طيلة ثلاثة أسابيع قاوم الرئيس الأمريكي جو بايدن سلسلة الضغوط المطالبة بانسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ثم انحنى مؤخراً وأعلن الانسحاب في رسالة إلى الشعب الأمريكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أوصى أن تكون نائبته كمالا هاريس هي مرشحة الحزب الديمقراطي لمواجهة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وإذا كانت الضغوطات قد تزايدت في الأيام الأخيرة وجاءت من بعض أقطاب الحزب الديمقراطي وأعضائه في الكونغرس إلى جانب وسائل الإعلام، فإن أشد الضغوط تأثيراً قد يكون أتى من وضع بايدن الجسدي والذهني حيث تكاثرت عثراته وأخطاؤه وقصوره عن تلبية الوظيفة الأخطر والأكثر حساسية على وجه الأرض. وكانت مظاهر ضعفه قد بلغت ذروة دراماتيكية في أدائه السيئ أمام خصمه ترامب، خلال مناظرة أواخر حزيران/ يونيو الماضي. الأرجح بالتالي أن تحظى تسمية هاريس بزخم متعاظم ومتسارع بالنظر إلى ضيق الوقت قبيل انعقاد المؤتمر الوطني في 19 آب/ أغسطس المقبل.
ولتوّها تتمتع هاريس بمواصفات خاصة في معيار الأسبقية على امتداد التاريخ الأمريكي، فهي أوّل امرأة نائبة للرئيس الأمريكي، والأولى من أصول جامايكية لأبيها وهندية لأمها، وأول امرأة «ملونة» تتولى الادعاء العام في أكبر الولايات الأمريكية تعداداً للسكان، وأول امرأة آسيوية المحتد تُنتخب لعضوية مجلس الشيوخ. وإذا نالت بالفعل ترشيح الحزب الديمقراطي وتمكنت من هزيمة ترامب، فلسوف تصنع سابقة تاريخية كبرى في أنها أول امرأة تترأس للولايات المتحدة.
وخلال سنواتها كنائبة للرئيس الأمريكي أشرفت هاريس على قضايا مثل الهجرة والحدود والإجهاض وإصلاح الأنظمة الانتخابية، ومن غير المستبعد أن تتابع هذه الملفات من موقع الرئاسة. غير مرجح، في المقابل، أن تختلف في السياسة الخارجية عن الخطوط العريضة التي رسمتها إدارة بايدن، بصدد الحلف الأطلسي وأوكرانيا والصين والبيئة، الأمر الذي اتضح خلال مشاركاتها في مؤتمر ميونخ للأمن أو قمة رابطة دول جنوب آسيا أو مؤتمر المناخ في دبي.
وفي المقام الأهم، ليس مرجحاً أيضاً أن تتباين خياراتها بصدد العلاقة الأمريكية ــ الإسرائيلية عموماً، وحرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة خصوصاً، وذلك رغم أنها أعربت عن تقديرات بدت متمايزة قليلاً من حيث التشديد على الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون الفلسطينيون.
ولعلّ ذروة ما ذهبت إليه هاريس كان تصريحها، في آذار/ مارس المنصرم، أنها درست الخرائط، ولا مكان يذهب إليه نحو 1,5 مليون فلسطيني يتواجدون في رفح لأنه طُلب منهم أن يذهبوا إليها، وأنه «من الخطأ الدخول إلى رفح ضمن عملية عسكرية من أي نمط» ولم تستبعد أن تكون هناك «عواقب» من الجانب الأمريكي إذا أقدم الاحتلال على اجتياح المدينة.
وفي كل حال، حين سيعتلي رئيس حكومة الاحتلال سدّة الاجتماع المشترك للكونغرس، سوف تكون هاريس جالسة خلفه مباشرة، وهذه علامة تتجاوز الرمز إلى تأكيد حقيقة قديمة بأنّ أي تغيير ملموس لن يرى النور تحت شمس أمريكا الراهنة.