أزاح تراجع أسعار النفط التوترات المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط من قائمة أولويات الدول الغربية التي باتت أقل اهتماما بأزمات تعصف بدول إقليمية عدة.
ولم تبد الدول الغربية أي استعداد للتدخل في المنطقة إلا بعد تعرض أوروبا لتدفق غير مسبوق من المهاجرين.
وفي حين كان المؤشر التقليدي لتعاطي الغرب مع المنطقة محكوما بالخوف من تعرض واردات النفط للخطر وهو ما ينعكس على مؤشرات الأسعار، لم يعد الأمر محوريا بالنسبة للولايات المتحدة أو لحلفائها الأوروبيين ولم تتحرك للتصدي للأزمات التي تعصف بسوريا والعراق واليمن ولبنان.
وقاد التجاهل الغربي إلى تصاعد حدة التدخلات الإيرانية في المنطقة مما حدا الدول الخليجية عموما والسعودية خصوصا إلى تصعيد وتيرة مواجهتها لطهران.
وقال ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمجلة إيكونومست البريطانية إن نشوب حرب بين بلاده وإيران سيكون إيذانا بكارثة وإن الرياض لن تسمح بها ولكن بلاده لا تخشى من التصعيد.
وتراجعت أسعار النفط أمس إلى مستوى أقل من 33 دولارا للبرميل وذلك للمرة الأولى منذ شهر أبريل 2004.
وتعيش دول منتجة للنفط في المنطقة على وقع مخاوف جدية من الدخول في ركود اقتصادي منذ أزمة أسعار النفط التي بدأت منتصف عام 2014 وهبطت بأسعار النفط بنسبة 70 بالمئة إلى الآن.
وعلى رأس هذه الدول السعودية التي تعاني خسائر منذ بداية تراجع أسعار النفط وصلت إلى 200 مليار دولار.
ويبدو أن الرياض فقدت الكثير من الأمل في أن تحقق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المتهافتة على الانفتاح على إيران أي توازن إقليمي.
ويزيد الاعتقاد في طهران بأن النظام الإيراني من الممكن أن يكون بمقدوره توظيف هذا التسرع الغربي للتعجيل في رفع العقوبات الاقتصادية المقرر هذا الشهر عن إيران وفقا لبنود الاتفاق النووي الذي توصل الطرفان إليه في يوليو من العام الماضي.
وقال مايكل ويتنر المحلل في مصرف سوسيتيه جنرال “في غياب أي محفزات ستستمر أسعار النفط في التراجع. ونتيجة لذلك تحولت رغبة المستثمرين في المغامرة إلى حذر”.
وتراقب إيران عن قرب أسعار النفط، وتنتظر بفارغ الصبر استعادة قدرتها مرة أخرى على زيادة حصتها في السوق بمقدار مليون برميل إضافية.
لكن هبوط الأسعار إلى أدنى مستوياتها جعل السياسيين الإيرانيين على قناعة بأن بلادهم لن تتحول إلى “بقرة تدر نقودا” كما كانوا يأملون في السابق.
وحال التنافس الإقليمي الشرس بين السعودية وإيران دون الإقدام على مثل هذه الخطوة، ويعمل البلدان في المقابل على إلحاق أكبر ضرر سياسي واقتصادي ببعضهما.
وقال جورجيو كافييرو مدير مركز تحليلات الخليج إنه “من غير المحتمل أن تدخل السعودية مع إيران في تعاون مشترك، لذلك أتوقع أن نشهد المزيد من التراجع في الأسعار”.
وهذه التوقعات قد تكون الأفضل بالنسبة للمستخدم الغربي والمستثمرين في صناعات تعتمد على الطاقة، وتعني الكثير من التوفير من الميزانية لعدد من دول العالم الثالث، لكنها تظل الأسوأ بالنسبة لحكومات الدول المصدرة للنفط، وتصل إلى حد الكارثة في العراق على سبيل المثال.
وأعلنت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، عن عجز في ميزانيتها العام الماضي قدر بنحو 98 مليار دولار، وهو ما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات مباشرة لرفع الدعم تدريجيا عن الوقود.
وتحتاج إيران في المقابل إلى أن يتخطى سعر برميل النفط حاجز 70 دولارا، وهو السعر الذي تتطلبه الموازنة الإيرانية لتحقيق التوازن.
وقال الأمير محمد بن سلمان إن “الرياض تدرس برنامجا اقتصاديا طموحا خلال الخمسة أعوام المقبلة، إذ تمكنت الحكومة السعودية من رفع نسبة الأرباح غير النفطية إلى 29 بالمئة خلال العام الماضي وحده”.
وأعلن في حواره مع إيكونومست أن “السعودية ستفرض ضريبة قيمة مضافة على السلع مع نهاية عام 2016 ومطلع عام 2017، كما تخطط الحكومة إلى تبني برامج خصخصة في قطاعات الصحة والتعليم وقطاع الصناعات العسكرية، بالإضافة إلى بعض الشركات المملوكة للدولة”.
وتنفق السعودية جزءا كبيرا من مداخيل النفط في توسيع نفوذها السياسي في المنطقة وتشن حربا طاحنة ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن، وتدعم فصائل المعارضة التي تقاتل ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب تمويلها التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.
صحيفة العرب اللندنية