الجولة الرابعة المتغيرات والحقائق

الجولة الرابعة المتغيرات والحقائق

اياد العناز 

مع انطلاق أعمال الجولة الرابعة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية برزت عديد من الأمور الفنية والتقنية والتي تم اكتشافها والاعلان عنها، ومنها ما شكل حالة استثنائية كان لها وقعها على مادار من نقاشات في الحوارات التي صاحبت انعقاد جولة المفاوضات.
جاء الاعلان عن وجود منشأة نووية سرية بمساحة 2500 فدان في إيران وفق المعلومات التي أوردتها شبكة فوكس نيوز الأمريكية وفقًا لما أعلنه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ، والتي تقع في محافظة سمنان الإيرانية بعيدًا عن المنشأت النووية في موقعي معروفين هما ( فوردو ونطنز).
الموقع يستخدم في استخراج مادة التريتيوم وهي نظير مشع يستخدم لزيادة القوة التدميرية للأسلحة النووية، ويتصف التريتيوم بأنه لا يمكن استخدامه في الأمور السلمية والتجارية،ويطلق على الموقع تسمية رينبو أي ( قوس قزح) ويعمل تحت غطاء علمي حددته السلطات الإيرانية بشركة الكيماويات ( ديبا إينرجي سيبا) ومضى عشر سنوات على العمل فيه.
الكشف عن موقع ( رينبو) زاد من حالة الخلاف بين واشنطن وطهران بل ساهم في تعقيد عملية الحوار السياسي والعمل الدبلوماسي وإمكانية الوصول إلى اتفاق نووي دائم ورفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وتعزيز حالة الثقة بين المفاوضين.
ورغم التصريحات المشتركة التي بينت أن أعمال الجولة الرابعة قد أخذت طابع التفاهم والوصول إلى نتائج إيجابية للمضي في حوار على أسس دقيقة لاتفاق قادم، إلا أن المفاوض الإيراني لايزال يحاول إعطاء جرعة من الآمال حول عدم إمكانية قبول إيران بشرط إيقاف عملية تخصيب اليورانيوم أو الاستغناء عن النسب التي وصلتها والتي تعتبرها من الأمور التي لا يمكن مناقشتها إلا بشكل يحافظ على الثوابت والأهداف الإيرانية، في حين أن الجانب الأمريكي كان أكثر وضوحًا بالحديث عن فهم مشترك وإمكانية ميدانية في معالجة الحالات الفنية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والوصول إلى نتائج جيدة ولكن لا يزال الأمر يتطلب جهدًا متواصلًا للعمل الجاد وتحقيق الأهداف والغايات من عقد الجولات القادمة.
والملفت للنظر أن تاريخ انعقاد المفاوضات جاء متزامن مع موعد زيارة الرئيس الأمريكي إلى دول ( المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وقطر) وعقد القمة الخليجية الأمريكية في الرياض، وقرب انتهاء الفترة التي حددها الرئيس ترامب في رسالته للقيادة الإيرانية، وهناك التاريخ الأهم وهو ما تحاول إيران عدم الوصول إليه إلا وهي قد حققت مسارًا جيدًا في الحوار مع الإدارة الأميركية، و المتمثل بالثامن عشر من تشرين الأول 2025 عندما ينتهي العمل ببند ( سناب باك) أو الرد السريع في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي أيد خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي يقضي بإعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية على إيران في حالة عدم التزامها بما أتفق عليه في تموز 2015 حول كميات نسب تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة والشروع في اكتساب المواد الانشطارية الداخلة في صناعة الأسلحة النووية.
وأمام هذه الوقائع والأحداث فإن إيران لا يمكن لها إلا أن تعمل بجد وحرص على التوصل لاتفاق يفضي إلى تخفيف العقوبات، ولو على حساب تخفيف نسبة تخصيب اليورانيوم أو مغادرتها والكف عنها والالتزام بنسبب محددة للاستخدام السلمي، وهو ما صرح به المبعوث الشخصي ( ستيفن ويتكوف) بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية وإنتاج الوقود النووي المخصب والعمل على تفكيك البرنامج النووي الإيراني.
وتعلم الإدارة الأمريكية حقيقة ما تملكه ايران وما توصلت إليه من بنية نووية محلية تشمل أجهزة الطرد المركزي الفاعلة نوع ( IR – 6) ومخزونات من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60٪ وهي المواد التي تقترب في استخدامها لصنع الأسلحة النووية، مع امتلاك خبرة علمية دائمية عملت عليها منذ سنين طويلة في استخراج اليورانيوم وإنتاج الوقود وتصميم المفاعلات، وأنها ورغم ما اصاب مشروعها السياسي الإقليمي من انتكاسات بعد سقوط نظام الأسد في سوريا والخسائر العسكرية والأمنية في القيادات العليا لحزب الله اللبناني والاوضاع الميدانية التي ابتعدت عنها في الجنوب اللبناني إلا أن إيران لا تزال تتمتع بعلاقات سياسية وتحالفات استراتيجية مع روسيا والصين وتحاول مد الجسور مع دول مجلس التعاون الخليجي العربي وباقي عواصم الأقطار العربية وتسعى لعلاقات تجارية مستمرة مع جيرانها وخاصة تركيا وباكستان والعراق، لهذه الأسباب تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على مطالبة إيران بتفكيك برنامجها النووي وابعادها عن إنتاج الوقود النووي الخاص بها سواء عن طريق التخصيب أو إعادة المعالجة.
ولكن إيران لا زالت تنظر للبرنامج النووي أنه أحد رموز السيادة السياسية والعلمية وضمان أمني لمنع أي اعتداء أو تدخل خارجي ضد أمنها القومي وحدودها الجغرافية.
يستمر مبدأ الحوار بين واشنطن وطهران رغم وجود أجواء من عدم الثقة المتبادلة إلا أن مبدأ الجلوس لطاولة المفاوضات قائم من أجل التوصل إلى حالة من التفاهم واختبار النوايا وتحقيق الأهداف المشتركة ومعالجة القضية النووية الإيرانية، رغم صعوبة المواجهة من قبل إيران بسبب الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها، ولكنها ترى انها تمتلك عنصرًا مهمًا في ديمومة المفاوضات بامتلاكها المعرفة والخبرة النووية وهي الورقة الرئيسية التي تمكنت الحصول عليها خلال السنوات الماضية، والادارة الأمريكية تسعى إلى توسيع حالة الالتزام بالشروط الواردة برسالة الرئيس ترامب والابتعاد عن ما تعمل عليه إيران في إطالة المفاوضات وكسب الوقت في محاولة منها لاقناع المفاوض الأمريكي بسلمية برنامجها النووي ورفع العقوبات عنها.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة