اياد العناز
يعود مرة أخرى محمد جواد ظريف مساعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للشؤون الاستراتيجية لتقديم استقالته الرسمية، مبتعدًا عن العمل السياسي والدبلوماسي الذي باشره منذ سنين طوال، وشغل منصب وزير خارجية إيران في مفاوضات البرنامج النووي التي انتهت إلى اتفاق بين جميع الأطراف في آيار 2015 وتم بموجبه رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة إيران لدورها الإقليمي وإطلاق ارصدتها المالية المجمدة، والتي اعتبرت في حينها نصرًا كبيرًا حققه محمد جواد عندما قاد جولات المفاوضات بدعم من المرشد الأعلى علي خامنئي.
شغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق محمد روحاني (2013-2021) وكان من أبرز الشخصيات الإصلاحية في النظام السياسي الإيراني، ولكنه لم يكن ينتمي لأي جناح سياسي ولم تكن له صفة حزبية، بل استطاع ان يعمل ضمن إطار العمل السياسي الذي يفرضه عليه واقع عمله وتمكن من إقامة علاقات عامة وثيقة مع العديد من دول العالم بحكم عمله في وزارة الخارجية، ولعب دورًا مهمًا في الحملات الانتخابية للرئيس الحالي مسعود بزشكيان.
تأتي استقالة جواد ظريف في ظروف صعبة وازمات اجتماعية واقتصادية تلاحق إيران وتحديات خارجية وداخلية متعددة الاتجاهات والاطراف، منها ما يعود إلى فرض الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة الضغط الأقصى والعلاقة مع الدول الأوربية في مجموعة (5+1) والتي كانت من أهم مراحل العمل في إطار اعداد اتفاقية العمل المشترك للبرنامج النووي.
وتزامنت الاستقالة مع التصريحات التي أدلى بها عديد من مسؤولي النظام حول طبيعة الصراعات السياسية بن أجنحة النظام الإيراني والرؤية المستقبلية لبقاء الدولة وطرح الأحداث والأزمات التي يمر بها المجتمع الإيراني بصورة واضحة ودقيقة مع انتقاد ميداني للمبالغة التي تبديها القيادات العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري، ومنه ما صرح به الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن ( الوضع في إيران اليوم أسوأ من حرب ال 8 سنوات مع العراق)، وايضًا ما طرحه رئيس القضاء الإيراني حول الوضع المعيشي السيئ للشعب الإيراني والذي ينذر باشتداد المشاكل الأمنية.
وأخذت الاستقالة منحى داخليًا أوضحته مواقف رئيس البرلمان الإيراني ( محمد باقر قاليباف) بأن تعيين محمد جواد في الأساس لم يكن قانونيًا، وهي سلسلة من انتقادات وجهت لمساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية بسبب الاراء والأفكار التي طرحها وعالج فيها علاقة إيران مع الإدارة الأميركية الجديدة وضرورة مناقشة ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووضع مصلحة الشعب الإيراني كمرتكز اساسي في حماية مصالحه العليا ورفع معاناته من جراء العقوبات الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية وانخفاض العملة الوطنية وزيادة نسبة التضخم المالي واتساع مساحة الفساد السياسي والاقتصادي،
والتي أعلنها بكل جرأة الرئيس مسعود بزشكيان بقوله ( كنا نرى في الحوار مع واشنطن حلًا لكن خامنئي رفض ذلك).
أن مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف يدرك حقيقة المواقف السياسية للنظام ويعلم توجهات المرشد علي خامنئي،وحاول كثيراً لاعطاء نظرة مستقبلية لحوار قادم ومفاوضات ميدانية مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكن مواقف التيار المتشدد والمحافظين وبعض من رجال الدين القريبين من خامنئي، افسدوا ورفضوا جميع المقترحات مما أوقع جواد ظريف في شباك الخلاف التقليدي مع التوجه الإصلاحي، ويمكن اخذ أحدى مقولات أمام صلاة الجمعة في طهران أحمد خاتمي دليلًا لذلك عندما قال ( الشعب الإيراني سيجعل ترامب المجنون اكثر جنونًا).
أن الاستقالة أعطت صورة واضحة لحجم الصراعات السياسية والخلافات الداخلية بين أجنحة النظام الحاكم، وضعف هيكليته التنظيمية وعدم وجود قرار للسلطات السياسية التنفيذية ولارادة الرئيس بزشكيان، وإنما القرار النهائي والرؤية المستقبلية للبلاد بيد علي خامنئي ومهما حاولت القيادات القريبة من الرئاسة الإيرانية أن تفعل شئ فإنها لا تتمكن من عبور الخطوط الحمراء التي وضعتها الأجهزة الأمنية والاستخبارية وقيادات الحرس الثوري الإيراني وبموافقة المرشد الأعلى.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة