مشكلة التغير المناخي التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تمثل تحديا كبيرا يهدد بتفاقم حالة الهشاشة المستحكمة في هذه المنطقة المكلومة بالنزاعات والنزوح. ويتعين على حكومات المنطقة أن تجتهد في التعاطي مع هذا التحدي باعتماد إصلاحات شاملة تدعم إستراتيجياتها الموضوعة للتكيف مع آثار التغير المناخي.
عمان – تواجه منطقة الخليج العربي تحديات هائلة في التصدي للنتائج الوخيمة لمشكلة التغير المناخي وما يترتب عليها من تبعات معقدة ومتشابكة. فبعد سنوات من التغافل بدأت دول الخليج في استيعاب ما يمكن أن يسببه التغير المناخي من آثار قد تهدد استقرارها وأمنها وقدرتها على البقاء. ومع ذلك فإن ما يتطلبه تخفيف تلك الآثار من إرادة وجهود تعاونية تتضافر فيها كافة فئات المجتمع لا يزال في طور التكوين.
ومثل غيرها من دول المنطقة، تعتبر المملكة العربية السعودية عرضة للتغير المناخي الذي يهدد البيئة المناخية الطبيعية للبلاد فضلا عما يشكله من خطر عام على المجتمع وعلى مؤسسات الدولة.
وتعتبر مشكلة ارتفاع درجات الحرارة من أكبر المشاكل التي تواجه المنطقة حاليا، حيث فاقت درجات الحرارة في المنطقة المعدل المتوسط العالمي لتتجاوز درجة الحرارة في كل من إيران والكويت وعُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خمسين درجة مئوية في عام 2021.
وجاء في تقرير نشره معهد كارينغي أنه في حال استمرت هذه المعدلات، فمن المتوقع أن تصبح أجزاء كبيرة من المنطقة غير صالحة للحياة الآدمية بنهاية هذا القرن.
ويحذر علماء المناخ من أن درجات الحرارة في المنطقة قد تزداد بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2050، وهو ما يعني صعوبة العودة إلى عتبة 1.5 درجة مئوية التي قررتها اتفاقية باريس للمناخ كحد أقصى للاحترار العالمي، ما قد يتسبب في انهيار بيئي عالمي.
وتعتبر الفيضانات المفاجئة مصدر قلق كبير آخر للمملكة العربية السعودية التي تتعرض بشكل دوري، على الرغم من كونها دولة قاحلة للغاية، لموجات غزيرة من الأمطار التي تتحول إلى فيضانات مفاجئة بسبب انتشار التجمعات السكنية العشوائية وعدم وجود البنية التحتية اللازمة لتصريف مياه الأمطار في معظم المدن.
وتعد الفيضانات حدثا ملحوظا وشائعا في المناطق الجبلية الواقعة جنوبي غرب المملكة حيث تسببت في أضرار وخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات على مدار السنوات العديدة الماضية.
ومن المفارقات أن الجفاف يعد أيضا من مصادر القلق الكبيرة للمملكة. فعلى الرغم من الهطول العَرَضِي الغزير للأمطار إلا أنه من المتوقع أن يتسبب التغير المناخي في انخفاض عام في أنماط هطول الأمطار المسجلة محليا وفي ارتفاع معدلات التبخر.
وتشير توقعات التغير المناخي إلى أن البلاد ستعاني من فترات جفاف طويلة ستؤدي إلى استنزاف سريع لخزانات المياه الجوفية، وإلى تفاقم مشكلة شُح المياه بين المجموعات السكانية الهشة. وتعد المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر الدول التي تعاني من شُح المياه على سطح الأرض، خاصة مع تضاعف الاستهلاك الفردي اليومي للمياه ليصل إلى 265 ليترا في اليوم.
وقد أدى الاستهلاك المتزايد للمياه الجوفية إلى انخفاض عنيف في مكامن المياه الجوفية في البلاد ما تسبب في هبوط حاد للأراضي في بعض أنحاء المملكة.
ولا تقتصر أزمة المياه بأي حال من الأحوال على الحدود الوطنية للمملكة العربية السعودية، حيث من المتوقع أن تواجه منطقة الخليج بأكملها، بحلول عام 2050، انخفاضا قد يصل إلى 50 في المئة في نصيب الفرد من المياه ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي في المنطقة، فضلا عما سيؤدي إليه من زيادة الانبعاثات الكربونية في المملكة التي تحاول توفير احتياجاتها من المياه عن طريق الاعتماد بشكل متزايد على عمليات تحلية المياه التي تضع ضغوطا هائلة على استهلاك الطاقة.
ويشكل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدا خطيرا آخر للمناطق الساحلية في المملكة العربية السعودية التي تشمل مدنا مثل جدة والدمام. وقد يتسبب هذا الارتفاع في مستوى مياه البحر في نتائج كارثية على البنية التحتية والنشاط الاقتصادي والنسيج الاجتماعي لهذه المناطق، حيث من المتوقع أن يتعرض ما يقرب من 200 ألف شخص لفيضانات ساحلية متتالية بحلول عام 2050.
ومن المتوقع أن تتسبب التعقيدات المركبة لمشاكل التصحر وارتفاع منسوب مياه البحار وشح المياه في آثار خطيرة على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي للبلاد بشكل عام. فالمملكة تستورد ما يربو على 80 في المئة من احتياجاتها الغذائية، وهي نسبة معرضة للتزايد مع ما تفرزه التغيرات المناخية من إشكالات. وإن لم تتمكن المملكة من تحجيم مستوى الانبعاثات الكربونية المرتفعة، فإن معدلات الجفاف الزراعي ستتزايد بنسبة قد تصل إلى 88 في المئة بحلول عام 2050، وهو ما سيؤدي إلى انهيار منتوجها الغذائي الضئيل كليا.
واستثمرت المملكة مليارات الدولارات في مبادرات التخفيف من آثار التغير المناخي ووضعت الإستراتيجيات الاستباقية لمواجهة آثار التغير المناخي، ومنها مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقتها المملكة في مارس 2021. ولكن هذه المبادرات المُبَشّرة قد تعترضها بعض العقبات.
يعد العراق خامس أكثر بلدان العالم تعرضا لآثار التغير المناخي حيث تواجه البلاد تحديات خطيرة في هذا الشأن تتجلى في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار وزيادة تملح التربة والعواصف الترابية المتكررة.
ويعتبر العراق ومصر من أكثر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر بسبب وجود مناطق الدلتا في كلا البلدين وتحديدا دلتا نهر النيل في مصر ودلتا نهري دجلة والفرات في العراق.
ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر في العراق وخاصة في محافظة البصرة إلى أن تتحول هذه المنطقة إلى مدينة عائمة تشابه مدينة فينيسيا الإيطالية.
ومع الزيادة المتوقعة لكمية الفيضانات ستكثر المستنقعات المالحة وسيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى نقل الوتد الملحي من منطقة الخليج إلى منطقة شط العرب وهو النهر الذي شكله التقاء نهري الفرات ودجلة في جنوبي العراق. وتدعم هذه التوقعات نماذج بحثية تظهر تسرب مياه البحار للأهوار، وتتنبأ بأن تدفق نهر الفرات أيضا سينخفض.
وبحسب عزام علوش، وهو مهندس ميكانيكا حركية وباحث بيئي عراقي، فإن انخفاض تدفق نهر الفرات سيؤدي إلى تسارع ارتفاع منسوب مياه البحر ما سيؤدي إلى حدوث فيضانات ومشاكل أخرى في البصرة العراقية وفي المدن الإيرانية الواقعة في حوض الفرات السفلي.
ويتضح من كل ما تقدم أنه يجب على الحكومة العراقية الحالية أن تضع مسألة التغير المناخي على رأس أولوياتها. في عام 2021، أعلنت حكومة الرئيس العراقي السابق برهم صالح عما أسمته “مبادرة إنعاش بلاد الرافدين”، التي وضعت عددا من أهداف مكافحة التغير المناخي ركزت على جهود إعادة التحريج الوطنية في جنوبي وغربي البلاد (والتي تعتمد بشكل كبير على زراعة أشجار النخيل)، وعلى تحديث عمليات إدارة المياه وزيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية. ولكن هذه الخطة الطموحة لم تسفر عن أي نتائج بنّاءة.
على الرغم من أن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي يتعرض لها الأردن الآن قد تدفع به إلى وضع مشكلة التغير المناخي في ذيل قائمة مخاوفه الإستراتيجية، إلا أن الآثار العميقة وطويلة المدى للتغير المناخي قد تسبب تهديدا وجوديا لاستقرار البلاد إن لم تعالج بشكل سليم.
ويعتبر التغير المناخي من القضايا الشاغلة في الأردن حاليا نظرا لما تتسبب به مشكلة الاحترار العالمي من آثار ملحوظة على أجواء البلاد.
ويشهد الأردن ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة تصحبه موجات جفاف متواترة ومعدلات تبخر متزايدة يرافقها غير ذلك من الظواهر الجوية المتطرفة.
وبما أن المملكة الأردنية لا تزال تعتمد اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري المستورد، فعليها أن تسارع في اتخاذ ما يلزم من إجراءات للحد من تفاقم أخطار التغير المناخي التي قد تؤدي إلى زيادة شُح المياه وانخفاض الإنتاجية الزراعية وتنامي المخاطر الصحية.
وقد يؤدي التغير المناخي كذلك، إلى التأثير سلبا على المكانة التنافسية التي يحتلها الأردن كوجهة سياحية مهمة زاخرة بالمواقع التاريخية، كمدينة البتراء، والكنوز البحرية المتمثلة في الشعاب المرجانية الخلابة.
وعلى الرغم من أن مساهمة الأردن في الانبعاثات الكربونية العالمية تكاد لا تذكر، فلا شك بأن المملكة تتعرض كغيرها من دول العالم لآثار تلك الانبعاثات.
على الرغم من كل هذه التحديات، وكون الأردن واحدا من أكثر بلدان العالم معاناة من شح المياه، إلا أن استجابة المملكة لهذه المشكلة حتى الآن تفتقر إلى اعتماد نهج شامل إزاء قضايا المياه والطاقة والأمن الغذائي يقدم الحلول الفعالة والقابلة للتنفيذ.
وعلى الرغم من وجود خطط إستراتيجية وطنية إلا أنها تفتقد الإرادة السياسية المطلوبة لوضعها موضع التنفيذ، فالحكومة، على ما يبدو، غير قادرة على طلب ما تحتاجه من التمويل الدولي المخصص لمكافحة التغير المناخي والاستفادة منه. وأخيرا ومثل غيرها من الدول، يبدو أن قرارات السياسة الخارجية الأردنية غالبا ما تعطي الأولوية للمشاكل الاقتصادية الآنيّة بدلا من التعامل مع المشاكل البيئية المؤجلة.
ودعما منه للنظم الدولية للحوكمة المناخية، وضع الأردن مجموعة قوية من السياسات المناخية الوطنية التي ترسم مسارا طموحا نحو تقليص الانبعاثات الكربونية وتعزيز التنمية القادرة على مقاومة آثار التغير المناخي. ولكن هذه الخطط لا تزال ينقصها زخم التنفيذ والكفاءة المؤسسية.
ولكي تتمكن الحكومة من تعزيز سياساتها المتعلقة بقطاعات المياه والزراعة والطاقة والنقل، وهي قطاعات محورية ومترابطة، سيتوجب عليها وعلى الجهات الفاعلة الداعمة للبيئة في الأردن أن تزيد من كفاءة وفعالية جهود حوكمة التغير المناخي وتدابير الاستجابة له على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
تغلب الطبيعة الصحراوية الجافة والبيئة الجدباء على معظم أراضي جمهورية مصر العربية وتحول بينها وبين تحقيق ما تحتاجه البلاد من أمن مائي وإنتاج غذائي. وتعاني معظم أقاليم البلاد، خاصة تلك الواقعة جنوب القاهرة، من قلة كميات الأمطار التي تتلقاها سنويا.
ولقد أدت هذه الطبيعة الجافة والندرة النسبية للأمطار إلى أن تقتصر المساحة الزراعية في مصر على نحو 4 في المئة فقط من إجمالي مساحة الأراضي المصرية، يتركز معظمها في دلتا نهر النيل وما حولها، وإلى أن يتحول نهر النيل إلى المصدر الرئيس، بل وتقريبا، الوحيد للري وللمياه العذبة في البلاد.
على الرغم من أن اعتماد مصر على النيل قد ساعدها في التغلب على الكثير من القيود البيئية وعلى إدارة أمنها الغذائي والمائي في الماضي، إلا أن السياسات الحالية للبلاد لن تكون مستدامة في مواجهة التغير المناخي والنمو السكاني المتوقع.
وسيؤدي التغير المناخي إلى تفاقم أزمة شح المياه، وتضاعف التحديات القائمة التي تواجهها الموارد والأنظمة، واستحكام حالة الهشاشة التي يعانيها المواطنون المصريون، بدرجات متباينة، في الريف والحضر.
ويجب على الدولة أن تعمل على إصلاح ممارساتها في إدارة المياه، وأن تتبنى حوكمة مناخية أكثر قوة وإحكاما لتتفادى تعرّض البلاد واقتصادها وأمنها البشري للأضرار الجسيمة.
وتعتبر محدودية إمدادات المياه في مصر نتيجة مباشرة لسياسات امتدت على مدار عقود واستهدفت توسعة الإنتاج الزراعي في البلاد.
على الرغم من أن القيود البيئية والسياسات الزراعية المُكلفة مائيا هي أهم مسببات شح المياه في مصر، إلاّ أن تغير المناخ سيضع ضغوطا إضافية على أنظمة المياه غير المستقرة في البلاد، حيث ستهدد درجات الحرارة المتطرفة ومعدلات هطول الأمطار غير المنتظمة ونوبات الجفاف المتكررة الموارد المائية المصرية تهديدا كبيرا. وبما أن النسبة الكبرى من معدلات استهلاك المياه تذهب لتلبية الاحتياجات الزراعية ورعي الماشية، فإن شح المياه الذي يتفاقم بسبب تغير المناخ سيعوق الإنتاج الغذائي في مصر، وسيعرض أرزاق الرعاة والمزارعين المصريين للخطر.
العرب