منذ هزيمة الرئيس ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2020 ورفضه الاعتراف بهزيمته والإقرار بواقع أنه لم يعد رئيسا للولايات المتحدة- وتحريض أنصاره الذين تحولوا إلى أتباع طائعين ضمن حركة ترامب الانقلابية واختطاف الحزب الجمهوري تحت شعاره الذي يكرره «لنجعل أمريكا عظيمة»- واقتحامهم مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 لتعطيل تنصيب بايدن الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية دستورياً- وأمريكا تزداد انقساما وانشقاقا وصراعا بين مكوناتها الاجتماعية والسياسية والعرقية.
وبرغم قائمة الجرائم الجنائية الأربع في ولاية نيويورك بإدانته بالنصب والاحتيال حول قيم أملاكه وعقاراته، وتهمة اغتصاب والتشهير بضحيته، والحكم بتغريمه 83.3 مليون دولار! وولاية جورجيا بالضغط لتزوير نتيجة الانتخابات، وتهم فيدرالية بالتحريض على اقتحام الكونغرس والاحتفاظ بوثائق فيدرالية سرية- بمجمل 91 تهمة. لكن ترامب اكتسح نتائج الانتخابات التمهيدية وجمع أكبر عدد من المندوبين لتنصيبه رسميا مرشح حزبه الجمهوري خاصة بعد انسحاب آخر منافسيه نيكي هيلي. ما ضمن هيمنته على الحزب الجمهوري. لينافس الرئيس بايدن في انتخابات الرئاسة في 5 نوفمبر القادم في إعادة للمواجهة بينهما قبل 4 سنوات!
تحتدم اليوم المنافسة الشرسة قبل 8 أشهر من إعادة المواجهة بين أكبر مرشحين عمراً بتاريخ الرئاسة الأمريكية: الرئيس بايدن 81 عاماً ودونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين ـ 78 عاما في أمريكا المنقسمة حتى داخل أجنحة الحزبين الديمقراطي بقيادة بايدن والجمهوري بقيادة ترامب!!
كعادة الانتخابات الأمريكية تهيمن الشؤون والأزمات الداخلية على اهتمامات الناخبين: مثل أزمات الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين والجريمة والأوضاع الاقتصادية والتضخم والضرائب. ولا تؤثر الشؤون الخارجية كثيراً على قرار تصويت الناخبين. خاصة بغياب حروب وصراعات وتدخلات عسكرية أمريكية خارجية كما كان الحال قبل عقدين في الحرب على الإرهاب وحربي أفغانستان والعراق…
في المقابل تفرض حرب إسرائيل على غزة نفسها بشكل واضح على حملة الانتخابات الرئاسية لتداعياتها الأخلاقية والإنسانية خاصة بغياب أي ضغط حقيقي يجبر إسرائيل على وقفها مع دعم بايدن بلا سقف لعدوان إسرائيل. ما قد ينعكس ذلك سلباً على فرص فوز الرئيس بايدن خاصة في الولايات المتأرجحة وعلى رأسها ولاية ميشيغان التي تمثل بتصويت أكثر من 100 ألف ناخب من العرب والمسلمين الأمريكيين في الولاية رفضاً لموقف بايدن، لثقل وزن وتأثير الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين. ترجموا حالة الغضب والاحباط بانتقادات واسعة ضد موقف بايدن في حرب غزة التي دخلت شهرها السادس دون إجبار إسرائيل على وقف حرب الإبادة. ويتصاعد الانتقاد في الجناح الليبرالي التقدمي لحزب بايدن الديمقراطي ومن العرب الأمريكيين والناشطين وشباب الجامعات لوقف الحرب المدمرة التي اعترف بايدن بصعوبة التوصل لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل الرهائن والأسرى قبل شهر رمضان المبارك! ما يعمق الغضب من فشل بايدن لتبنيه الموقف الإسرائيلي!
تقف الولايات المتحدة اليوم على مفترق طرق في صراع القطبين والمسارين. يتهم ترامب النظام والدولة العميقة التي بلغ قمة هرمها من خارجها وأعلن الحرب عليها وحرّض أتباعه على التمرد والانقلاب عليها، وبين بايدن ابن النظام والدولة العميقة
الانتخابات التمهيدية والتصفية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري بانتخابات في جميع الولايات هي المرحلة الأولى من مراحل انتخابات الرئاسة الأمريكية-وصولاً لانتزاع ترشيح مرشح الحزبين الديمقراطي-الرئيس بايدن-ومرشح الحزب الجمهوري-ترامب ممثلين للحزبين.
كان متوقعاً الانتصار الكاسح الذي حققه الرئيس بايدن في انتخابات التصفية داخل حزبه الديمقراطي وترامب في حزبه الجمهوري في انتخابات الثلاثاء الماضي في 15 ولاية أمريكية. يحصد المرشحون حوالي ثلث أصوات المندوبين الذين يحسمون مرشح كلا الحزبين.
اكتسح الرئيس بايدن النتائج في جميع تلك الولايات وعلى رأسها ولايتا كاليفورنيا وتكساس الحاسمتان. يحتاج مرشح الحزب الجمهوري (ترامب) إلى 1215 مندوباً للفوز بترشيح حزبه في المؤتمر العام للحزب في الصيف القادم. بينما يحتاج مرشح الحزب الديمقراطي (بايدن) إلى 1969 مندوباً لانتزاع ترشيح حزبه في المؤتمر الحزبي الصيف القادم. وهو ما بات مضموناً لكل من بايدن وترامب وخاصة بعد انسحاب منافسة ترامب الوحيدة نيكي هيلي من سباق الرئاسة بعد أدائها المخيب للآمال. هذا إذا لم يحاكم ترامب ويدان وحتى ربما يسجن لجرائمه الجنائية الأربع و91 تهمة !!!
ألقى الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي أهم خطاب في حياته السياسية، خطاب حالة الاتحاد يلقيه الرئيس الأمريكي سنوياً أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ وبحضور وزراء وقضاة المحكمة العليا والقيادات السياسية-والعسكرية
ولأننا في سنة انتخابات رئاسية اكتسب الخطاب أهمية خاصة. دشن به بايدن حملته الرئاسية. حاجج الرئيس بايدن لماذا يستحق ثقة الناخبين لرئاسة ثانية وأخيرة ولماذا يشكل ترامب منافسه وخصمه اللدود خطرا على الديمقراطية الأمريكية وعلى أمريكا وعلاقتها مع حلفائها والناتو في الخارج.
تناول بايدن في خطابه قضايا بالغة الأهمية ومثار نقاش محتدم في الداخل والخارج. الأوضاع الاقتصادية والضرائب والتضخم وأزمة الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية مع المكسيك وأزمة العنف في المدن-ونقاش زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات.
وأفرد الرئيس بايدن في خطاب حالة الاتحاد مساحة كبيرة للشؤون الخارجية وخاصة الدفع لوقف إطلاق نار على مدى ستة أسابيع في غزة وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المدمر والذي يئن سكانه من المجاعة والتشرد والنزف وكذلك بناء رصيف مرفأ في غزة لإدخال المزيد من المساعدات عن طريق البحر انطلاقاً من قبرص بدعم بريطانيا ودول عربية وغربية.
تقف الولايات المتحدة اليوم على مفترق طرق في صراع القطبين والمسارين. يتهم ترامب النظام والدولة العميقة التي بلغ قمة هرمها من خارجها وأعلن الحرب عليها وحرّض أتباعه على التمرد والانقلاب عليها-وبين بايدن ابن النظام والدولة العميقة. وسيتصاعد الصراع بين المسارين على مستقبل ومكانة النموذج الأمريكي!