إذا كانت إسرائيل لا تريد حكم حماسستان او فتحستان ، ولا تريد مجرد التفكير بشيء اسمه الدولة الفلسطينية ، ولا تريد إدارة مستقلة مدنيا وأمنيا لغزة، وتحت أي غطاء كان، فإنها لم تستبق شيئا سوى الحكم العسكري المباشر، أو غير المباشر ، والذي يستدعي بدوره إقامة لجان تنسيق مدنية لتنظيم إعادة توزيع السكان على المناطق الأمنية التي يهندسها الاحتلال وعلى أساسها ستقدم المساعدات والخدمات التي دونها الموت ، ومع الوقت تفتح أبواب الهجرة ، والاستيطان ، لأن ما حصل من خراب شامل لغزة وعمرانها وبنيتها التحتية وخاصة المشافي والمدارس والمساكن ناهيك عن الماء والكهرباء ومصادر الدخل تتطلب نحو ثلاث خطط خمسية ، وأسهل الحلول هو فتح أبواب الهجرة بحرا ، ومن دون ضجة ، أي تسرب تدريجي لا يبدو عليه فعل القسر، وليرحل من يرحل ، وليبقى من يتعايش مع الأوضاع التي لا تطاق ، ومع الوقت يصبح الأمر الواقع واقعا آخر !
السيناريو أعلاه هو طموح إسرائيلي لاجتثاث الكيانية الفلسطينية وحرمانها من إقليمها الذي هو موطنها ومسقط رأسها ، وهو ما تجمع عليه حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والأثنوغرافيا ، وتعترف بها شرائع الأمم وقوانينها وهيئاتها!
الخطة الأمريكية
أمريكا تتفق مع إسرائيل على إقصاء حماس من غزة ، وتتفق معها على جعل غزة منزوعة السلاح ، وأخذت تتفق معها على استبعاد عباس وحماس وإلى الأبد ، لكنها لا تريد فراغا لا يملي عيون المحدقين، ولو شكليا ، تريد جسرا ما ، يكون طيعا لتحقيق كل ما ترغب به إسرائيل في وقت لاحق ، إنها تعتب على إسرائيل لفوريتها واندفاعها الحاد نحو الهدف، أمريكا تبحث وتتدبر وتفكر معها ولها، وتغطي على انكشاف مخالفاتها الصريحة للقانون الدولي، وفضائح جرائمها التي تنسحب عليها، وتجعلها طرفا وشريكا لا مصداقية لديه .
أمريكا تقترح توريط الأطراف العربية لتكون الكوبري نحو إسرائيل الكبرى غير المعلنة من النهر إلى البحر ، بمشاريع واستثمارات مشتركة ، وبإدارات ذاتية تحت السيطرة العسكرية والأمنية الإسرائيلية ، السيناريو الأمريكي يطرح صفقة إقليمية تدخل بها لبنان طرفا حيث ترسيم الحدود البرية وتكتيف حزب الله وإبعاده إلى ما بعد نهر الليطاني ، أمريكا تريد حلفا عربيا إسرائيليا تذوب في أكنافه النزعة الكيانية الفلسطينية، عندما تفتح أمام أهل الضفة والقطاع سبل المال والأعمال ، وعندما تتوفر طرق خلاقة لتوطين اللاجئين وإلى الأبد !
الحليف الأول
طيلة فترة الحرب الإسرائيلية على غزة لعبت أمريكا أدوارا مركبة لنصرة إسرائيل، تجمع بين الضامن والوكيل والكفيل والوسيط، هذا إضافة الى كونها الممول والشريك والحليف الأول، على قاعدة ضمان أمن إسرائيل والاستثمار بمشروعها كمصلحة أمريكية حيوية واستراتيجية لا غنى عنها.
مع إسرائيل كل الموانع الأمريكية تهون، وهي تحاول ضبط إيقاع العزف الإسرائيلي كي لا يكون منفردا، وبرهنت دبلوماسية بلينكن على قابلية فذة في المماطلة والإنكار وتجريد الوقائع من معانيها، ومن الملفت ابتعاد الإدارة عن الوضوح في طرح أفكارها مع أن عبارة الوضوح من أكثر العبارات التي يتداولها ممثلو الخارجية والبنتاغون والبيت الأبيض أثناء إحاطاتهم شبه اليومية.
إشباع حاجات إسرائيل العسكرية والأمنية والمالية والمخابراتية والدبلوماسية أمر مفروغ منه ، وأكثر من ذلك تكتيف المضاعفات والتباري في تلبية أي طلبات لاسيما وأن الموسم الانتخابي على الأبواب ، فالنواب الجمهوريون يزايدون، والديمقراطيون ينفون عن أنفسهم التقصير في نصرة المدللة إسرائيل حتى لو كان دلالها مكلفا وعبئا، بلينكن وأوستن يتعرضان للوم والتأنيب من الجمهوريين أثناء جلسة الاستجواب في لجنتي الخارجية والدفاع التابعتين للكونغرس، لأن إيقاع استجاباتهم للمطالب الإسرائيلية كان بطيئا، وإمعانا من الجمهوريين في مناكدة الديمقراطيين يلح رئيس مجلس النواب الجمهوري ، مايك جونسن ، على استضافة نتنياهو لإلقاء كلمة في المجلس، ليثقل بها أحمال بايدن الانتخابية !
هل هناك سيناريو عربي؟
أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أستعجب !
عندما تسمع وتقرأ بيانات النظام الرسمي العربي والمعلنة للاستهلاك المحلي ، كبيانات القمم العربية وبيانات الجامعة العربية واجتماعات وزراء الخارجية العرب ، تجد فيها الكثير مما تتطلع إليه الأغلبية الساحقة من أصوات الذين لا صوت لهم من الجمهور العربي ككسر الحصار المفروض على غزة ، ومعاقبة الكيان الصهيوني على جرائمه ، وعدم التطبيع معه إلا إذا إنصاع للقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، وتعامل إيجابيا وعمليا مع مبادرة السلام العربية ، وهذه بمجملها تشكل إجماع الحد الأدنى الذي أفرزته موازين القوى الإقليمية والدولية ، لكن شواهد الممارسة العملية تناقض ما يعلنون عنه ، فلا الحصار كسر ، ولا عوقب الكيان الصهيوني على جرائمه ، بالمقاطعة مثلا ، بل نشهد هرولة من أصحاب تلك البيانات للتطبيع المجاني ، وهذا ما يعزز الاعتقاد القائل بأنهم لا يملكون إرادتهم ، لأن ما يفعلونه يضر بمكانتهم فهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر!
وعلى هذه الحالة ينطبق المثل الشعبي أعلاه، فالمجرور حد الانصياع للانجرار لما دار ويدور من تطورات حافلة بالعدوان والتنكر والإجرام والاستهتار بدماء ومشاعر ومصالح الشعوب العربية، إما يعيش حالة انفصام، أو فقدان الإرادة ، وعليه ليس لمثل هكذا نظام سيناريو يرد به على التحديات المحدقة بما يفترض أن يمثله ، والأدهى أن البعض في هذا النظام الرسمي يُعين الغطرسة الصهيوأمريكية بما يؤهلها للتغول !
السيناريو الوحيد الذي يجيده هو السيناريو الأمني الذي يضمن استمراره، وزراء الداخلية ورؤساء أجهزة المخابرات لدول هذا النظام الرسمي العربي هم الأكثر اتساقا وانسجاما وإنتاجا من بين كل الأجهزة الرسمية !
في الصالات المغلقة تتعاشق أجهزة مخابرات التطبيع بسيناريو التوافق مع السي أي إيه والموساد والشاباك لحسم الوضع في غزة ليكون يومها التالي بأيادي منزوعة السلاح ترفع الحرج عن الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر بحكم طرف فلسطيني ثالث يميز نفسه عن حكم حماس وعباس ، وليكن ببعض مما لدى ماجد علي فرج أو دحلان او بجوقة من العربان !
سيناريو المقاومة
المقاومة الفلسطينية هي الطرف الوحيد الذي يملك مشروعا وطنيا مغايرا للخضوع والانجرار ، في غزة وحاضنتها الشعبية الفدائية حيث سيناريو الصمود والتصدي لكسر إرادة الاحتلال وإكراهه على الانسحاب ووقف العدوان ورفع الحصار لتكون غزة مفتاح الدولة الفلسطينية السيدة وكاملة الاستقلال، والقابلة للحياة بضفتها وعاصمتها التاريخية، القدس ، بدعم وإسناد من كل أحرار العرب والعالم !