إيران… تهديد أمريكي وقرار أممي

إيران… تهديد أمريكي وقرار أممي

اياد العناز 

مرة أخرى، تشهد العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية مسارًا من الاختلاف والتباين في العلاقة بينهما، بعد القرار الذي اتخذه مجلس محافظي الوكالة الدولية التابع للأمم المتحدة بالزام ( إيران بالابلاغ ودون تأخير عن مخزونها النووي وكميات اليورانيوم المخصب)، بأغلبية من الأصوات بلغت ( 19) صوتًا من أصل 35، فيما امتنع 12 عضواً عن التصويت وعارضه 3 أخرين يمثلون دول ( الصين وروسيا والنيجر).
أكد القرار على ضرورة قيام إيران بتزويد الوكالة الدولية دون تأخير بأي معلومات دقيقة عن حصر المواد والمنشآت النووية الخاضعة للحماية في إيران وأن تمنح الوكالة كل ما تحتاجه من إمكانية الوصول للتحقق من أي معلومات تخص النشاطات النووية وإتاحة الوصول لها إلى ما تريده من مواقع بعد مرور خمسة أشهر على الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، وهذا ما يعني الرجوع إلى ما أشار إليه مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من امتلاك إيران إلى (440،9) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، إلى ما قبل العمليات العسكرية التي قامت بها إسرائيل تجاه العمق الإيراني في الثالث عشر من حزيران 2025، والتي لم تتمكن الوكالة التحقق من مستويات اليورانيوم المخصب منذ التاريخ أعلاه، وهو ما يؤكد حديث المدير العام للوكالة الدولية ( رافائيل غروسي) في الاجتماع الموسع الذي عقد في العاصمة النمساوية ( فيينا) منتصف شهر آيلول 2025 بدعوته ( إيران للسماح بتفتيش المواقع النووية التي تضررت بفعل الهجمات في حزيران 2025، وأن ما قام به مفتشي الوكالة كان لمواقع أخرى، مشيراً بشكل واضح إلى أن ( مخزونات اليورانيوم المخصب ما زالت موجودة وأكد على ضرورة معالجة وضعها).
وسبق لدول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) أن قدمت مسودة قرار إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طالبت إيران بالتعاون مع مفتشي الوكالة والسماح لهم بالدخول لجميع المنشآت النووية على الأراضي الإيرانية، وجاء المشروع بعد وقت محرج لإيران تزامن مع تعليق تعاونها مع الوكالة في تموز 2025 بعد الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية التي طالت المواقع والمنشآت النووية الإيرانية.
جاءت تصريحات المدير العام للوكالة الدولية حول وجود مخزونات اليورانيوم المخصب في المنشآت النووية التي تعرضت لهجمات عسكرية، لتزيد من خطورة المواقف السياسية الأوربية الأمريكية تجاه إيران، والذي أدى إلى اتخاذ القرار الذي أعلنه محافظي الوكالة في العشرين من تشرين الثاني 2025.
واعتبرت إيران أن القرار الذي اعتمدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشكل أداة ضغط عليها واملاء للشروط الأمريكية، وأن القرار يمثل ارادة الدول الاوربية والإدارة الأمريكية، وحاول المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي دعم الموقف السياسي الإيراني بقوله (أن إيران تسمح حاليا بعمليات التفتيش على أساس كل حالة على حدة) وهو ما يتوافق وما أقره المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي وضع شروطًا معينة لعمل فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران.
وجاء الموقف الإيراني الأكثر خطوة بالإعلان عن الغاء اتفاق القاهرة
الذي وقعته إيران والوكالة الدولية في العاصمة المصرية القاهرة في العاشر من أيلول 2025، والذي نص على استئناف التعاون الفني بين الجانبين، ومنها الإجراءات العملية لعودة أنشطة تفتيش المنشآت النووية.
ولكن إيران اعتبرت أن الاتفاق بات لاغياً، بعد إعادة الدول الأوروبية تفعيل آلية (ضغط الزناد) لفرض العقوبات الأممية على طهران، واعتبر السفير الإيراني في العاصمة النمساوية ( فيينا) رضا نجفي ( أن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية مسيس وغير بناء والهدف منه زيادة الضغط على إيران).
وتنظر إيران إلى القرار الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنه يشكل عاملًا مضافًا بإمكانية الإسراع بعمل عسكري محتمل تجاه الأراضي الإيرانية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وياتي تصريح مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون السياسية ( كمال خرازي) عن استعداد إيران للنظر في وساطة روسية صينية لاستعادة تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في موقف سياسي إيراني لتجنب أي مخاطر عسكرية وأمنية قد تطالع البلاد في خضم الواقع المأساوي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني.
وتزامن قرار إلزام إيران بتقديم المعلومات التفصيلية عن مخزونها من اليورانيوم المخصب والسماح لمحافظي الوكالة الدولية بتفتيش المواقع والمنشآت النووية والإجابة عن أي اسئلة واستفسارات تقدمها الوكالة، مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران، مرجحًا إمكانية الاتفاق معها.
تواجه القيادة الإيرانية تطورًا سياسيًا كبيرًا ومتغيرًا ميدانيًا واسعًا ومفترقًا دبلوماسيًا واضحًا بعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضرورة إعادة النظر في العلاقة معها واعتبار الحوار الطريق الأصوب في تحديد التعامل مع الأوضاع السائدة والمتغيرات القائمة والعودة لاجتماعات موسعة مع المدير العام للوكالة الدولية ( رافائيل غروسي) وتسهيل عملية التنفيذ الواسع والفعال لتنفتيش المواقع النووية والاجابة عن مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ وتجنيب إيران أي احتمالات مستقبلية تهدد بقاء نظامها وامنها القومي وسلامة أراضيها، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في اشارته لرسالة الرئيس ترامب للمرشد الأعلى علي خامنئي التي تضمنت خيارين…
( إما الحرب أو التفاوض لإنهاء التخصيب).

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة