إيران دولة اللادولة في ندوة لمعهد دول الخليج في واشنطن

إيران دولة اللادولة في ندوة لمعهد دول الخليج في واشنطن

ايران

نظم معهد دول الخليج العربي في واشنطن ندوة حملت عنوان “المواجهة السعودية الإيرانية وما ينتظرها في المستقبل”. وكان من المنتظر، بناء على عنوان الندوة، أن تتم مناقشة العلاقة بين الرياض وإيران، على ضوء التطورات الأخيرة، إثر أحداث إحراق سفارة وقنصلية المملكة السعودية في كل من طهران ومشهد على خلفية إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر.

لكن، تبيّن من خلال قائمة المشاركين وتدخّلاتهم أن هذا العمل هو جزء من الدور الذي تلعبه اليوم مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية في المساهمة في صناعة القرار وتمرير الأجندات الخاصة، حيث لم تركّز الندوة على طبيعة العلاقة السعودية الإيرانية وأسباب الخلاف، بقدر ما سعى المشاركون فيها إلى تلميع صورة إيران من خلال الحديث عن تيار متشدّد، يتبنى العنف، وتيار إصلاحي، يدعو إلى الحوار، متجاهلين أن الاثنين ينتهيان إلى قيادة واحدة.

كان من بين المشاركين فيها باربرا سلافين، المديرة التنفيذية لمبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي والمعروفة بتعاطفها مع الإيرانيين، ورندة سليم، مديرة مبادرة المسار الثاني في معهد الشرق الأوسط، وديفيد أوتاواي، الباحث في مركز ودرو ويلسون، الذي تدير برنامجه للشرق الأوسط الإيرانية هالة أسفندياري.

ترفض سلافين الربط بين إحراق السفارة السعودية والحكومة الإيرانية التي يقودها الرئيس الإصلاحي حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، الذي قام بتقديم اعتذار رسمي للسعودية، لكنّها في المقابل، تقول إن هناك “أدوات لدى النظام الإيراني”، وهي من قامت بهذا الأمر.

وأشارت إلى وجود صراع داخلي في إيران، بين التيار المتشدد والحرس الثوري، الذي ما زال يصر على أن ايران تعيش ثورة، وينظر إلى السعودية على أنها عدوّ؛ وقدّ برّر الحرس الثوري إحراق السفارة السعودية في طهران بأنه لم يكن أمام الإيرانيين إلا أن يردّوا بهذه القوة لأنها تطرح نفسها على أساس الممثل لكل الشيعة في المنطقة.

وتعود نظرة الحرس الثوري العدائية للسعودية إلى فترة اندلاع الثورة الإسلامية، التي قادها آية الله الخميني في 1979. وشهدت على إثرها العلاقات السعودية الإيرانية صداما وعثرات؛ حيث كان من الصعب الانتقال في التعامل مع إمبراطورية يقودها الشاه رضا بهلوي إلى جمهورية إسلامية يقودهاالخميني.

كيف يمكن للإيرانيين وحلفاءهم الأميركيين إقناع العالم،بمنح ثقته لدولة تدعم أبرز المنظمات المصنفة على قائمة الإرهاب الدولية

وقد زاد من تعقيد العلاقات مجموعة من الأحداث، على غرار وقوف المملكة السعودية إلى جانب العراق في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، وكذلك أحداث القنابل المتفجرة في موسم الحج في عام 1987. ووصل هذا التوتر ذروته خلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد، التي فجرت الملفات الساخنة كالشحن الطائفي ودعم ميليشيات حزب الله في لبنان والملف النووي الإيراني والدور التي لعبته، وتلعبه، طهران في كل من فلسطين وسوريا.

ويتعقد المشهد، اليوم، أكثر حيث تقدم إيران الدعم العسكري واللوجستي لنظام الأسد وتدعم ميليشيات الحوثي في اليمن وتصر على الاستمرار في احتلال الجزر الإمارتية والتدخل الاستفزازي في شؤون البحرين؛ وغير ذلك من التدخّلات ومحاولات إثارة الأزمات والفتن.

وهذه المحاولات تبرّر موقف السعودية ومختلف دول المنطقة من إيران، وتثبت أن الخلاف معها ليس خلافا طائفيا عقائديا كما يروّج له الإيرانيون، وبعض الراغبين في استمالتهم من الأميركيين، بل هو رفض للتدخّلات السياسية في دول المنطقة وتعقيد أزماتها بما يخدم مصالح إيران التي لا تؤمن بسياسة حسن الجوار.

لكن رغم الاعتداءات الموثقة وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط اليوم من أزمات يبدو تورّط إيران في تعقيد بعضها واضحا ولا لبس فيه، إلا أن الأجندة الحالية للإدارة الأميركية تقضي بأن يتمّ التغاضي عن هذه التجاوزات، حتى لو اقتضى الأمر محاولة بعض الخبراء الأميركيين إلقاء اللوم على الحليفة السعودية؛ وهو ما بدا واضحا في الندوة التي عقدها معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

خرج حديث المشاركين الأميركيين في الندوة عن سياق موضوعها الرئيسي، وهو المواجهة السعودية الإيرانية وما ينتظرها في المستقبل، وظهر انحياز واضح للطرف الإيراني ومحاولة تبييض صورته على حساب السعودية، في خطوة لا يمكن قراءتها بعيدا عن سياقها العام وطبيعة العلاقات الأميركية الإيرانية في الولاية الأخيرة من حكم الرئيس باراك أوباما.

قال الخبراء بشكل مباشر إن طهران حاولت التواصل والعمل مع الرياض منذ استلام الرئيس روحاني، المحسوب ظاهريا على الاصلاحيين، سدة الحكم، لكن الرياض لم تستجب لمثل هذه الجهود. وقد أثارت مثل هذه التصريحات حفيظة بعض الحضور في الندوة، والذين أيّدوا سؤال “العرب”: من في طهران يحاول التواصل؟

خبراء: طهران حاولت التواصل والعمل مع الرياض منذ استلام الرئيس روحاني، المحسوب ظاهريا على الاصلاحيين، سدة الحكم، لكن الرياض لم تستجب لمثل هذه الجهود

ولأنّه لم تكن هناك إجابة واضحة على هذا السؤال، حاول الباحثون المشاركون في الندوة تغطية ادعاءاتهم برسم خط بياني بين التيار الإصلاحي والتيار المتشدد في ايران، وإلقاء اللوم على المتشددين في أيّ اخفاق، وإعطاء حسن النوايا للإصلاحيين؛ مشيرين إلى أن هناك صراعا إيرانيا داخليا.

قالت سلافين إنه يوجد توافق بين تيار خامنئي وتيار روحاني حول الملف النووي الإيراني؛ في المقابل، لا يوجد توافق على ملفات حزب الله وسوريا واليمن والملفات العربية الأخرى، وتردّد أن قاسم سليماني لا يخبر روحاني بأعماله ومهماته في سوريا.

وفي سياق الترويج للدور الإيراني، أكدت رندة سليم أنه لا يمكن التوصل إلى حل في منطقة الشرق الأوسط إلا إذا حصل حوار بين إيران والسعودية، قائلة إنه من المهم “إدارة الصراع أو الأزمة” دون أن تتطرق، في حديثها، إلى كيفية إدارة هذه الأزمة.

وعند سؤال “العرب” عن أيّ دولة نتكلم؟ وأيّ سلطة في إيران يمكن العمل معها؟ جاء الرد، مرّة أخرى، بأن صاحب القرار الأول والأخير والمسيطر على السياسة الإيرانية الخارجية هو التيار الثوري المتشدد في طهران والذي يريد تصدير ثورته و”نفوذه” إلى المنطقة.

ندوة معهد دول الخليج العربي تعكس الموقف الأميركي المتخبط في سياسته الخارجية في المنطقة والذي أصبح في موقف أكثر صعوبة اليوم، حيث يتوقع كثير من المحللين التعثر في الوصول إلى اتفاق سلام سوري في هذه الأجواء المشحونة، وازدياد الصراع الطائفي السني الشيعي في المنطقة؛ لكن التنافس السعودي الإيراني على المنطقة لن يذهب بعيدا في هذه الفترة.

هذا الاستعصاء سيؤثر على محاربة الإرهاب والدولة الإسلامية وحل الأوضاع في اليمن. الأمر الذي سيضفي المزيد من الفشل على سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط؛ وهو الذي حاول جاهدا الابتعاد عنه منذ وصوله إلى الحكم. أما الاتفاق النووي فيشوبه الكثير من الغموض بالإضافة إلى الكثير من النقاط التي مازالت عالقة فيه، والأهم من ذلك كيفية إقناع العالم، فيما بقي له من أيام في البيت الأبيض، ليمنح الثقة لـ”دولة الثورة” التي تدعم أبرز المنظّمات المصنّفة على قائمة الإرهاب الدولية.

كندة قنبر

صحيفة العرب اللندنية