الانضباط المالي يدعم الثقة في دفاعات الاقتصاد العماني

الانضباط المالي يدعم الثقة في دفاعات الاقتصاد العماني

يتفق خبراء على أن التحسن المستمر والتطور الملحوظ للجدارة الائتمانية لسلطنة عُمان جاءا نتيجة للجهود والإجراءات الحكومية المتخذة لضبط الإنفاق العام وخفض الدين العام وزيادة الإيرادات غير النفطية وتحسين مؤشرات أداء المالية العامة للدولة.

مسقط- تعطي التقييمات الإيجابية الصادرة عن أبرز وكالات التصنيف الائتماني العالمية على مدار الفترة الماضية المزيد من الثقة في مواصلة دفع الاقتصاد العماني إلى نقطة تستهدفها الحكومة في طريق تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح.

وتعتبر مشكلة الديون وضبط التوازنات المالية محددين رئيسين لنجاح مسقط في تجسيد خططها القصيرة والبعيدة المدى في جعل الاقتصاد أكثر تنوعا من حيث مصادر الدخل بما يجعل بيئة التنمية أكثر تنافسية مع مرور الوقت أسوة ببعض دول الخليج الأخرى.

وقال محمد الغساني رئيس مجلس إدارة بنك التنمية العماني إن “التحسن في التصنيف يأتي ثمرة للجهود التي بذلتها الحكومة خلال الفترة الماضية لتجويد الإنفاق وتعظيم الإيرادات المالية واستمرار خفض المديونية العامة خاصة عالية التكاليف منها”.

ويعتبر بنك التنمية أحد آليات التمويل، التي توفرها الحكومة، إلى جانب كلا من محفظة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وصندوق ركيزة والصندوق العُماني للتكنولوجيا في دعم وتسريع وتيرة التنمية من بوابة الاستثمار.

وأشار الغساني في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى فاعلية السياسات المالية والاقتصادية للحكومة، والتي أتت في إطار برنامج الاستدامة المالية للتعامل مع التحديات الاقتصادية المفاجئة واستمرار تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وارتفعت درجة التصنيف الصادرة عن وكالة ستاندر آند بوز للتصنيف الائتماني منذ مارس العام الماضي، عندما كانت عند بي.بي مع نظرة مستقبلية إيجابية إلى مستوى بي.بي+ مع نظرة مستقبلية إيجابية في مارس 2024.

والصيف الماضي أعطت تقييمات وكالة فيتش السلطنة المزيد من الثقة في مواصلة دفع الاقتصاد، بعد أن منحتها نظرة مستقبلية متفائلة مدفوعا بالانضباط المالي للحكومة في مساري خفض الديون وتعزيز الكفاءة في استخدام فوائض إيرادات النفط والغاز.

ورفعت فيتش درجة الجدارة الائتمانية للبلد الخليجي إلى بي.بي+ مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأرجعت ذلك إلى تحسن المالية العامة، حيث قامت الحكومة باستخدام إيرادات النفط المرتفعة في سداد الديون وتوزيع فترات استحقاقها.

وكان للجهود الحكومية أثر ملموس في تعظيم الفوائض المالية منذ ارتفاع أسعار النفط والغاز بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مع تراجع إجمالي الدين العام خلال عام 2022 بأكثر من 18 في المئة قياسا بعام 2020 حينما بلغ 68 في المئة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الدين العام للبلد الخليجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 35.7 في المئة خلال العام الحالي من 37.7 في المئة في 2023.

وأوضح الغساني أن التقدم في التصنيف الائتماني مؤشر مهم لثقة المستثمرين والمقترضين في الاقتصاد والقطاع المصرفي وستجنيه السلطنة من إمكانية الحصول على قروض مستقبلا إن احتاجت بنسب أرباح أقل.

وقال إن المؤشرات “تشجع المستثمرين الأجانب على الدخول في استثمارات متنوعة وبرؤوس أموال كبيرة، ما يساعد على تسارع خطى إستراتيجية التنويع الاقتصادي ومستهدفات رؤية عُمان 2040”.

وتابع “إضافة إلى ذلك، فإن التصنيفات الجيدة تعمل على ترسيخ الحوكمة الإدارية والمالية للدولة والقطاع المصرفي، وهو ما يعزز الاستقرار الاقتصادي والمالي على المدى الطويل”.

ويرجح صندوق النقد أن تسهم الأنشطة غير النفطية في دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، حيث سيتسارع بنحو 2.5 في المئة ارتفاعا من 1.3 في المئة مسجلة بنهاية العام الماضي.

ويعتقد الخبير الاقتصادي العماني يوسف البلوشي أن ثمة تداعيات إيجابية كبيرة لتحسين التصنيف الائتماني للسلطنة من مختلف الجوانب خاصة في مجال توفير التمويل بالكلفة المناسبة سواء للحكومة أو للبنوك.

وقال إن هذا الوضع “ينعكس للحصول على هذا التمويل بكلفة منخفضة نسبيا تساعد على ضخها في الاقتصاد في المرحلة القادمة”.

وأكد البلوشي على أن المستثمرين المحليين والأجانب ينظرون إلى التصنيف الائتماني بصفته مؤشرا مهما لاتخاذ قراراتهك، ويُعزى التحسن المستمر إلى العديد من الأسباب أهمها أسعار النفط والسياسة المالية الحكومة وتراكم احتياطيات النقد الأجنبي.

وبين أن تحسن التصنيف الائتماني للسلطنة يتيح فرصة كبيرة للنهوض بالاقتصاد واقتناص الظروف المواتية لتوسيع قاعدة المحتوى المحلي والحصول على تمويل أكبر للقيام بمشاريع والدفع نحو تحقيق مستهدفات أجندة 2040.

وساعدت الإدارة المالية الرشيدة والأسعار المرتفعة للنفط والغاز على تحقيق فوائض في رصيد المالية العامة والرصيد الخارجي منذ العام 2022.

وتشير التقديرات إلى بلوغ رصيد المالية العامة الكلي 5.5 في المئة من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي، ورصيد الحساب الجاري 2.8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2023.

ويرى خالد العامري رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العُمانية أن تحقيق سلطنة عمان العديد من التطورات التي كان لها الأثر الإيجابي في تحسن الجدارة الائتمانية للاقتصاد يؤكد على نجاح السياسات الاقتصادية والمالية المتخذة.

وقال إن “المؤشرات التي تم رصدها وتسجيلها تنسجم مع الأولويات الوطنية وأهداف خطة التنمية الخمسية العاشرة وأيضا التوجهات الإستراتيجية لرؤية عُمان 2040”.

وأطلقت الحكومة خطة مالية متوسطة الأجل في عام 2020 لخفض الدين العام وتنويع مصادر الإيرادات وتحفيز النمو الاقتصادي.

وأوضح العامري أن التحسن في النظرة المستقبلية من قبل ستاندرد آند بورز إقرار بأن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح لتحسين بيئة الاستثمار وتعزيز ثقة المستثمرين بالاقتصاد.

وأضاف “سيعمل ذلك على جذب الاستثمار الأجنبي ويحسّن بيئة الأعمال وقدرة البنوك ومؤسسات التمويل على الحصول على تمويل بتكلفة أقل، كما يخفض كلفة خدمة الدَّيْن العام، وتعزيز موثوقية الحكومة في الالتزام بسداد المستحقات تجاه الغير”.

ومن بين أسباب تعديل النظرة المستقبلية، تراجع الدين العام، حيث وصل بنهاية 2022 إلى 45.44 مليار دولار واستمر بالتراجع في 2023 بمقدار 13.6 في المئة. وقال العامري “يعد هذا إنجازا مهما انعكس على تحسن الجدارة الائتمانية للسلطنة”.

العرب