أضافت الصين مضائق البيرنج وديميتري لابتيف وفيليكيتسكي وكارا إلى قائمة ممراتها البحرية الأسبوع الماضي، في قرار أعطي بعض الإشارات عن الاهتمام الصيني في وجهة كانت في وقت ما غير محتملة وهي ممر الشمال الشرقي.
وتعد المضائق الأربعة نقاطاً رئيسة على طول الساحل القطبي الشمالي لروسيا بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، حيث بدأت السفن الصينية باستخدام هذا المسار الذي كان يعرف بثلوجه الكثيفة، لكن في وقت يطيل الاحتباس الحراري موسم الصيف يتفكك الجليد وتصبح الملاحة ممكنة، وتبدو روسيا حريصة اليوم على الترويج لهذا الطريق كمنطقة يمكن فيها للمحور السياسي الجديد الممثل روسيا والصين الهرب من القيود الأميركية.
وتخدم الخطط أهداف “روزاتوم”، وهي الشركة النووية الروسية الحكومية التي تشرف على الممر وأسطولها من كسارات الجليد المزودة بالطاقة النووية، لزيادة التجارة عبر الساحل الشمالي لروسيا بمعدل 10 أضعاف خلال العقد المقبل، وهذا يعتمد على جعل المسار جاذباً للسفن الشحن الصينية والناقلات، كون الصين هي أكبر دولة تجارية في العالم.
ومن الجانب الصيني تتطلع بكين لتحقيق التطلعات الروسية بعيداً من القيود الأميركية التي تحاصر تجارتها، وقال المحلل في سياسات الصين تجاه منطقة القطب الشمالي في معاهد “شنغهاي للدراسات الدولية” زهاو لونغ لصحيفة “تايمز” إن الصين “تعد هذا جزءاً من إنشاء مشترك لطريق الحرير الجليدي لإنشاء ممر اقتصادي أزرق يربط سوقي الصين وأوروبا”.
ومع انفتاح العالم على التجارة في القرن الـ 16 أصبح اكتشاف ممر الشمال الشرقي ونظيره الغربي فوق القارة الأميركية بحثاً للمغامرين الذين كانت جهودهم غالباً ما تمول من التجار الذين يهتمون بالمنتجات الصينية والآسيوية الأخرى، وما وجدوه هو أن طول الطريق كان صالحاً للملاحة لبضعة أسابيع قصيرة على الأكثر، ومع ذلك جعل الاتحاد السوفياتي التجارة الشمالية هدفاً مرموقاً، وحتى يومنا هذا تعد روسيا الدولة الوحيدة التي تنشر كاسحات الجليد العاملة بالطاقة النووية.
وبإمكان روسيا نظرياً شق طريق عبر الجليد في أي وقت من العام ومرافقة سفن الشحن، لكن من الناحية العملية لا يزال الطريق مفتوحاً فقط للملاحة العملية لسفن الحاويات خلال ذروة الصيف، ولايزال المسار محجوباً بالجليد خلال أشهر الشتاء، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك خلال العقود القليلة المقبلة حتى مع الاحتباس الحراري العالمي.
ويُعتقد الآن أن الصين التي تهتم بكل من المناطق القطبية بسبب التجارة واستخراج الموارد لديها برامج خاصة بها لبناء كسارات جليد نووية، واحدة في شنغهاي والأخرى في هاربين شمال البلاد، وهي مركز معروف للبحوث العلمية العسكرية والمدنية على حد سواء.
طريق القطب الشمالي
وبطبيعة الحال يشكل طريق القطب الشمالي أهمية خاصة للتجارة بين الصين وشمال روسيا، لكن حتى بالنسبة إلى التجارة بين الصين وأوروبا فهي أقصر من الناحية النظرية، إذ تقلل المسافة من شنغهاي إلى روتردام بمقدار الربع، مقارنة بالطريق جنوباً عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
وبالقدر نفسه من الأهمية فإن الطريق يزيل مجموعة من الأخطار المحتملة بعدما انخفضت حركة المرور في قناة السويس إلى النصف خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر، على رغم أن المسلحين وعدوا بعدم استهداف السفن القادمة من الصين، الحليف الإستراتيجي لإيران الداعمة لهم.
ويوفر الطريق البحري الشمالي بديلاً عن الطرق البحرية التي تتمتع فيها البحرية الأميركية الضخمة بوجود كبير مثل مضيق ملقا قبالة جنوب شرق آسيا، لذا ترى روسيا أن الصين شريك طبيعي لتطوير المسار، وعلى رغم طموحات موسكو فإن 80 سفينة فقط مرت عبر المسار العام الماضي، مقارنة بـ 26 ألف سفينة عبر قناة السويس.
طموح روسي
وفي عام 2022 وقبل اندلاع حرب غزة التي أثارت هجمات الحوثيين على الشحنات الغربية، مرت 1.27 مليار طن من البضائع عبر السويس في مقابل 36 مليون طن عبر مسار البحر الشمالي، وترغب موسكو في زيادة ذلك إلى 127 مليون طن بحلول عام 2035، وهو هدف طموح للغاية يعتمد إلى حد كبير على الصين، وعندما التقى بوتين شي في بكين خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023، رافقه نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك الذي كان مكلفاً بتعزيز مسار البحر الشمالي في بكين.
وكانت سفينة حاويات صينية أول سفينة شحن تجارية تعبر مسار البحر الشمالي من البداية إلى النهاية عام 2013، إذ ترى موسكو أنه لا يوجد سبب لمنع ذلك من أن يكون بداية لاتجاه.
ومنذ حرب أوكرانيا أصبحت روسيا معتمدة بصورة كبيرة على الدعم الدبلوماسي من الصين التي تعلن الحياد، ولكنها اتهمت الغرب وحلف الـ “ناتو” بإثارة بوتين.
وتجاهلت الصين أيضاً الغرب من خلال شراء الغاز والنفط الروسيين وبيع قطع الغيار والإلكترونيات لصناعتها العسكرية، لكنها تدرك أيضاً أن روسيا كانت خلال العقود الأخيرة منافساً بقدر ما كانت صديقة، وتعد صناعة الكسارات الجليدية النووية، وهي صناعة متخصصة للغاية، مثالاً على ذلك، فقبل خمسة أعوام دعت روسيا الصين إلى المشاركة في تطوير جيل جديد من الكسارات الجليدية وهي على علم كامل بأن التكنولوجيا هي نفسها التي تشغل حاملات الطائرات النووية، وبعد عامين جرى سحب الدعوة فجأة.
وبينما ترغب روسيا في الحصول على دعم صيني جيوسياسي فهي ترغب أيضاً في أن تكون الشريك المسيطر في المناطق التي تعتبرها باكورتها مثل القطب الشمالي.
وكتبت المسؤولة السابقة في الدفاع الأسترالي إليزابيث بيوكانان عبر ورقة بحثية حول إستراتيجية الصين في القطب الشمالي لـ “معهد الخدمات الملكية المتحدة” أن ” العلاقات القطبية الصينية – الروسية ستظل متوقعة إلى حد كبير، وستظل العلاقات مفيدة بالتبادل حتى لو لم تكن”.
الصين وتجنب معاداة الغرب
فيما قال الباحث الصيني زهاو لونغ إنه في حين تظهر بكين علناً حماسة لمواجهة سياسة العقوبات الغربية إلا أنها لا ترغب في أن تحاصر في موقف معاد للغرب ضمن العلاقات التجارية طويلة الأمد، مضيفاً أن “شراكة عميقة جداً في مسار البحر الشمالي ستزيد بهذه الصورة”. وتابع “تعارض الحكومة الصينية بشدة أي نوع من العقوبات الأحادية، لكن الشركات الصينية تظل حذرة للغاية عند المشاركة في التعاون مع روسيا في مجال الطاقة والشحن في القطب الشمالي لتجنب انتهاك العقوبات ذات الصلة”.