من هو الرئيس الأميركي الذي قد يشكّل خطراً على مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟ الرئيس جو بايدن بكل تعثراته التي قد يقرؤها المنافسون، أم الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي سبق له أن قدّم نموذجاً عن رؤيته لطبيعة العلاقة مع الحلف؟ وهل كان تعثّر بايدن في مناظرته أمام ترمب مفاجئاً، سواء للأميركيين أو للحلفاء؛ ما قلب كل التوقعات التي كانت تراهن على إمكانية عودة الشيخ إلى صباه؟
فقد حفلت الصحافة الأميركية بكثير من التعليقات الجادة، التي حاولت الحفاظ على رصانتها في توجيه النقد إلى الرئيس الأميركي. وأشارت في غالبيتها بصورة واضحة إلى أن «مشكلات» بايدن ليست جديدة، وإنما هي مستمرة منذ الانتخابات السابقة، التي لم يكن ليفوز فيها، إلّا بسبب إجماع الناخبين الأميركيين على رفض التجديد لترمب.
عجز عن التغيير واستقطاب حاد
وفي ظل استقطاب سياسي شديد، ونجاح ترمب في القبض على الحزب الجمهوري، بدا الحزب الديمقراطي عاجزاً عن إيجاد شخصية قادرة على عدم تكرار هزيمة هيلاري كلينتون عام 2016، بعدما أحجم ناخبو بيرني ساندرز عن التصويت لها. وهو اليوم أكثر عجزاً للمخاطرة بالدعوة صراحة إلى استبدال بايدن، خصوصاً أن التمسك به وبترمب لتكرار منازلتهما في انتخابات هذا العام، لا يعكس فقط مزاجاً شخصياً، بل يكشف عن أزمة عميقة لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وعن تداعيات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة وموقعها القيادي في العالم.
كان من المقرر أن يتوجه العشرات من الزعماء الأجانب إلى واشنطن الأسبوع المقبل، لإظهار وحدة «الناتو»، والاحتفال بالإنجازات التي حقّقها بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن أداء بايدن المتعثر أثار مخاوف جديدة بين الحلفاء القلقين، وجعلهم يستعدون لاحتمال عودة ترمب إلى سدة الرئاسة.
كابوس قمة «الناتو»
وبعدما كان البيت الأبيض يتوقع أن يُظهر قيادة بايدن العالمية ويحقق انتصاراً في السياسة الخارجية، قبل أقل من أسبوع على انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، الذي سيثبت ترشيح ترمب وتسمية نائبه؛ تحول الحدث إلى «كابوس».
وعلى الرغم من أن جدول أعمال القمة لا يزال يركّز على دعم أوكرانيا وطريقها نحو عضويتها في الحلف، فضلاً عن وحدة التحالف وتقاسم الأعباء والتحديث؛ فإن فريق الرئيس بايدن بات منشغلاً بكيفية وضع برنامج عمل وجدول زمني للجلسات الثنائية مع الرؤساء يناسب قدراته الجسدية. فتعثراته في المناظرة أدت إلى تضخيم المخاوف القائمة، التي يتقاسمها كثير من أعضاء التحالف، من أن حملة إعادة انتخاب بايدن في مأزق، وأنهم قد يكونون أمام خطر أربع سنوات جديدة من العلاقة المضطربة مع ترمب، الذي لطالما وجّه الانتقادات إلى الحلف وزعمائه، وأشاد بخصومه، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبات السؤال الرئيسي هو ما إذا كان بايدن، بصفته أهم زعيم لحلف شمال الأطلسي، سيكون قادراً على التفاعل مع جدول أعمال مكثف في حدث يستمر ثلاثة أيام، ويمكن لأي خطأ أن يؤدي إلى تدميره سياسياً، بعدما اشترط بأن نشاطه اليومي سيتوقف عند الساعة الثامنة مساء، ليتمكن من الحصول على ساعات نوم أطول!
قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، في مقابلة مع «وكالة الأنباء الألمانية»، نُشرت الجمعة، إنه يأمل في تمكّن أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف خلال العقد المقبل. وذكر في إجابة عن سؤال بشأن التوسع المحتمل لـ«الناتو» خلال السنوات العشر المقبلة: «آمل بشدة أن تكون أوكرانيا حليفة»، مشدداً على عمله لتحقيق هذا خلال فترته.
وتمثّل تصريحات ستولتنبرغ قبل القمة في واشنطن اصطفافاً مع حلفائه الذين يعتمدون على تقدم سريع لقبول عضوية أوكرانيا، التي تمت الموافقة عليها
من حيث المبدأ في 2008، وعلى الرغم من ذلك تُعد المسألة مثيرة للجدل داخل «الناتو»، إذ ليس هناك إطار زمني للسماح لأوكرانيا بالانضمام وليست هناك دعوة رسمية.
فرصة لتقييم بايدن
ونقلت صحف أميركية عدة عن مسؤولين في إدارة بايدن قولهم، إنه لم يكن هناك تفكير في الحد من ظهور الرئيس في القمة، وأشاروا إلى أنه تم الآن تحديد موعد محدد لعقد مؤتمر صحافي منفرد تم التخطيط له بشأن مسودات جدول الأعمال المبكرة.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول كبير من إحدى دول «الناتو» قوله، إن القمة لحظة مرحب بها لتقييم بايدن شخصياً ووضع الخطط وفقاً لذلك. وقال هذا المسؤول إن القادة سيراقبون سلوك الرئيس في جميع تعاملاتهم معه؛ في القمة نفسها، وفي حفل الاستقبال، وفي عشاء الأربعاء للقادة وأزواجهم، وخلال الجلسات الفردية.
ويرى البعض أنه في حين أن قمة «الناتو»، التي تُقام في الذكرى الـ75 لتأسيسه، وتهدف إلى إظهار القوة لمنافسيه، فإن الأسئلة حول صحة بايدن شكّلت بالفعل إلهاء كبيراً يمكن أن يقوّض أهداف القمة، فضلاً عن إثارتها أسئلة حول مستقبل الحزب الديمقراطي.
وعلى الرغم من رفض البيت الأبيض النقاش حول صحة الرئيس، وعدّه المناظرة بأنها كانت «ليلة سيئة»، مدافعاً عن إنجازاته السياسية الداخلية على مدى السنوات الثلاث الماضية، ركز هذا الأسبوع اهتمامه على ما يعدّه نجاحات «الناتو» خلال فترة ولاية بايدن، مثل الوحدة والدعم لأوكرانيا وانضمام السويد وفنلندا.
وقالت كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، يوم الأربعاء: «لقد أصبح (الناتو) أقوى، واكتسب دولتين أخريين بسبب قيادة هذا الرئيس». ودافعت بقوة عن حدته العقلية وقدرته على التحمل الجسدي، مشيرة إلى أن الزعماء الأجانب، الذين «رأوا الرئيس شخصياً عن قرب على مدى السنوات الثلاث الماضية، وتحدثوا معه أشادوا بقيادته… لقد كانوا فخورين برؤيته رئيساً للولايات المتحدة بعد ما مرّوا به في الإدارة الأخيرة». وأشارت جان بيير إلى أن المستشار الألماني أولاف شولتس أشاد ببايدن ووصفه بأنه «أحد أكثر السياسيين خبرة في العالم. ورجل يعرف بالضبط ما يريده»، في مقابلة على هامش اجتماع مجموعة السبع الشهر الماضي في إيطاليا.
التواصل مع فريق ترمب
لكن وعلى الرغم من تطمينات البيت الأبيض، فقد تحدثت التقارير أخيراً عن مبادرة كثير من دول «الناتو»، حتى من قبل مناظرة الأسبوع الماضي، للتحوط في رهاناتها على مَن سيشغل سدة الرئاسة الأميركية في الخريف المقبل. وعلى مدار أشهر، انخرط المسؤولون والسفارات في جهود محمومة لبناء علاقات مع شخصيات من دائرة ترمب، يُعتقد أنهم قد يلعبون دوراً محتملاً في فريق سياسته الخارجية، للحصول على تقييمات حول وضعية الولايات المتحدة في العالم.
وقال جيمس تاونسند، المسؤول السابق في «البنتاغون» للسياسة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي، خلال ندوة للمجلس الأطلسي، إن كثيراً من الموظفين الغربيين في القمة سيلتقون ويجمعون الملاحظات، في محاولة لمعرفة حقيقة تهديدات ترمب ووعوده. وقال: «هل سيأخذون تهديداته حرفياً أم سيتعاملون معه كحبة ملح؟ بصراحة… إذا جرى انتخابه، وإذا عاد إلى البيت الأبيض، فعلينا فقط أن نرى إلى أين سيذهب».