صراع على المناصب يشعل توترا عرقيا وحزبيا في نينوى

صراع على المناصب يشعل توترا عرقيا وحزبيا في نينوى

الأزمة القائمة في محافظة نينوى بشمال العراق بسبب الخلافات على المناصب الإدارية في عدد من الأقضية والنواحي كشفت مجدّدا هشاشة الوضع الذي تعيشه المحافظة التي لم تتجاوز بعد مخلفات حقبة داعش ودمارها الكبير، ومازالت تشهد صراعات عرقية زادها تعقيدا دخول قوى طائفية على خطّها.

الموصل (العراق) – استنجد عبدالقادر الدخيل محافظ نينوى بالنواب عن المحافظة في مجلس النواب العراقي وبالوزراء المتحدرين منها في الحكومة الاتّحادية لوضع حدّ للأزمة المتفاعلة في محافظته والمهدِّدة بشلّ الحكومة المحلية التي تحمل على عاتقها الحفاظ على الاستقرار واستكمال عملية الإعمار الهادفة لتجاوز مخلفات حقبة داعش شديدة الدموية التي مرت بها المحافظة بين سنتي 2014 و2017 ومازالت آثارها وتبعاتها ماثلة في مركزها مدينة الموصل وباقي الأقضية والنواحي.

وفجّرت قوى تابعة للإطار التنسيقي الحاكم في العراق وأخرى متحالفة معها، صراعا جديدا على المناصب الإدارية في نينوى، عندما استخدمت كتلتها في مجلس المحافظة لإدخال تغييرات على الوحدات الإدارية للأقضية والنواحي بإقالة كبار المسؤولين فيها والمنتمين لقوى سياسية بعينها وتعيين آخرين من قوى حليفة.

ومثّل ذلك استئنافا للصراع الدائر في نينوى منذ استعادة الموصل من تنظيم داعش والمنصبّ على بسط السيطرة الأمنية والسياسية والتحكّم في الحركة التجارية والاقتصادية في المحافظة والاستئثار بمشاريع إعادة الإعمار النشطة والمدرّة للأرباح والمكاسب المالية المجزية. وأتاحت الحرب ضدّ داعش للميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي دخول نينوى والتمسّك بالبقاء فيها وتوسيع نشاطها ليتجاوز الجانب الأمني إلى المجال التجاري والاستثماري بفتح مكاتب اقتصادية لها هناك.

ومثّل ذلك أرضية للحشد والقوى السياسية الشيعية لتركيز حضور سياسي وإداري فاعل في الموصل، تؤمّنه في الوقت الحالي كتلة نينوى المستقبل التي تمتلك ستة عشر مقعدا في مجلس المحافظة من مجموع تسعة وعشرين مقعدا، الأمر الذي يؤمّن لها الأغلبية اللاّزمة لتمرير قرارات تصبّ في مصلحتها ومن ذلك تغييرها رؤساء الوحدات الإدارية في أقضية سنجار والبعاج والحضر ومخمور وتلعفر وتلكيف والحمدانية، وفي نواحي الشورة وحمام العليل وبعشيقة والتل والنمرود والقراج والقيارة وبرطلة والشمال والعياضية وزمار ووانة.

وجاءت تلك التغييرات على حساب قوى منافسة لقوى الإطار التنسيقي على رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني، بينما صبّت في المقابل في مصلحة قوى منضوية ضمنه أو حليفة له مثل ائتلاف العقد الوطني الذي يقوده رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض، وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وميليشيا بابليون المسيحية بزعامة ريان الكلداني.

وأثارت تلك التغييرات حفيظة القوى المتضررة منها. وأعلن رئيس كتلة الحزب الديمقراطي في مجلس محافظة نينوى أحمد الشيخ كنعان الكيكي، الثلاثاء، تعليق عضوية الكتلة في مجلس المحافظة. وأرجع ذلك إلى ما سمّاه “الممارسات غير القانونية التي ينتهجها المجلس والتي تعد خرقا فاضحا للقوانين وتطبيقها”.

وقال القيادي في الحزب شيروان الدوبرداني من جهته إنّ إقالة مسؤولي الأقضية والنواحي لم تستند إلى أيّ أساس قانوني، وأشار إلى أن معظم المقالين من المكون العربي ولا ينتمون إلى حزبه فقط. كما أعلن تحالف نينوى الموحدة الذي يمتلك تسعة مقاعد في مجلس المحافظة عن قرار مماثل. وقال على لسان أحمد العبدربه إنّ “أعضاء في المجلس ارتكبوا مخالفة بتعيين وإعفاء رؤساء للوحدات الإدارية في نينوى بمعزل عن الكتل والتحالفات السياسية الأخرى”، معتبرا أن “الطرف الآخر (كتلة نينوى المستقبل) قام بممارسات غير قانونية”.

ولفت العبدربه في تصريحات لوسائل إعلام محلية “أنه جرى تعيين الأشخاص وليس انتخابهم”، وقال إنّ جدول أعمال الجلسة التي صدرت عنها التغييرات الإدارية على رأس الأقضية والنواحي كان يتضمن فقط مناقشة موضوع رؤساء الوحدات الإدارية الشاغرة.

وباتت الحكومة المحلية لنينوى بسبب تلك الانسحابات مهدّدة بالشلل وربما بالتفكّك لتلتحق المحافظة بذلك بكل من محافظة كركوك المجاورة ومحافظة ديالى اللتين لم تنجحا إلى حدّ الآن، وبعد مضي قرابة السبعة أشهر على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، في تشكيل حكومتيهما بسبب صراع القوى السياسية على مناصبهما القيادية. ولتفادي هذا الوضع دعا المحافظ عبدالقادر الدخيل الوزراء وأعضاء مجلس النواب عن نينوى إلى الاجتماع خلال الأسبوع الحالي في مدينة الموصل. وقال في بيان صادر عن مكتبه إنّ “الهدف من الاجتماع هو حل المشاكل العالقة وتغليب المصلحة الوطنية وتجاوز جميع الخلافات السياسية والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة وضمان استمرار عجلة الإعمار”.

كما دعا الدخيل أعضاء مجلس المحافظة إلى عقد جلسة حوارية لإنهاء الخلافات السياسية. وقال في تصريحات صحفية “أدعو جميع أعضاء مجلس نينوى من مختلف الكتل والمكونات السياسية إلى الجلوس إلى طاولة حوار في مبنى محافظة نينوى”، مبيّنا أن “الهدف من هذه الجلسة هو الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف وتعزز التعاون لخدمة المدينة والنهوض بمشاريع الإعمار التي بدأت تتأثر بسبب هذه الصراعات”.

وحذّر المحافظ من أن “الصراعات والمشاكل السياسية الحالية تؤثر سلبا على جهود تقديم الخدمات”، داعيا “جميع أعضاء المجلس والحكومة المحلية إلى الترفع عن الخلافات السياسية والانشغال بمسؤولياتهم الحقيقية التي تتمثل في تحسين حياة المواطنين وتعزيز مشاريع الإعمار والتنمية في نينوى”.

لكنّ دعوة المحافظ أثارت المزيد من الانقسامات بين القوى المتصارعة على المناصب. وأصدر المتحدث باسم تحالف نينوى المستقبل مروان الطائي بيانا عبر فيه عن الاستغراب من تلك الدعوة معتبرا ما تم اتخاذه من قرارات غير قابلة للنقاش كونها صدرت عن مجلس المحافظة المنتخب وكانت ضمن عمله الدستوري. ومما ورد في البيان “نؤكد أن هذه الدعوة تأتي خارج نطاق صلاحيات المحافظ كسلطة تنفيذية، وليس له الحق في التدخل في الأعمال التشريعية والرقابية والمقررات التي يصدرها مجلس محافظة نينوى، الذي أُنتخب أعضاؤه مباشرة من قبل الشعب”.

وورد أيضا أن دور المحافظ يقتصر على “تنفيذ القرارات التي يتخذها مجلس المحافظة والعمل على تحقيق التنمية والخدمات العامة التي يحتاجها المواطنون. وأيّ تدخل في شؤون المجلس يعد انتهاكا واضحا لمبدأ الفصل بين السلطات، ويؤدي إلى إرباك العمل المؤسسي وتعطيل عجلة التطور والإعمار التي نسعى جميعا لتحقيقها”.

كما دعا مصدرو البيان “المحافظ إلى التركيز على دوره التنفيذي والعمل بالتنسيق مع مجلس المحافظة ضمن إطار القوانين والصلاحيات المحددة لكل جهة”، محذرين بالقول “ليكن معلوما أننا كما بدأنا، سنستمر بالدفاع عن حقوق أهل نينوى ولن نتنازل عن المناطق العربية الأصيلة، وأعدنا الحقوق لأهلها وهذا دورنا ولن نساوم أو نتراجع”.

وتحيل الجملة الأخيرة إلى الصراع العربي – الكردي على ضمّ مناطق من محافظة نينوى، وهو ملف مزمن وشائك دخلت على خطه قوى شيعية وأصبحت توظّفه لتركيز موطئ قدم لها في المحافظة تحت يافطة الدفاع عن الحقوق العربية فيها.

وعلى هذه الخلفية حذر محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي القيادي في حزب متحدون من إشعال صراع عربي – كردي جديد في المحافظة. وقال في منشور له على منصّة إكس إنّ “هناك سعيا محموما في نينوى لإثارة صراع بين العرب والأكراد يقوده أحد الفصائل”. وأضاف “لا أحد ينكر أن هناك خلافات سياسية، ولكنها خلافات صغيرة جدا إذا ما قورنت بالحاجة إلى اتفاقات إستراتيجية تضمن سلامة وأمن المواطن والمجتمع”.

ونبّه إلى “خطورة انفلات أمني واسع قد يكون أشد مما كان عام 2014”. ولم يستثن وجود تدخلات خارجية مثيرة لعدم الاستقرار في نينوى، داعيا إلى عدم السماح “بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع بديلة لدول قريبة وبعيدة تكتفي بدعم فصائل مسلحة بالمال والسلاح في ما تتفاوض هي على سلامة أراضيها وأمن شعوبها”.

كما رأى النجيفي في منشوره أنّ “هذا الوقت ليس مناسبا لإثارة الأزمات”، قائلا إنّ “الذين يفرحون لأنهم سحبوا منصبا من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأعطوه للاتحاد الوطني الكردستاني أو لشخص مدعوم من حزب العمال الكردستاني، لن يغيروا شيئا سوى أنهم يزجّون بمحافظتهم في أتون صراع إقليمي لا يدركون عواقبه”.

العرب