الباحثة شذا خليل*
أحدثت المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران صدمة في الأسواق المالية العالمية، حيث قفزت أسعار النفط بنسبة 7٪ فورًا، مما أعاد المخاوف من موجة تضخمية جديدة بسبب الطاقة، على غرار ما حدث بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وبينما لا تزال الأضرار المادية داخل إيران غير معلنة بالكامل، بدأت الخسائر الاقتصادية والجيوسياسية تظهر بوضوح.
الخسائر الاقتصادية قصيرة الأجل
استهدفت الضربات الإسرائيلية بشكل مباشر البنية التحتية العسكرية والاستراتيجية لإيران، لكن التأثيرات الاقتصادية غير المباشرة قد تكون أكثر خطورة:
اضطراب في سوق النفط: رغم العقوبات، لا تزال إيران تصدّر النفط، لا سيما إلى آسيا، عبر قنوات غير رسمية. لكن حالة عدم الاستقرار تثير مخاوف من تهديد مضيق هرمز، وهو ممر حيوي لنقل النفط عالميًا، مما يضر بصادرات إيران ويزيد تكاليف الشحن.
تقلب العملة: تعاني العملة الإيرانية (الريال) من تدهور مستمر. أي تصعيد في التوترات الجيوسياسية يضعف ثقة المستثمرين ويدفع التضخم إلى الارتفاع، مما يؤثر على القوة الشرائية للسكان.
تراجع ثقة المستثمرين: رغم العقوبات، حاولت إيران جذب استثمارات من الصين وروسيا. لكن استمرار التوترات قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وإلغاء المشاريع.
الخسائر المقدّرة
رغم صعوبة تحديد الأرقام بدقة، فإن الخسائر الاقتصادية غير المباشرة لإيران تشمل:
فقدان عائدات نفطية بسبب اضطرابات في التهريب وارتفاع تكاليف الشحن.
تراجع الإنتاجية المحلية نتيجة تحويل الموارد الحكومية نحو الأمن والدفاع.
ضغط إضافي على الميزانية العامة، التي تعاني أصلًا من العقوبات، والدعم الحكومي، والتضخم.
إذا تجاوزت أسعار النفط 100 دولار للبرميل، فقد يرتفع التضخم في الدول المتقدمة بنسبة 1٪، بحسب تقديرات Capital Economics. ورغم أن هذا قد يعود على إيران بفوائد مؤقتة، فإنها لن تستطيع الاستفادة بالكامل بسبب القيود على التصدير وصعوبة تحصيل العوائد المالية.
التوقعات السياسية والاستراتيجية
تواجه إيران مشهدًا معقدًا بعد الهجوم:
عزلة دبلوماسية أم تعاطف دولي؟
قد تحاول إيران استثمار الحدث لكسب تعاطف دولي، خاصة من دول الجنوب العالمي. لكن من المرجح أن تزيد القوى الغربية من الضغط السياسي والاقتصادي عليها.
خطر تصعيد الصراع
في حال توسعت المواجهة وشاركت فيها الميليشيات التابعة لإيران في لبنان وسوريا والعراق، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من زعزعة الاقتصاد وربما فرض عقوبات جديدة.
تحول في الاستراتيجية الاقتصادية
من المتوقع أن تسرّع إيران خطواتها لتعزيز العلاقات مع شركاء تجاريين خارج الغرب (مثل دول البريكس)، وتطوير أنظمة تبادل بديلة تتجاوز العقوبات، وزيادة الإنتاج المحلي.
الخلاصة
رغم أن الأضرار المباشرة للهجوم الإسرائيلي لم تُعلن بالكامل، فإن الآثار الاقتصادية على إيران بدأت تظهر من خلال اضطراب أسواق النفط، وتذبذب الأسواق، وزيادة المخاطر السياسية والمالية. وفي وقت تسعى فيه إيران لتحقيق استقرار اقتصادي تحت ضغط العقوبات، تواجه الآن تحديات جديدة قد تقوّض ما بنته من صمود اقتصادي. المستقبل يعتمد على ما إذا كانت المنطقة ستشهد تهدئة دبلوماسية أو تصعيدًا أوسع، وهو ما سيحدد مصير الاقتصاد الإيراني، وأسواق الطاقة، والأمن الإقليمي.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية