معمر فيصل خولي
لم يمر المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمع بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الألماني فريدريش ميرتس يوم الخميس الفائت في أنقرة، بسلام ، فعلى الرغم الحديث الايجابي بين الرئيسين في المؤتمر إلا أنه شهد سجالا بينهما خاصة فيما يتعلق بمجريات الحرب على غزة، من جهته تبنى الرئيس الألماني فريدرتش الرواية الاسرائيلية في حرب الإبادة على ، بينما اردوغان فند ونقد بقوة تلك الرواية على الهواء مباشرة .
كان بوسع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يتجاهل ما صرح به الرئيس الألماني وعدم الرد على الرواية الإسرائيلية التي جاءت على لسانه، لتجنب أي توتر معها لاسيما إذا علمنا بأن ألمانيا أكبر شريك تجاري لتركيا في أوروبا، وتطمح في زيادة تبادلها التجاري معها ليصل إلى 50 مليار دولار، وإذا علمنا أيضا بأن تركيا من عقود لديها حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا الانضمام يتطلب موافقة ألمانيا عليه التي كان مسوؤليها السابقون وربما الحاليون أيضًا برفضون ذلك.
أمام هذه الأهمية الألمانية بالنسبة إلى تركيا إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض الصمت أو عدم الرد أو الحفاظ على الشكل الدبلوماسي للمؤتمر، وأصر أن يعبر عن موقف دولته وشعبه من الحرب الإبادة على غزة وأن يقول للرئيس الألماني بمعنى من المعاني أن تقف ضد الإنسانية وتساند رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من محكمة الجنائية الدولية. وأن التاريخ والضمير الإنساني سيحفظ وسيذكر كل دولة بموقفها من تلك الإبادة. وقال أردوغان إلى ضيفه الألماني : ” حماس لا تملك قنابل أو أسلحة نووية لكن إسرائيل تمتلك كل هذه الأسلحة وتستخدمها لقصف غزة، ومنها على سبيل المثال ما استخدمته من قنابل مجددا الليلة الماضية، ألا ترى … ألمانيا هذه الأمور؟ ألا تتابعها ألمانيا، إلى جانب شن هجمات على غزة ، سعت إسرائيل دوما إلى ممارسة القمع على القطاع من خلال قرض المجاعة والإبادة الجماعية”.
هذا السجال يذكرنا في سجال وقع بين الرئيس اردوغان حينما كان رئيسا لوزراء تركيا في مؤتمر دافوس عام ٢٠٠٩، حينما كان الرئيس الاسرائيلي الأسبق شمعون بيريز يدافع بشراسه عن عدوان إسرائيل على غزة في كانون الأول عام ٢٠٠٨م، حيث لم يعطي مدير جلسة الحوار الوقت الكافي للرد على شمعون بيريز ، وقال له :” حينما يتعلق الامر بالقتل فانتم تعرفون جيدا كيف تقتلون. وانا اعرف جيدا كيف قتلتم اطفالا على الشواطىء”. وأضاف : ” أشعر بالحزن عندما يصفق الناس لما قاله (بيريز) لأن عددا كبيرا من الناس قد قتلوا، وأعتقد أنه من الخطأ وغير الإنساني أن نصفق لعملية أسفرت عن مثل هذه النتائج”.
هذا السجال الأخير اردوغان وفريدرتش ما هو إلا تعبير وكاشف لحساسية العلاقة التي تمتد لعقود بين الدولتين في قضاياها الثنائية والسؤال الذي يطرح في هذا السياق … هل سيؤثر هذا السجال العلني في مستقبل علاقات الدولتين أم ان الواقعية السياسية ” البرجماتية ” ستبقى هي الضابطة لعلاقاتهما؟
