كيف يمكن تفسير الرعاية الأمريكية عسكريا واقتصاديا وسياسيا للمشروع الصهيونى الراهن خصوصا بعد هجوم حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر الماضى؟ وكيف يمكن فهم انزعاج الإدارة الأمريكية بما فيها الكونجرس من استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد الشعب الفلسطينى الأعزل دون تحقيق انتصار إسرائيلى يعتد به؟ لقد شاهدت الفترة من 7 أكتوبر حتى الآن أكبر عدد من الزيارات الرسمية للمسئولين الأمريكيين لإسرائيل وزيارات المسئولين الإسرائيليين لواشنطن بصورة لم تحدث من قبل فى أى علاقة بين دولتين، على الرغم من التأكيد الأمريكى بصورة شبه يومية على الالتزام بأمن إسرائيل، وكأن الشعب الفلسطينى المحاصر والأعزل والذى تمارس إسرائيل ضده حرب تجويع ربما تكون الوحيدة التى وقعت فى التاريخ الحديث، يملك قنابل ذرية أو يستخدم أسلحة تدمير شامل ضد الكيان الصهيونى. شهدت هذه الفترة أكبر عملية تحويل للأموال الأمريكية والأسلحة المدمرة والذخائر الحديثة إلى إسرائيل، وهى كلها من حصيلة الضرائب التى يدفعها المواطن الأمريكى، وتستخدم بعلم ومعرفة الجميع لقتل الفلسطينيين وتصفيتهم وإجبارهم على ترك أراضيهم وممتلكاتهم.
وفوق كل ذلك، يهدد الكونجرس قضاة محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية بعدم المساس بأى مسئول إسرائيلى مهما كانت جرائمه ضد الإنسانية. بل ويدعو الكونجرس رئيس الوزراء الإسرائيلى لإلقاء خطاب أمام الكونجرس بمجلسيه، هل يعود ذلك إلى سجله النقى فى حقوق الإنسان، أو وقفه للتوسع فى الضفة الغربية على حساب الفلسطينيين أو لقيادته حكومة رشيدة لا تضم وزراء إرهابيين بالمقاييس الغربية مثل بن غفير وسموترتيش؟ أو أنه مثال للنزاهة والشفافية وليس الفساد المطلق؟ أو نجاحه فى مواجهة حماس التى تحارب إسرائيل من داخل أنفاق من تحت الأرض؟
فما هو سر هذا التحالف العضوى الاستثنائى فى تاريخ العلاقات بين الدول؟ ربما يكون التماثل بين الدولتين فى عملية النشأة فقد أنشئت الولايات المتحدة على حساب حياة وأرواح وأملاك السكان الأصليين الذين تمت إبادتهم أو انزواؤهم على قمم جبال معزولة، وهو ما تحاوله إسرائيل ضد الفلسطينيين، وربما المصالح المشتركة، فلولا وجود إسرائيل لما وجدت القوات العسكرية الأمريكية فى شرق المتوسط، وفى شمال سوريا وفى البحر الأحمر وبحر العرب. وقد يكون الهوس الدينى والتفسيرات المعوجة لنصوص فى التوراة والإنجيل تتعلق بعودة المسيح إلى أرض إسرائيل.
وهكذا تدين المسيحية الصهيونية بالولاء لإسرائيل لأنها ستستقبل المسيح عليه السلام، وبصرف النظر عن مبررات المحور الاستراتيجى بين الدولتين، فإنه يأتى على حساب الفلسطينيين وبقية العرب.
• • •
سوف تظل العلاقات الإسرائيلية الأمريكية والتى تمثل محور الشر فى الشرق الأوسط كله نموذجا فريدا فى قدرة دولة صغيرة غازية واستعمارية على توظيف قدرات أكبر وأقوى دولة فى النظام الدولى لتحقيق مشروعها الصهيونى التوسعى العنصرى على حساب الفلسطينيين والعرب. والملفت للنظر حقا أن هذا المحور وصانعيه لا يشعرون بالخجل من خرق حقوق الإنسان أو قواعد وأسس القانون الدولى أو اتفاقيات جنيف المتعلقة بحقوق وواجبات المتحاربين، ومما يساعد على قوة وبقاء هذا المحور، نشاط المنظمات الصهيونية مثل الأيباك. داخل الولايات المتحدة، واستخدام كل من الإعلام والمال لتهديد أو إغراء أعضاء الكونجرس أو المرشحين المحتملين بما فى ذلك مرشحو الرئاسة، وسوف نرى فى المناظرة القادمة بين ترامب وبايدن مدى التنافس البغيض لمساندة المشروع الصهيونى فى فلسطين، والإفراط فى الالتزام بأمن إسرائيل، هذا فضلا عن عمليات الابتزاز السياسى التى يتعرض لها المناوءون لإسرائيل بما فيهم اليهود الليبراليون سواء فى الجامعات أو الفنون أو الثقافة، أو حتى داخل مؤسسات الحكم.
• • •
لقد أنتج هذا الابتزاز حالة من الخوف الدفين لدى الشعب الأمريكى وكثير من مؤسساته الحريصة على سمعة ومستقبل الولايات المتحدة فى الخارج، وهو الذى يحد من القدرة على رسم سياسات رشيدة تليق بالدولة الأكبر فى النظام الدولى. والمسئولة – طبقا لكافة النظريات – عن الحفاظ على قيم هذا النظام ضمانا لاستمراره وديمومته، وإلا انهار معه الدور العالمى لواشنطن.
لا شك أن استراتيجية محور الشر: تل أبيب واشنطن، تقوم على تصعيد الصراع فى الشرق الأوسط، سواء الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والحرب المحتملة الإسرائيلية ضد حزب الله ولبنان، أو التصعيد فى سوريا، وفى اليمن ومع إيران، اشتعال الحروب فى المنطقة يخدم مصالح الطرفين، فمن ناحية يمنح المتطرفين الإسرائيليين فرصة للتوسع فى استعمار فلسطين بكاملها تحقيقا لعقيدة إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر، وتمنح الولايات المتحدة فرصة دائمة لاستمرار التواجد العسكرى فى شرق المتوسط والخليج والبحار العربية درءًا للوجود الصينى أو الروسى المحتمل. يضاف إلى ذلك أن استمرار الحروب وتوظيف الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«جبهة النصرة» ربيبة الغرب يزيد من الطلب الخليجى على السلاح الأمريكى. هذه الصراعات إذن تغذى التحالف العسكرى الصناعى الأمريكى، وليس من المستغرب أن يكون الخليج الإقليم الأول فى استيراد الأسلحة، وأن تحتل الولايات المتحدة قائمة الدول المصدرة للسلاح بنسبة تناهز 67% من إجمالى التجارة الدولية للسلاح.
محور الشر تل أبيب – واشنطن سيستمر طالما بقى النظام الدولى الراهن على ما هو عليه، ولاسيما أن الولايات المتحدة نجحت فى توريط روسيا فى حرب استنزاف لا نهاية لها فى أوكرانيا، وتشغل الصين بمدى سيطرتها على بحر الصين والجنوبى وما إذا كانت ستتخذ تدابير ما لضم تايوان إلى أرض الصين الأم، إسرائيل بتكوينها العنصرى والإقصائى الدينى التوسعى تستفيد بلا شك من تأجيل إعادة تشكيل النظام الدولى بصورة تدفع إلى نظام جديد يسوده نوع من العدل والاستقرار، ومع ذلك فإن محور الشر هذا يقود المنطقة وربما العالم إلى مواجهات لا تحمد عقباها.
فالتصعيد ضد إيران، والنية الإسرائيلية المستقرة لشن حرب على لبنان وحزب الله والوجود العسكرى الأمريكى المكثف فى الخليج والبحر العربى والبحر الأحمر يمكن أن يستفز دول كبرى أخرى تبحث عن تواجد استراتيجى فى المنطقة بصورة يمكن أن تنبئ بمواجهات مدمرة على حساب الأمة العربية صاحبة المصلحة فى الاستقرار والسلام بل والتعاون الإقليمى.