إيران.. اسلوب للحوار أم بداية لازمة جديدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

إيران.. اسلوب للحوار أم بداية لازمة جديدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

اياد العناز

تتجه الانظار السياسية إلى موعد انعقاد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التاسع عشر من تشرين الثاني 2025 في العاصمة النمساوية ( فيينا)، والذي سيتم خلاله تقديم مشروع أمريكي بالتوافق مع دول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) حول عدم التزام إيران بالتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية ومطالبتها بالسماح لهم بزيارة جميع المواقع والمنشآت النووية التي تمانع طهران زيارتها منذ العمليات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية في الثالث عشر من حزيران 2025، ويعتبر المقترح أول قرار تتأخذه هذه الدول منذ تفعيل آلية الزناد وإعادة فرض العقوبات الأممية ضد إيران نهاية شهر أيلول 2025.
تحاول الدول الأوربية العمل باتجاه الضغط المستمر على إيران لاستئناف التعاون مع الوكالة الدولية بعد التجاهل المستمر الذي يبديه المسؤولين الإيرانيين في عدم الاستماع للمدير العام للوكالة رفائيل غروسي وعدم استجابة القيادة الإيرانية لإعادة مسار التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية.
لا زالت العلاقة متأرجحة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد التقريرين الفصليين الذي أعلنت عنهما الوكالة وأشارت فيهما إلى أن (عدم تمكن الوكالة من الوصول إلى المواد النووية في إيران لمدة 5 أشهر، ومن الضروري القيام بذلك في أقرب وقت ممكن)،
وسبق لمحافظي الوكالة وان أعلنوا في الثاني عشر من تشرين الثاني 2025 ( أن إيران لم تسمح للمفتشين بدخول المواقع النووية التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في حزيران 2025)، وأن التحقق من مخزون اليورانيوم المخصب أمر طال انتظاره.
ترى القيادة الإيرانية أن الدعوات المستمرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) أنما تندرج تحت طائلة التهديد والوعيد واستخدام سياسة الضغط القصوى، وأن عدم الاستجابة للشروط الأمريكية يعني عمليًا تهديد أمنها القومي واحتمالية تعرضها لضربة عسكرية قادمة، تستهدف فيها منشآتها النووية وقواعد الإطلاق الصاروخية ومخازن الصواريخ والطائرات المسيرة والقواعد الجوية والعسكرية وجميع المؤسسات الخدمة من شبكات المياه والطاقة الكهربائية والبنية التحتية للصناعات الإيرانية.
وتعتبر إيران أن جميع التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما يصرح به مديرها العام غروسي تندرج ضمن سياسة العداء الموجه للموقف الإيراني، وأن ما جاء في تصريحه الذي قال فيه ( اذا ما قررت إيران تسليح برنامجها فقد تكفي الكميات المخزونة لديها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ بواقع 400 كغم لإنتاج ما يصل إلى 10 قنابل نووية)، وطالب مفتشي الوكالة الدولية بمراجعة مخزون إيران من المواد النووية لمعالجة المخاوف حول احتمال تحويل المواد النووية المعلنة عن الاستخدامات السلمية، وأهمية الوصول الفوري إلى مخزونات المواد النووية وخاصة اليورانيوم عالي التخصيب.
تكررت المطالب الدولية بخصوص السماح لمفتشي الوكالة بزيارة المواقع النووية الإيرانية، بعد التدهور الذي حدث في العلاقة بين المدير العام للوكالة والمسؤولين الإيرانيين وفي أعقاب النتائج التي آلت إليها الضربات الأمريكية الإيرانية للعمق الإيراني في حزيران 2025.
الجديد في الموقف السياسي الإيراني ، أنه أصبح لا يستسيغ القبول بالمفاوضات مع الإدارة الأميركية والحوار مع الوكالة الدولية، والتي كان يرى فيها سابقًا إحدى الوسائل الرئيسية في الحفاظ على بقاء الدولة الإيرانية واستمرار مشروعها السياسي الإقليمي وأنها الطريق السليم للحوار السياسي والاسلوب الدبلوماسي، ويرى فيها الآن أداة لقبول الشروط بالقوة والتهديد والضغط السياسي، وهو ما جعل القيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري الإيراني من إعادة استخدام لغة المواجهة والممناعة وإظهار القوة، عبر الإعلان العسكري الذي تم في الثاني عشر من تشرين الثاني 2025 من قبل القوات الجو فضائية التابعة للحرس الثوري بإجراء اختبار تقني لطائرة مسيرة من طراز ( شاهد 161) خلال معرض للإنجازات الجوية في حديقة الفضاء الجوي، وتتميز مواصفات الطائرة بأنها تشمل وزن إقلاع يبلغ 170 كغم ومدى تشغيل يصل إلى 150كم وبقاء في الجو لفترة زمنية تقدر بساعتين بارتفاع يصل إلى 26000 قدم،
وتستخدم الطائرة ( شاهد 161) لمهمات الاستطلاع والمراقبة ويمكنها حمل قنبلتين تزن كل واحد منها (50) كغم.
يأتي الاعلان عن الطائرة المسيرة ومواصفتها المتطورة بالتزامن مع الضغوط الأمريكية والاوربية والتهديدات بزيادة فاعلية العقوبات الاقتصادية الأممية والتقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورد فعل لسياسة اظهار القوة مقابل التهديد ضربات عسكرية محتملة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والمطالبة بمعرفة مصير مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ والتي تعتبر من أهم المسائل التي تعيق أي حوار قادم أو مفاوضات مقبلة.
أن عملية التردد الإيراني في التعامل مع المبادرات الدولية والإقليمية والاتصالات العربية التي بدأها وزير الخارجية المصري مع نظيره الإيراني حول إعادة العلاقة مع الوكالة الدولية والسماح لها بالقيام بأعمالها داخل الأراضي الإيرانية، إنما تتأتى من سعى القيادة الإيرانية بالتمسك بمحاولتها السياسية في البقاء على دورها السياسي الإقليمي وعلاقتها مع محيطها الجغرافي وسعيها الامتداد بعلاقتها مع دول آسيا الوسطى وتعزيز قدراتها ووجودها آسيويًا عبر التعاون الأمني والإقليمي ضمن منظمة ( شنغهاي للأمن الإقليمي) وحوارها السياسي المستمر مع بلدان الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية وتعزيز علاقتها مع شركائها الدوليين ( الصين وروسيا).
ولا زالت إيران ترى أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي يتعامل بأسلوب سياسي يخدم فيه التوجهات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما افصح عنه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي في السادس عشر من تشرين الثاني 2025 بقوله (إن إسرائيل استهدفت في هجومها على إيران في حزيران الماضي ، مصنعاً لإنتاج الوقود لمفاعل أبحاث طهران، معتبراً أن دقة الهجوم تشير إلى سوء استخدام المعلومات التي تحصل عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران).
ستبقى إيران وضمن ثوابت عقيدتها السياسية والعسكرية، تعتبر نفسها قوة إقليمية ضمن عدة قوى سياسية في الشرق الأوسط لديها قوتها وامكانياتها العسكرية وتتمتع بموارد اقتصادية وثروات طبيعية وقدرة سكانية بشرية كبيرة، وتسعى للحفاظ على نفوذها في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز، وتدرك أن هذا لا يمكن تحقيقه والاستمرار به إلا عبر استمرار علاقتها مع دول العالم ورفع العقوبات عنها وإطلاق يدها في تصدير ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز ومنع عزلتها السياسية، ولا يتم هذا إلا بالعودة للمفاوضات والحوار الدبلوماسي مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية.