اياد العناز
ضمن أهم المحاور الرئيسية التي تناولها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارته الخليجية للمملكة العربية السعودية ودولة قطر، أنه استعرض الموقف السياسي لادارته من إيران وطبيعة سير المفاوضات الأمريكية الإيرانية في جولاتها وثوابتها السياسية الأمريكية في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني والاتفاق المستقبلي لابرام اتفاق نووي دائم.
أن من بديهيات العمل السياسي والحوار الدبلوماسي التوصل إلى نقاط مهمة وصيغ فاعلة وقرارات صائبة وهو ما تبحث عنه الإدارة الأمريكية في حوارها مع إيران، والذي عبر عنه الرئيس ترامب في كلمته التي جاءت أثناء لقائه مع عديد القوات المسلحة الأمريكية في قاعدة العديد بقطر عندما أشار إلى مسار المفاوضات السياسية والفنية مع إيران بقوله (أعتقد أننا نقترب جدًا من إبرام اتفاق مع إيران ولا أريد اتخاذ المسار الثاني حيال التعامل معها)، وهو بذلك يبتعد عن صيغة المواجهة المباشرة إذا ما اتخذ الجانب الايراني الوجهة الصحيحة والطريق السليم في إنجاح المفاوضات والتوصل إلى أهداف مشاركة الدولتين تحقق الغاية الأساسية التي تسعى إليها واشنطن في إيقاف عملية تخصيب اليورانيوم وإنتاج الأسلحة النووية والاتجاه نحو الاستخدام السلمي للمفاعلات النووية، وما ترغب وتعمل عليه إيران من رفع للعقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وتخفيف الاعباء الداخلية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، ومن هنا جاءت الاستجابة الإيرانية بالتصريح الذي أدلى به على شمخاني المستشار السياسي للمرشد الأعلى علي خامنئي في الرابع عشر من آيار 2025 بقوله ( مستعدون للتخلي عن التخصيب العالي وتصنيع الأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية)، وهو تطور إيجابي كبير في المواقف الإيرانية التي بدأت تراعي مصالحها ومنافعها وتحقق أهدافها وتفهم طبيعة التطورات والمتغيرات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتوازنات السياسية الإقليمية والدولية.
أن الأبعاد الحقيقية الميدانية التي رافقت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة قطر أعطت صورة واقعية وواضحة للموقف القطري من العلاقات الأمريكية الإيرانية وسير المفاوضات المشتركة بينهما وما آلت إليها من نتائج وتقدم ملموس جعل الرئيس ترامب يتحدث عنها بقوله (إيران محظوظة جدا لوجود الأمير الشيخ تميم بن حمد لأنه في الحقيقة يقاتل من أجلهم، لا يريدنا أن نقوم بضربة وحشية ضد إيران، ويقول إنه يمكن التوصل لعقد صفقة، حقيقة هو يقاتل وأعني ذلك حقا)، وهذا القول جاء كنتيجة حتمية للاتصالات والزيارات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى الدوحة مع بدأ جولة المفاوضات بين واشنطن وطهران والمواقف الرسمية والعلاقات الثنائية الوطيدة التي تربط قطر وإيران.
وأعطى الرئيس ترامب دورًا بارزًا للموقف العربي الخليجي من التطورات السياسية القائمة بين الإدارة الأمريكية والقيادة الإيرانية عندما تحدث قائلًا (اعتقد أن على إيران تقديم شكر كبير للأمير لأنه يقاتل كثيرا، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يريدون أن أذهب بالطريق الآخر (الضربة العسكرية) ويقولون فقط أنهي الأمر لأنه لا يمكن لأحد هزيمتنا، فنحن أقوى جيش في العالم بفارق كبير عن الصين وروسيا وأي أحد)، والذي يشير إليهم ترامب هم الأعضاء الفاعلين في الحزب الجمهوري وأعضاء رئيسين في مجلس الشيوخ النواب الذين يرون أن الفرصة مناسبة لتوجيه ضربة عسكرية حاسمة لإيران واستهداف منشأتها النووية ومواقعها العسكرية ودفاعاتها الجوية ومراكز قياداتها الأمنية والاستخبارية.
ولا زالت الرئاسة الإيرانية تعمل باتجاه مخاطبة الداخل الإيراني وتعميق حالة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتصعيد العالي في أسلوب التعنت وإظهار القوة والتي بينها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أثناء لقائه في الرابع عشر من آيار 2025 بمجموعة من الأكاديميين خلال تجمع في محافظة كرمانشاه بقوله (إن ترامب ساذج لاعتقاده أنه يستطيع المجيء إلى منطقتنا وتهديدنا، على أمل أن نتراجع عن مطالبه.. لن نتفاوض أبدًا على كرامتنا.. هذا في دم كل إيراني)، وهو ما يخالف ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية في بيانها الذي اوضحت فيه أن المفاوضات في جولاتها الأربعة تسير بشكل سليم ومفيد وتم الاستفادة من تجارب الماضي المريرة ونعلم تمامًا أين يجب أن نتخذ التدابير اللازمة، وهو ما يتوافق مع ما أكد عليه الرئيس ترامب باقتراب إدارته من إبرام اتفاق مع إيران والابتعاد على المسار الثاني بالتلويح بالعمل العسكري والرغبة في السلام وأنهاء أزمة الملف النووي الإيراني بطريقة ذكية دون استخدام العنف.
تدرك إيران أهمية العمل الدبلوماسي والحوار السياسي وضرورة العمل ضمن سياق واقع الحال الذي تعيشه وتمر به عبر العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تشكل كاهلًا ثقيلًا لدى أبناء الشعوب الإيرانية مع تصعيد أمريكي في توسيع دائرة إجراءات الضغط الأقصى تنفيذًا لسياسة الرئيس ترامب بضرورة تجنب حصول إيران على الأسلحة النووية، مع ما أصاب المشروع السياسي الإقليمي الإيراني من تدهور وخسارة كبيرة بسقوط نظام الأسد وفراره لروسيا والانهيار الذي اصاب حزب الله اللبناني في فقدان قياداته السياسية والعسكرية والأمنية والتي اعتبرت أكبر انتكاسة إيرانية لمشروعها في الشرق الأوسط، وفي المقابل منها هناك ثوابت أساسية للسياسية الأمريكية تعبر عنها خطواتها الاستراتيجية التي تبنى على ضبط القدرات النووية في منطقة الشرق الأوسط ومنع انتشار التكنلوجيا الحساسة وهو معيار مهم في أي اتفاق دائم وقادم مع إيران،يتمثل في إعادة هندسة البرنامج النووي وتحويله إلى نشاط نووي سلمي خاضع لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون أي محاولة لإنتاج الوقود النووي وضرورة التخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم وبنسب متفاوتة إلى عمليات الخزن الكبير والفاعل للطرود المركزية في منشأتها النووية الواقعة بمناطق ( نطنز وبوردو وبوشهر)، لكي يتم التوصل إلى صيغة مقبولة وعمل مثمر لاتفاق يصبح ممكنًا ومقبولًا من الجميع.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة