أنشأت القوات الروسية قاعدة عسكرية في عين العرب “كوباني باللغة الكوردية”، وهي المنطقة الأكثر أهمية في شمالي شرقي سوريا، ومتاخمة للحدود مع تركيا.. عين العرب التي لم يتمكن تنظيم داعش الإرهابي من احتلالها رغم حصارها عدة أشهر، أعلن مركز المصالحة السوري الروسي أن عالقوات الروسية بالتعاون مع قوات النظام السوري أنشأت قاعدة عسكرية في كوباني بريف حلب الشرقي.
وقال الكولونيل أوليغ إغناسيوك، نائب مدير مركز المصالحة الروسي، في بيان، إن “القوات المسلحة لروسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية استكملت إنشاء قاعدة كوباني في المنطقة القريبة من الحدود السورية التركية”. وذكرت وكالة تاس الروسية للأنباء أن الغرض من القاعدة العسكرية هو “مراقبة نظام وقف العمليات القتالية بين الأطراف المتنازعة”.
تقع عين العرب ” كوباني ” على بعد نحو 160 كيلومترا عن محافظة حلب شمال غرب سوريا على الحدود السورية التركية. ضمن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي أبرمت اتفاقًا عسكريًا مع القوات الروسية في أواخر عام 2019 م، يسمح لها بإقامة قواعد في شرقي نهر الفرات، وهو ما فتح الباب واسعاً أمامها لدخول شرق الفرات. و” قسد” هي قوة عسكرية نشأت شمالي شرقي سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2015، في مدينة المالكية التابعة لمحافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا. وتتكون من اتحاد تشكيلات وفصائل عسكرية مختلفة ويغلب عليها المكون الكردي.
وجاء الاتفاق في خضم عملية “نبع السلام” التركية التي شنتها في ذلك العام في شرقي نهر الفرات وسيطرت من خلالها على منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ورأس العين في ريف الحسكة شمال غربي الحسكة. واجبرت “قسد” في حينه لتقديم تنازلات ميدانية للقوات الروسية والسورية، لإيقاف العملية العسكرية التركية عند حدود معينة، لاسيما أن الولايات المتحدة الأميركية وهي الداعم الرئيسي لـقوات “قسد”، أعطى تركيا الضوء الأخضر للتوغل على حسابها ولكن بعيداً عن منابع النفط والغاز. وأخلى التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة في ذلك العام، العديد من نقاطه في مسرح عمليات الجيش التركي أو في محيطه، ومن ضمنها قاعدة في بلدة خراب العاشق في عين العرب. ومنذ ذلك الحين، أرست روسيا قواعد نفوذ لها في منطقة شرقي نهر الفرات، وباتوا منافساً رئيسياً في هذه المنطقة التي يُنظر إليها على أنها “سورية المفيدة” نظراً لغناها بالثروات الزراعية والنفطية.
وتأتي توقيت الخطوة الروسية، في إطار محاولات روسيا تذليل العوائق التي تؤجل لقاء أردوغان-الأسد المُرتقب، وتهدف روسيا من وراء القاعدة، إلى تركيز وجودها عند حدود تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أولاً، وهو ما يخدم الحسابات المتعلقة بصراعها مع الغرب بسبب أوكرانيا، وثانياً تُسهل القاعدة على روسيا مهمة التوسط بين تركيا والنظام السوري، كما حصل مع الأردن في درعا، بعد اتفاق التسوية في العام 2018. وتأتي الخطوة الروسية أيضًا في سياق محاولات السيطرة على كامل الطريق الدولي “إم 4” والذي يمر في منطقة عين العرب.
ويرى المتابعون للشأن التركي أن تأسيس هذه القاعدة الروسية في عين عرب “كوباني” أن روسيا التي ترعى المباحثات من أجل إحداث تقارب بين تركيا وسوريا، يرى المتابعون أن تركيا أدركت أن زوال جكم بشار الأسد في سوريا يعني تقسيم الدولة السورية ونشوء إقليم كردي في شمال شرقي سورية ترى تركيا فيه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ويهدّد وحدة جغرافيتها.
لذلك في سبيل الحفاظ على المصالح الاستراتيجية التركية في جوارها الإقليمي وخاصة إزاء تركيا، فالعقل السياسي التركي يفضل الإبقاء على النظام السوري الديكتاتوري على أن تتحول الدولة السورية إلى كيانات عرقية. لذلك يمكن أن يفهم تركيا من أن أن إنشاء قاعدة روسية في عين العرب ” كوباتي” شرقي نهر الفرات رسالة طمأنة للجانب التركي مفادها بأن روسيا تسيطر على الأوضاع في المنطقة، وأنها ستكون إلى جانبه في مكافحة التنظيمات التي يعتبرها “إرهابية”. وهنا اقصد تنظيم ” قسد” التي كانت ولا تزال تركيا منزعجة جدا من تقديم الولايات المتحدة الأمريكية الدعم لها.
وقد تكون القاعدة هي خطوة لإبعاد النفوذ الأمريكي عن مناطق سورية أخرى خاضعة لـ”قسد”، مثل تل رفعت، وتدخل في إطار التفاهمات التركية الروسية، وأيضا التفاهمات القادمة بين النظام والحكومة التركية. الأمر الذي قد يؤدي إلى تحقيق هدف روسي تركي مشترك وهو التضييق على الولايات المتحدة في سوريا.
ونظراً لأن عين العرب ” كوباني” كانت دائماً على قائمة جدول أعمال الدولة التركية في سوريا، فقد سارعت روسيا إلى تركيز وجودها في هذه المنطقة، ما يعني أن عين العرب قد تكون الجغرافيا السورية المناسبة للتعاون الأمني بين سوريا وروسيا وتركيا، لاسيما أنها قد تكاد تخلو من النفوذ الإيراني الذي يقف عائقًا لمسار التطبيع العلاقات التركية السورية.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية