معمر فيصل خولي
من المقرر -غدًا- أن تستضيف العاصمة الإيطالية روما الجولة الثانية من المفاوضات الإيرانية الأمريكية، وهي المفاوضات التي تجرى لأول مرة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويبدو أنها لا تشبه تلك المفاوضات التي جرت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، فستيف ويتكوف ليس جون كيري ودونالد ترامب ليس باراك أوباما، فترامب وضع إطارا زمنيا للوصول إلى اتفاق في القضايا الخلافية الجوهرية مع إيران بينما أوباما كان أكثر مرونة من حيث الوقت للوصول الى الاتفاق معها.
المفاوضات الحالية من حيث التوقيت والظروف الإقليمية والداخلية لا تخدم المفاوض الإيراني، فهو يذهب إلى الجولة الثانية وإيران تعاني من هزيمة جيوستراتيجية على المستوى الإقليمي، وهي أقسى هزيمة يتعرض لها صانع القرار السياسي الإيراني بعد حربها مع العراق، هزيمة لم تكن مدرجة في حساباته الاستراتيجية حيث أنها لم تكن متوقعة وبهذه السرعة. كما أن المفاوض الإيراني يذهب إلى روما وهو يرى الحشود العسكرية الأمريكية البحرية والجوية على مقربة من حدوده وتنتظر هذه الحشود ساعة الصفر للهجوم على منشآت إيران الحيوية في حال عدم التوصل إلى توافقات في القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. والأخطر من ذلك، يذهب المفاوض الإيراني إلى الجولة الثانية، وعينه على الداخل الإيراني لأنه يدرك تمامًا أن العامل الاقتصادي هو المحرك الرئيس للثورات عبر التاريخ، فهناك أكثر من 22 مليون إيراني يبحثون عن فرصة عمل، و28 مليونا يعيشون تحت خط الفقر، ناهيك عن 100 مليار دولار أمريكي مجمدة من أموال ايران بسبب العقوبات، كما بلغت خسائر إيران المالية 1.7 تريليون دولار جراء العقوبات التي فرضت عليها بشأن ملفها النووي، كما أن 40% من المصانع توقفت في ايران عن العمل بسبب أزمة الطاقة، وتجاوز معدل التضخم في إيران 50%، وانخفاض حاد في سعر صرف العملة الوطنية في إيران مقابل الدولار الأمريكي.
يدرك صانع القرار السياسي الإيراني في حال فشل المفاوضات أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تقدم وبالتعاون مع إسرائيل “وهذا ما ترجوه تل أبيب” إلى توجيه ضربة مؤلمة جدا لمنشآتها النووية والحيوية، ويدرك أيضًا بأن تلك الضربة مهما بلغت قوة تدميرها فليس بوسعها أن تسقط النظام السياسي في إيران، لكن ما يخشاه، لاسيما إذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية إسقاطه، فإن ذلك يتطلب تحركا داخليا، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم باستهداف إيران من الجو والبحر بينما يقع على عاتق الإيرانيين الذين عانوا الويلات من النظام الإيراني، القيام بمظاهرات عارمة تجتاح الأراضي الإيرانية، ومن شأن هذا التعاون الداخلي والخارجي أن يعجل في إسقاط النظام السياسي الإيراني. ومما لا شك فيه أن صانع القرار السياسي في إيراني يدرك جميع الاحتمالات والخيارات المتاحة في حال فشل المفاوضات. لذلك لا يرغب بأن تكون خاتمة سياسة “الضغط القصوى” التي يتبناها ترامب ضد إيران هي اسقاط النظام، لذلك صانع القرار في إيران قد يقدم على تقديم تنازلات للولايات المتحدة الأمريكية من أجل البقاء والاستمرار.
تاريخيًا استورد الإيرانيون في العهد الساساني لعبة “الشطرنج” من الهند، وعبر التاريخ برعوا في هذه اللعبة، كما نجح النظام السياسي الإيراني الحالي في لعبها إقليميًا ودوليًا حيث كانت الوسيلة للخروج من أزماته، لكن السؤال هل سيستمر بممارسة نجاحاته بهذه اللعبة في مواجهة إدارة ترامب التي قد تنقلب في أي لحظة على مسار المفاوضات؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة