إلى كيميائيات”.
وترتب عن القرار، تعليق مشروعين كانا ضمن خطة توسع الإنتاج وهما حقلا السفانية ومنيفة، بينما توجد ثلاثة مشاريع أخرى قيد التنفيذ وهي الظلوف والمرجان والبري، ومن المتوقع أن تضيف 600 ألف و300 ألف و250 ألف برميل يوميا من إنتاج الخام.
وقال الناصر “سأتمكن من إدارة ذلك من خلال تخفيف تراجعنا وتعويض هذا الانخفاض من الإنتاج الإضافي الذي سيأتي من الظلوف والمرجان والبري”. وشدد على أنه “لا ينبغي أن يؤثر ذلك على عدد منصات الحفر الحالية”.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت أرامكو عن أول استثمار عالمي لها في قطاع الغاز الطبيعي المُسال مع استحواذها على حصة أقلية بقيمة 500 مليون دولار في شركة مد أوشن للطاقة، التي تديرها شركة الاستثمار الأميركية إي.آي.جي.
العرب