اياد العناز
تسعى القيادة الروسية لإثبات دورها الدولي وتأثيرها الإقليمي عبر عدة اتصالات قام بها الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورجب طيب أردوغان الرئيس التركي لبحث الأوضاع الميدانية وسبل اتخاذ الوسائل الفاعلة التي تؤدي إلى وقف الضربات الجوية والصاروخية التي اندلعت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 بين إيران وإسرائيل، وإيجاد الحلول المناسبة لكيفية حل جميع المعضلات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
تحاول روسيا وعبر العلاقة التي استجدت مع الإدارة الأميركية بعد عودة الرئيس ترامب لرئاسة الولايات المتحدة من إعادة زخم العلاقات الثنائية والبحث في قواسم مشتركة لحل المشكلات التي يعاني منها العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، بعد أن تقدمت الإدارة الأميركية الجديدة بعديد من المبادرات والآراء لايقاف الحرب الروسية الأوكرانية وتحديد أسس بناءة لحوار ولقاء مباشر بين بوتين وزلينسكي.
أهمية التدخل الروسي يتأتى من العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين موسكو وطهران والتي أصبحت تمثل حلفًا سياسيًا واقتصاديًا مهمًا تحرص القيادة الروسية على استمراره وعدم التهاون في إضعافه أو التأثير عليه من أي تبعات أو متغيرات سياسية، خاصة وأن المواقف الإيرانية كانت حاضرة في النزاع الروسي الأوكراني من خلال الدعم الذي قدمته طهران ببيع الآف الطائرات المسيرة من طراز ( مهاجر وشاهد) وصواريخ باليستية ساعدت الجيش الروسي في سد الفجوات واملاء الحجرات من الاحتياط الخاص الذي يساعدها على إدامة زخم المعركة والمواجهة الميدانية مع القوات المسلحة الأوكرانية في الميدان،وتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية وزيادة القدرات الدفاعية وشراء المعدات التقنية والفنية الداخلة في مجال الأمن السيبراني والتي تحتاجها إيران في مجال عملها لحماية أمنها القومي.
وإضافة للدعم السياسي الذي قدمته روسيا لطهران والتعاون الاقتصادي البناء من خلال قبولها ودعم مشاركتها في عضوية المنتديات والمنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية مثل (مجموعة بريكس وشنغهاي) ودفعها لدور مماثل في المشروع التجاري الدولي الذي يربط الهند بروسيا وأوروبا عبر إيران.
واتسعت طبيعة العلاقة الثنائية بين روسيا وإيران بتوقيع مجلس الدوما الروسي اتفاقية شراكة استراتيجية أمدها عشرون عامًا مع إيران، واقرار التعاون العسكري والنووي بين البلدين، والذي كان ثمرته توقيع الاتفاق الاستراتيجي في كانون الثاني 2025 بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وتضمن توسيع التنسيق الدفاعي لموسكو ودعمها لطهران في وقت كانت إيران تعاني من عقوبات اقتصادية أمريكية واسعة وتصاعد في التوترات السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
تدرك القيادة الروسية أن ما تمر به إيران حاليًا من مواجهات عسكرية مباشرة مع إسرائيل، يتطلب وجودها وإثبات دورها في محاولة لإيقاف الضربات الجوية والاستهدافات الخاصة بالمواقع والمنشأت النووية الإيرانية، كون الجميع يعلم طبيعة التعاون بين موسكو وطهران في المجال النووي، حيث شملت الاتفاقيات التي وقعها بوتين وبزشكيان تمويلًا روسيًا لبناء محطة طاقة نووية جديدة في إيران في وقت كانت فيه طهران تحت الضغط الأقصى من العقوبات الأميركية الشاملة،ومعلوم أن إيران أنفقت في السنين والعقود الماضية مليارات الدولارات على برنامجها النووي ووسعت قدراتها النووية في تخصيب اليورانيوم ولكنها لا تزال تعتمد على روسيا لتوفير الوقود لمحطتها النووية الوحيدة في بوشهر.
ومن الثوابت الأساسية في السياسية الروسية التي يدعمها الرئيس بوتين أن روسيا لا يمكن لها أن تضحي بمستقبل علاقتها مع إيران أو تعرضها للخطر من أجل حل مؤقت للمشاكل مع طهران أن كان ذلك متعلق بالنزاع العسكري مع أوكرانيا أو مالهُ علاقة بأي تطورات في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، العلاقة الروسية الإيرانية قائمة على مرتكزات ثابتة وأسس رصينة ومواقف دائمة في مجلس الأمن الدولي ومجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكان للاتفاق الذي تم التوصل إليه في 25 نيسان 2025 بتزويد إيران سنويًا ب (55) مليار متر مكعب من الغاز الروسي، دلالة واضحة على عمق العلاقات الثنائية والاقتصادية بين البلدين.
شكل التعاون المشترك بين روسيا وإيران في مجال الطاقة النووية محورًا مهمًا منذ عدة سنوات بعد قيام العلماء والفنيين الروس ببناء محطة بوشهر النووية، وهي ما يعتبر أول مفاعل نووي إيراني مع المساهمة الحالية في تمويل مشروع محطة نووية جديدة في وقت تعاني فيها إيران من علاقات غير مستقرة مع الدول الأوروبية ( ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) وغياب لعلاقة ثابتة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية تتهم إيران بعد امتثالها والتزامها بما اتفق عليه في توقيع بنود اتفاقية العمل المشتركة الشاملة في 15 تموز 2015،وآخرها المواجهة العسكرية مع إسرائيل التي انطلقت عبر ضربات جوية وصاروخية يوم الثالث عشر من حزيران 2025.
توجد فرصة سياسية لعمل روسي بناء في لوقف المواجهة الإسرائيلية الإيرانية وإعادة الأوضاع الميدانية لحالها في الشرق الأوسط وابعاد شبح الحرب الإقليمية، إذا ما أحسنت موسكو استخدام ادواتها ووسائلها الفاعلة والايجابيات المشتركة في علاقتها الاستراتيجية مع إيران وما تسعى إليه من تجاوب مع الإدارة الأميركية الجديدة بالعمل على مرتكزات أساسية تدعو فيها للالتزام بالمعايير الدولية في تخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم وعبر معايير شفافة وإجراءات مراقبة دائمة تحفظ لها وجودها وإمكانية قبولها بوقف الضربات العسكرية والعودة لطاولة المفاوضات وإعادة الدور الروسي الدولي والإقليمي لفاعليته وتأثيره.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية