اياد العناز
بدأ مشوار المفاوضات والحوار المتبادل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في العاصمة العُمانية (مسقط) لوضع اللبنات الأولى لاتفاق يفضي إلى تحقيق الغايات والأهداف المشتركة التي بسببها انعقدت جلسات الحوار والوصول لحلول جذرية مستدامة لمعالجة عملية تفكيك البرنامج النووي الإيراني أو الحد من خطورته وتقليل نسب اليورانيوم المخصب الذي وصلت إلى ما يقارب 60٪، مع اعداد المقترحات الخاصة ببرنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، والعمل على إيقاف التمدد والهيمنة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ضمن مساحة المشروع السياسي الإقليمي لإيران.
لا بد أن ننظر لهذه اللقاءات من عدة زوايا، منها ما يتعلق بالجانب الإيراني الذي لديه أولويات يسعى إليها ويعمل على التمسك بها بل يعتبرها من ثوابته السياسية والميدانية، والتي تندرج ضمن استراتيجية الحفاظ على ركائز النظام وفرض هيمنته ونفوذه على الشرق الأوسط وتعزيز قدراته الدفاعية في تنويع إنتاجه من الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى ودعم حلفائه وشركائه من الفصائل والمليشيات المسلحة التي تتلقى الدعم والتوجيه من القيادات العسكرية العليا في فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، وحرصه على بقاء تأثيراته السياسية والعسكرية في أي متغيرات تشهدها المنطقة عبر استمرار فعالية برنامجه النووي الذي يعتبره سلاحًا من أسلحة الردع المباشر.
وبالمقابل هناك شروط أوضحتها رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيادة الإيرانية بضرورة التخلص من الوسائل والأدوات المتعلقة بالبرنامج النووي وتفكيك جميع محتوياته والابتعاد عن أي مجال لتطوير الصواريخ البالستية وإيقاف أنشطة تخصيب اليورانيوم التي وصلت إلى الحد الذي تمكنها من صنع الأسلحة النووية، وهو ما أشار إليه رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( رفائيل غروسي) عندما تحدث عن وصول إيران لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60٪ وارتفاعه من سبعة كغم شهرياً إلى أكثر من ثلاثين كغم،وهي ما تعني عمليًا تسريع التخصيب والاقتراب من الأدوات المطلوبة لصناعة الأسلحة النووية، مع اعتماد سياسية تقليص الرقابة الدولية والحد من تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تمكنت خلالها من إنتاج مواد انشطارية بكميات تجاوزت ما مقرر لها في خطة العمل الشاملة المشتركة التي أقرت سنة 2015، مع البدأ بتطوير أجهزة الطرد المركزي في منشأتي ( فوردو ونطنز)، وهو ما يشكل خرقًا واضحاً وابتعاد كبير عن ما مسموح لإيران بالعمل فيه ضمن برنامجها النووي، الأمر الذي سيكون محل نقاش واهتمام أمريكي بالغ الخطورة على طاولة المفاوضات.
وسبقت إيران عقد المفاوضات بتصريح مهم للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ( بأن ليس لديها مانع من قبول الاستثمارات الأجنبية، حتى الاستثمارات الأمريكية)، ونرى فيه رسالة واضحة للوفد المفاوض الأمريكي ومناغاة لأفكار وطموحات الرئيس ترامب الاقتصادية والمالية وبداية لإيجاد قواسم مشتركة في الحوار بين الطرفين.
إيران تعلم حقيقة أوضاعها الداخلية من سوء الحالة المعيشية للمواطن الإيراني والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الإيراني والفساد الكبير في إدارة الدولة، والابعاد الميدانية التي حققتها العقوبات الاقتصادية والتي حملت سياسة الضغط الأقصى وجرى تعزيزها عقوبات متوالية من سنة 2018، مما أدى إلى ارتفاع نسب ومعدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية وتفاقم العجز المالي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، لهذا تسعى إيران للوصول إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية تجنبها أي هجمات عسكرية وتحافظ على بقاء نظامها السياسي، ولكنها ملتزمة بسياسة (البقاء) وهي الرؤية الفكرية الميدانية التي أطلقها المرشد الأعلى علي خامنئي عند لقائه بعدد من القيادات السياسية والعسكرية والتي أوضح فيها أن أي اعتداء خارجي أو عمل عسكري سيسهم في تعزيز الوحدة الداخلية، وهو خطاب نراه موجه للقوى الدولية التي تعلم حقيقة الموقف الشعبي من القيادة الإيرانية وما تعانيه الشعوب الإيرانية من مكابدات ومعاناة في الحياة اليومية ورفضها لسياسة النظام داخليًا وتدخلاته الخارجية.
هنا تنظر القيادة الإيرانية إلى أنها مهما قدمت من خسائر اقتصادية وبشرية، فإن بقائها في الحكم هو يعني ثباتها وانتصارها وهزيمة اعدائها وعدم تحقيق أهدافه، وهي القراءة السياسية لما تحدث عنه المرشد الأعلى عن مبدأ البقاء والحفاظ على السلطة.
وأمام هذه المعطيات فقد منح المرشد الأعلى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كامل الصلاحيات في جلسات المفاوضات للوصول إلى اتفاق حقيقي مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع ابداء مرونة كبيرة حول البرنامج النووي واستعداد إيران لمناقشة ملف المليشيات والفصائل المسلحة التابعة لها والعاملة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، مع الوصول إلى ضمانة أمريكية ببقاء النظام والاحتفاظ بالوصول إلى برنامجه الخاص بالصواريخ الاستراتيجية الذي يرى فيه حماية لامنه القومي والإقليمي.
تدرك الإدارة الأميركية حقيقة الأهداف الإيرانية والذي عبر عنها حديث مستشار الأمن القومي الأمريكي (مايك والتز) بأن الاتفاق مع إيران سيكون بشكل دائم يمنعها من الحصول على سلاح نووي بدلاً من مجرد تأخير قدرتها، ولهذا فان الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم اسلوب الدبلوماسية والحوار السياسي مدعوم بنفوذ وتحرك عسكري وعقوبات اقتصادية، مع توجه في توسيع عمل فاعلية الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى المواقع الإيرانية المتعلقة بإنتاج السلاح النووي.
وعند تحقيق أي تفاهمات بين واشنطن وطهران تضمن الموافقة على العديد من الاملاءات الأمريكية مقابل التخفيف عن العقوبات الأميركية وابقاء النظام ووقف أي أعمال عسكرية تجاه أراضيه أو استهداف وجوده، عندها سنكون عند المحطة الأولى من المفاوضات التي ستعمل على تفكيك البرنامج النووي مع إعطاء مرونة أمريكية في موضوع الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى، لأن واشنطن تدرك أنها تستخدم في حالة الهجوم أو الدفاع وهو ما تم اختباره في الضربات العسكرية الإيرانية التي طالت العمق الإسرائيلي في المحاولتين التي جرت سنة 2024.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة