تمسك مصري بالتركيز على زراعة الفواكه بدلا من المحاصيل الإستراتيجية

تمسك مصري بالتركيز على زراعة الفواكه بدلا من المحاصيل الإستراتيجية

القاهرة- تتبنى الحكومة المصرية سياسات تولي أهمية لزراعة الفواكه والخضروات التصديرية على حساب بعض المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والقطن، ما ينتج عنه تحقيق عوائد مادية سخية في الأولى، بينما تواجه الثانية صعوبات تصطدم بها مصر وهي في طريقها نحو تأمين احتياجات المواطنين من الخبز مع ارتفاع أسعاره.

وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي الاثنين في حفل بمناسبة موسم الحصاد في مشروع مستقبل مصر الزراعي إن زراعة محاصيل أكثر ربحية وقابلية للتصدير تعود بالنفع، ويمكن للدولة تصدير هذه المحاصيل المربحة واستخدام عائداتها في استيراد القمح.

وأضاف أن محدودية الموارد المائية وتزايد عدد السكان من أبرز التحديات أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، خاصة أن الاستهلاك المحلي للمياه لهذا العام من المتوقع أن يصل إلى 4.5 مليار متر مكعب، وأن الدولة تعمل على إنشاء بنية تحتية قوية بهدف سرعة وصول المحاصيل الزراعية إلى منافذ البيع.

وتعد مصر واحدة من أكبر مستهلكي القمح في العالم، وتستورد نحو 10 ملايين طن سنوياً، ويتجه نحو نصف هذه الكمية لتوفير الخبز المدعم لعشرات الملايين من المواطنين، وسط توقعات بارتفاع الكميات المستوردة هذا العام.

وقفزت واردات مصر من القمح في الربع الأول من العام الجاري 21 في المئة لتسجل نحو 3.35 مليون طن مقابل 2.75 مليون طن في الفترة المماثلة العام الماضي.

وترتبط الرؤية الحكومية بشأن زراعة الفواكه والمحاصيل التصديرية بخطة وضعها وزير الزراعة الأسبق يوسف والي في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، ولم تحقق نجاحا، وترتب عليها تراجع مساحات القمح والقطن مقابل زيادة الرقعة الزراعية للفراولة والموالح التي تجد سوقًا رائجة في الخارج.

وكانت خطط التسويق الضعيفة عائقًا أمام تحقيق عوائد مرتفعة، في حين اتجه بعض الفلاحين إلى زراعة محاصيل توفر إنتاجية أكبر من دون الارتباط بالأهداف الحيوية التي تمثلها زراعة الحبوب.

وتبرهن مساعي الحكومة لتأكيد قدرة مصر على زراعة البن والشاي، على الرغم من عدم ملاءمتها للبيئة المناخية، على حجم الارتباك في تحديد خطط الإنتاج الزراعي، فالبن محصول استوائي وشبه استوائي ينمو في مناطق حرارتها أقل من 30 درجة طوال العام مع أمطار صيفية، ويفضل لو أن الأمطار ممتدة، كذلك الوضع بالنسبة إلى زراعة الشاي، وانتهت تجارب سابقة بوجود منتجات ليس لها طعم الشاي أو البن.

ولدى الحكومة رؤية ترتبط بقدرتها على استيراد القمح بالعملة المحلية من دول مجموعة بريكس التي انضمت لها مصر في يناير الماضي، أو ما يسمّى مقايضة أو مبادلة العملات، الأمر الذي يخفف الضغط عن الدولار.

وتعوّل القاهرة على منحها تسهيلات ميسّرة بفوائد مخفضة تساعدها على توفير احتياجاتها من القمح المستورد، غير أن ذلك قد يخلق مشكلات جمة حال تراجعت معدلات زراعة القمح في دول بعينها، مع حاجة المزارعين إلى تحقيق ربحية أعلى.

وقال الخبير الدولي في الغذاء والحبوب نادر نورالدين إن الفكرة القديمة التي ابتكرها الراحل يوسف والي تجعل توفير السلع والمواد الغذائية الإستراتيجية بيد المستوردين، وما حدث أثناء أزمة انتشار فايروس كورونا والاتجاه نحو الإغلاق منح الحكومة المصرية وغيرها درسًا بضرورة الاعتماد على المنتج المحلي، وإن الكثير من المحاصيل الزراعية والزهور التصديرية تعرضت للتلف بسبب وقف التصدير في ذلك الحين.

وتعرضت مصر لهزات عنيفة حينما قررت دول الاتحاد الأوروبي عام 2011 حظر استيراد ‏31‏ نوعا من المنتجات الزراعية، شملت الخضروات والبقوليات والبذور والنباتات الزيتية بعد اكتشاف وجود بكتيريا قاتلة، قيل في حينه إنها جاءت من المحاصيل المصرية، كما أن تعثر وصول المحاصيل المصرية إلى روسيا ودول أوروبية مع إغلاق البحر الأسود عقب اندلاع الحرب الأوكرانية ترك آثاراً سلبية.

وأوضح نورالدين في تصريح لـ”العرب” أن الاعتماد على الزراعة التصديرية مخاطرة، ومن الأجدى توفير العملة الأجنبية عبر تقليل الاستيراد وليس بالتوسع في التصدير والاستيراد معا، ويمكن تحقيق أرباح مهمة من زراعة القمح إذا تم توفير تقاوي مرتفعة الإنتاجية وهو ما انتبهت إليه القاهرة مؤخراً، مع أهمية التوسع في استصلاح أراض جديدة في مناطق قريبة من دلتا النيل والمحافظات الشمالية، وعدم الاتجاه جنوبًا لزيادة التكاليف وقلة الإنتاجية نتيجة لارتفاع درجات الحرارة.

وأشار إلى أن الأمل في التوسعات الزراعية وليس الأراضي القديمة التي يتجه فيها الفلاحون إلى زراعة محاصيل تستخدم كغذاء للمواشي التي تدر عليهم دخلا يوميا، وقد أقرت الحكومة سابقا الاتجاه نحو زراعة المحاصيل الإستراتيجية في أيّ توسعات جديدة قبل التوجهات الأخيرة التي تعبر عن نقاشات وليس سياسات يتم تنفيذها.

5.1 مليار دولار، قيمة الصادرات الزراعية المصنعة وبات إجمالي قيمة الصادرات الزراعية الطازجة والمصنعة نحو 9 مليارات دولار

وتواجه المحاصيل التصديرية معضلة تكمن في رغبة المستوردين شراء المحاصيل بقيمة أسعارها المحلية بالتالي لا تحقق الأرباح المأمولة مع تراجع قيمة العملة المحلية.

وأكد وزير الزراعة المصري السيد القصير أن الصادرات الزراعية الطازجة حققت طفرة غير مسبوقة خلال العام الماضي، وصلت إلى 7.4 مليون طن، بزيادة نحو مليون طن عن العام الأسبق، بقيمة إجمالية بلغت 3.7 مليار دولار، وهو رقم لم يتحقق في تاريخ الصادرات الزراعية المصرية.

كما بلغت قيمة الصادرات الزراعية المصنعة 5.1 مليار دولار، وأصبح إجمالي قيمة الصادرات الزراعية الطازجة والمصنعة نحو 9 مليارات دولار.

وذكر نادر نورالدين، وهو أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، أن المحاصيل التصديرية لا تحقق الهدف السياسي المأمول، لأن المواطنين لا بد أن يشعروا بحجم الإنجاز الذي تحاول الدولة تحقيقه عبر التوسع في استصلاح أراض زراعية جديدة.

وطالب في حديثه لـ”العرب” الحكومة بالاتجاه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من العدس مثلاً الذي هو في حاجة إلى 80 ألف فدان، والفول الذي يشكل قيمة غذائية للمصريين عبر زراعة نصف مليون فدان بدلاً من استيراد 80 في المئة من إجمالي احتياجات المصريين، وزيادة ربع مليون فدان من بنجر السكر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر، وهي خطوات يمكن تنفيذها وتؤدي إلى عوائد اقتصادية وسياسية مهمة.

ويقول متابعون إن البعد السياسي من الضروري أن يكون حاضراً في التصورات الزراعية المستقبلية، مع الاتجاه إلى زيادة الرقعة الزراعية، وإن شعور المواطنين بنتائج المشروعات التنموية يمكن أن يخلق حالة إيجابية تدعم الحكومة أكثر مما تجنيه من الحصول على مليارات الدولارات ثم يتم توجيهها إلى الاستيراد لأن محصول القمح يدخل في غالبية أنواع الغذاء عند المصريين، ويشكل أولوية على زراعات نباتية وفواكه لا تسد الاحتياجات المتصاعدة لأكثر من 105 ملايين مواطن.

وتخطط الحكومة لإضافة 4 ملايين فدان جديدة للرقعة الزراعية، بما يمثل حوالي 45 في المئة من الرقعة الحالية، وتسعى للتوسع الأفقي لزيادة مساحة المحاصيل.

العرب