الاستراتيجية السياسية الإيرانية… إلى أين؟

الاستراتيجية السياسية الإيرانية… إلى أين؟

اياد العناز

تستعد إيران لإعادة هيكلية نظامها السياسي ودراسة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى خسارة كبيرة لها في الميدان اللبناني والساحة السورية والتي شملت منعطفا جديدا أثر بشكل واضح على استراتيجية العمل السياسي والأمني لقيادة فيلق القدس والحرس الثوري، التي كانت تتمثل في العمق الميداني الواسع داخل الأراضي السورية والجسر الواصل والممتد نحو الجنوب اللبناني حيث مرابض واماكن حزب الله وقياداته العسكرية والسياسية.
إن طبيعة المشروع السياسي الإقليمي الإيراني قائم على ثوابت تتطلع إلى هيمنة ونفوذ دائم في الشرق الأوسط وتحقيق الغايات والأهداف التي تشكل العصب الرئيس لتوجيه الأدوات الإيرانية عبر وكلائها وشركائها واعتماد صيغ العمل المباشر بتنفيذ التوجيهات التي تصدرها القيادات الميدانية للفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري، واعتماد أسس وركائز توضع لعناصرها لتوضيح مهامها التنفيذية وطبيعة عملها واستمرارها نحو تحقيق أهدافها.
ولتوسيع دائرة الاستراتيجية السياسية ، فقد اتخذت القيادة الإيرانية عدة خطوات فعالة تمثلت في توسيع إطار علاقتها الثنائية مع الصين وروسيا لتساعدها على ضمان حمايتها واستمرار تأثيرها الدولي والإقليمي ومواجهة أي ضغوطات أمريكية قادمة ضمن محور سياسة الضغوط القصوى التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي الاستراتيجية القائمة على مواجهة أي احتمالات تهدد الكيان السياسي لإيران عبر اتخاذ عدة تدابير وخطوات لإثبات قدرتها على المطاولة واحتواء أي أزمة سياسية، ومنها ما يتعلق بتطوير البرنامج النووي والتوسع في برامجها التسليحية الخاصة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
وإيران تدرك حقيقة التوجه الأمريكي لإضعاف قدراتها العسكرية ومنعها من التوسع في تنفيذ برنامجها النووي، وهذا لا يمكن أن يتحقق بشكل فعال إذا لم تكن هناك عملية استهداف مستمرة لأدواتها وإضعاف إمكانية توجيه مليشياتها في الأقطار التي تهيمن عليها عبر نفوذها السياسي وتحكمها بقرارات عواصمها وتقليص دورها في هيآتها التنفيذية والتشريعية، ومن هنا يمكن استهداف الدور الإيراني واضعاف مشروعه السياسي والتصدي له.
تسعى إيران لتدارك الهزائم السياسية التي لحقت بها في سوريا ولبنان ومحاولة الحفاظ على دورها وادواتها في العراق واليمن والتي تشكل عمقها الاستراتيجي في إعادة تكوين نفسها واستعادة تأثيرها، بعد أن أدركت فشلها في إدارة الأوضاع الميدانية والمتغيرات السياسية التي طرأت على بعض عواصم الأقطار العربية التي كانت تهيمن عليها.
كان المرشد الأعلى علي خامنئي دائماً ما يؤكد أن هذه البلدان إنما تمثل العمق الفاعل للاستراتيجية الإيرانية وأنها المربع الذهبي الذي يحتضن مشروع الدولة الإيرانية، وأن الحضور الإيراني الإقليمي يمثل توجه النظام الذي يرى نفسه ملزمًا بالعمل على تعزيز قوة أصدقائه ومؤيديه في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ويشير قائلًا ( لا ينبغي لنا أن نفعل أي شئ من شأنه إضعاف الأصدقاء الموالين للجمهورية الإسلامية في المنطقة، وأن وجودًا مثل هذا يعزز الاستقرار).
وبهذه الرؤية فإن القيادات الميدانية الإيرانية ترى أن أدواتها قد تم تحجيمها بل ضربها واضعاف قدراتها على المواجهة وأدى إلى خسارة كبيرة لقيادات سياسية عسكرية وأمنية تابعة لحزب الله اللبناني وامتد الحال حتى سقوط النظام السوري وفرار رئيسه بشار الأسد إلى روسيا، مع احتمالية قادمة لإضعاف فاعلية الحلفاء والشركاء الرئيسيين لإيران في العراق.
إن النظام الإيراني يبحث عن رؤية جديدة واسلوب فاعل يحمي استراتيجيته ويبقيه ضمن دائرة التأثير الإقليمي ويحمي دوره ومكانته في أي تطور سياسي يمكن أن تواجهه المنطقة، ولهذا هناك أصوات تتعالى في الوسط السياسي الإيراني ولدى بعض أجنحة النظام تطالب باعتماد الأسلوب الدبلوماسي وسياسية الصبر والمطاولة حفاظًا على بقاء السلطة والاستمرار في تنفيذ المشروع الإيراني الذي كان أحد البنود الرئيسية التي اعتمدت في الدستور الإيراني الذي أقر بعد تسلم الخميني مقاليد الحكم وإسقاط شاه إيران في شباط 1979.
تخشى إيران من قيام الولايات المتحدة الأمريكية باعتماد صيغ جديدة بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) من أجل تفعيل ( سناب باك) الواردة في الاتفاق النووي الذي وقع في تموز 2015، وهو الذي بموجبه يتم تفعيل العقوبات الاقتصادية ضد إيران مرة أخرى وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة.
وهناك قناعة لدى الإدارة الأمريكية بأن إيران قد حققت تقدمًا كبيرًا وشاملًا يتعلق بالبرنامج النووي وتوسعت فيه أكثر مما كان عليه في عام 2015 بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60٪ عبر أجهزة طرد مركزي نوع (أي أر 6) وزيادة عملية تخزينها من اليورانيوم المخصب إلى (200) كغم بحسب تصريح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية (رافائيل غروسي) في كانون الثاني 2025.
وسبق وأن كشفت الاستخبارات الأميركية في آيلول 2024 عن أن روسيا وسعت تعاونها النووي مع إيران في مقابل الحصول على صواريخ باليستية قصيرة المدى لاستخدامها في حربها مع أوكرانيا.
تطور الأحداث وتغيير المعايير الأساسية في طبيعة التعامل مع المتغير السياسي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، كفيل باعتماد إيران على صيغ وتوجهات جديدة تدعم استراتيجيتها المستقبلية ورؤيتها لكيفية الحفاظ على نظامها السياسي ومشروعها الإقليمي أمام ثوابت الإدارة الأمريكية والتي أعلن عنها الرئيس ترامب في مواجهته للمشروع السياسي الإقليمي الإيراني.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة