من داخل حرب إيران السرية في سورية

من داخل حرب إيران السرية في سورية

441

عدم الثقة العميق والمنافسة الاقتصادية وتضارب الأجندات الأيديولوجية، هي ثلاثة أبعاد تجعل التحالف بين روسيا وإيران غير مستقر تماماً.
من المعروف بشكل عام أن الدكتاتوريين ينفذون سياسات قمعية ضد شعوبهم. وللملالي في إيران ميزة إضافية رئيسية، فقد نصبوا أنفسهم زوراً على أنهم ممثلو الدين الإسلامي الوحيدون، زاعمين أن وجهات نظرهم التشددية هي تعاليم الإسلام الحقيقية. وقد أعطاهم هذا الاستغلال لمناصبهم الأدوات لوسم خصومهم بأنهم أعداء لله وللإسلام. كما أمدهم بأرضيات لفتح طريقهم أمام الدخول إلى البلدان الإسلامية الأخرى، عارضين نظامهم كبديل للمواطنين الذين يخوضون صراعات مع إداراتهم المحلية. وطبقاً لهذا المسار، فقد أتبعت “بعثات” إيران بمستشارين عسكريين، مثل الجنرال قاسم سليماني وغيره من قادة فيلق القدس الإرهابي الإيراني.
أفضت عقود من هذا الاستغلال للأراضي، وسقايتها بالترضيات والمزايا غير العاقلة التي تقدمها الحكومات الغربية، إلى وجود الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان ونوري المالكي في العراق، وأخيراً دعم بشار الأسد في سورية. وعمل تفجر الربيع العربي، سوية مع الانتفاضات في داخل إيران، على تعزيز وتوحيد المجموعات الثوروية المحلية التي وجدت في إيران عدوها الحقيقي. وقد منيت قوات التدخل الإيرانية بانتكاسات في بلدان مختلفة، كما يحدث في سورية.
في سورية، وبمساعدة من الضربات الجوية الروسية والمقاتلين الأجانب المدعومين من جانب إيران وقوات الدكتاتور السوري بشار الأسد، أصبحت إيران الجيش البري الذي يقاتل لإنقاذ حليفه المحاصر، بشار الأسد، بينما أصبحت روسيا سلاحه الجوي. ومع ذلك، تلقت إيران ووكلاؤها خسائر كبيرة في صفوف مسؤولين عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى منذ بداية جهود تجنيدهم وانتشارهم في سورية. وحتى الآن، فقدت إيران الضابط الرفيع الثالث صعوداً إلى جنرالات. وقد باشرت هذه الوفيات في إثارة أسئلة من قبيل “ماذا يفعل الحرس الثوري الإيراني هناك؟”.
تدعم روسيا وإيران نظام الرئيس بشار الأسد، وهو ما أسبغ عليهما صفة الحليفين المقربين في الحرب الأهلية السورية. لكن لهما دوافع كامنة وراء دعمهما للنظام، والتي تختلف بشكل كبير -دوافع تجعل من تعاونهما تعاوناً غير مستقر تماماً. وسيكون من شأن سقوط الأسد ترك إيران معزولة في الشرق الأوسط، بحيث يظل العراق حليفها الإقليمي الوحيد. ولذلك تحتاج إيران إلى بقائه زعيماً لسورية إذا كانت تريد أن تكون قوة إقليمية. ويستند تورط روسيا في سورية إلى مبادئ جيوسياسية مختلفة. وتحاول روسيا حماية الأنظمة السلطوية من التدخلات العسكرية الغربية. فعندما بدأت روسيا عملياتها الجوية في سورية في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، كانت الفكرة من ورائها تنصب على تزويد القوات الموالية للأسد بدعم جوي لإلحاق الهزيمة بقوات الثوار التي ما تزال تقاتل الحكومة منذ أربعة أعوام ونصف العام.
تقول إحدى المصادر الإقليمية الرفيعة أن التدخل العسكري في سورية أرسي في اتفاقية بين موسكو وطهران، والتي تنص على أن تقدم الضربات الجوية الروسية الدعم للعمليات البرية التي تنفذها القوات الإيرانية والسورية وقوات حزب الله اللبنانية على الأرض.
وكان القرار بالقيام بجهد عسكري إيراني روسي مشترك في سورية قد اتخذ خلال اجتماع عقد بين وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، وبين الزعيم الديني الإيراني، علي خامنئي، قبل عدة أشهر. وكان سليماني، الذي كلفه خامنئي بترؤس الجانب الإيراني في العملية، قد سافر إلى موسكو لبحث التفاصيل. كما أنه سافر إلى سورية عدة مرات منذ ذلك الحين. كما أوفد خامنئي مبعوثاً رفيع المستوى إلى موسكو للاجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفق ما ذكره مسؤول إقليمي رفيع المستوى. وقال بوتين للمبعوث الإيراني: “حسناً، سوف نتدخل، وأنتم أرسلوا قاسم سليماني”. وكانت زيارة الجنرال الكبير قاسم سليماني لموسكو هي الخطوة الأولى في التخطيط للتدخل العسكري الروسي الذي أعاد تأطير الحرب السورية، وشكل تحالفاً إيرانياً-روسياً جديداً لدعم الأسد.
مع ذلك، لا يبدو هذا التحالف صلداً. فعدم الثقة العميق والمنافسة الاقتصادية والأجندات الأيديولوجية المتضاربة، تشكل ثلاث نقاط توتر تجعل التحالف بين روسيا وإيران غير مستقر تماماً. وتستطيع نقاط التوتر هذه خلق انقسام في صفوف القوات الموالية للأسد في سورية. وفي هذا الصدد، قال رسلان بوخوف، عضو المجلس الاستشاري العام في وزارة الدفاع الروسية: “إن الأمور على أرض الواقع لا تسير على ما يرام —فجيش الأسد متعب والإيرانيون ليسوا ماهرين جداً، بينما يتمتع الثوار الذين يقاتلونهم بخبرة جيدة”.
وكانت الخسائر الثقيلة في سورية قد خلقت خيبة أمل في الجانب الإيراني. وقال الميجر جنرال محمد علي الجعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني: “إن الصديق الشمالي الذي جاء إلى سورية لتقديم الدعم العسكري فعل ذلك خدمة لمصالحه”. وأضاف أن موسكو “قد لا تعبأ ببقاء الأسد كما نعبأ نحن”.
من جهتها ذكرت صحيفة الشرق الأوسط التي تتخذ من لندن مقراً لها أن إيران بدأت بسحب قوات جهاز حرس الثورة الإيراني النخبوي من سورية.
ومن بين المسوغات التي أفضت إلى هذا التراجع، كانت الخسائر الثقيلة التي منيت بها إيران خلال الشهرين الماضيين، أي منذ بدأت روسيا عملياتها العسكرية هناك. وقال ضابط في الجيش السوري الحر، والذي يتنصت على الاتصالات المحلية، أن حالات التوتر بين الروس وبين الإيرانيين ما تزال تتصاعد بسبب الخسائر اليومية التي تمنى بها القوات الإيرانية نتيجة لدفع روسيا بالمزيد من العمليات البرية.
وقالت وكالة الأنباء الروسية يوم 15 كانون الأول (ديسمبر) الحالي أن فقدان عدد كبير من قادة جهاز الحرس الثوري الإيراني في سورية، حمل النظام على خفض قواته العسكرية في هذا البلد. وقال التقرير أن إيران خفضت عدد أفراد قواتها من 7000 إلى 700 جندي وحسب.
ويوم 11 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، نقل موقع بلومبيرغ عن مسئولين عسكريين أميركيين قولهم أنهم شاهدوا عدداً كبيراً من قوات جهاز الحرس الثوري الإيراني في الأسابيع الأخيرة وهي تنسحب من مناطق القتال في سورية.
كما جرى تداول تقارير مفادها أن قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، قد أصيب بجروح خطيرة خلال معركة في حلب. ويوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قال بيان للجنة الأمنية المناهضة للإرهاب أن “سليماني، القائد المجرم لفيلق القدس الإرهابي، قد جرح في سورية”، ثم نقل إلى مستشفى في إيران. ويعزز تمسك المسؤولين الإيرانيين برفض التحدث عن أحواله من حقيقة الهزائم التي يمنى بها النظام في سورية.

ترجمة:عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد الأردنية