مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي

مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي

turkey-euflagsAP06110805240-639x405

في المستقبل، ستضطلع تركيا بدور البلد المحوري الفعلي في الشرق الأوسط. فهي الجسر الجغرافي والتاريخي والديني والثقافي بين أوروبا وآسيا. كما تشكّل الحليف الإقليمي الأفضل لإسرائيل، ولقوى عربية مهمّة كالمملكة العربية السعودية وقطر، هذا بالإضافة إلى كونها البلد السنّي الأقرب لإيران. وبالتالي، قد تلعب أنقرة دوراً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، وفي عملية الوساطة بين القوى الشيعية والسنّية.

إن تركيا هي الجهة الفاعلة الوحيدة القادرة واقعياً على لعب دور الوسيط في الصراع المتزايد بين المملكة العربية السعودية وإيران. فموقعها مميّز كأحد البلدان الأقرب إلى السعودية، إلى جانب مشاطرتها إيران العديد من نقاط الشبه الثقافية والسياسية وحتّى الدينية مثل تقاليد ديمقراطية طويلة؛ كما توجد فيها أقليّة شيعية كبيرة تشكل٣٠ في المائة من سكان البلاد، على الرغم من أن معظمهم من الطائفة العلوية وليس من الغالبية الشيعية الإثني عشرية في إيران. وتتمتّع تركيا وإيران بعلاقة اقتصادية متنامية يحرّكها اعتماد تركيا الخارجي على الغاز الطبيعي. وبغض النظر عن موقفَيهما المتعارضَين حول سوريا، أظهرت تركيا نجاحها الدبلوماسي من خلال التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران في عام ٢٠١٠، قبل خمس سنوات من توقيع طهران على اتفاق نووي مع دول «مجموعة الخمسة زائد واحد».

وإلى جانب موقف تركيا الإقليمي الفريد، تتمتّع البلاد أيضاً بإمكانية أن تصبح أغنى بلد مسلم في العالم، الأمر الذي يشكّل عاملاً آخر يصبّ في مصلحة بروزها كقوّة إقليمية. وكما أظهر التراجع الأخير في أسعار النفط، فلن تشكل هذه المادة الزيتية بعد الآن مصدر ربح كبير لدول الخليج، لا سيّما في ضوء ثورة التكسير الهيدروليكي التي تعتمدها الولايات المتحدة. ويقدّر تقرير صدر مؤخراً عن شركة المعلومات «ستراتفور غلوبل إنتليجنس»، التي مقرها في الولايات المتحدة، أنّ تركيا ستصبح الدولة الريادية الاقتصادية في المنطقة بدءاً من هذا العام.

لكن من غير الواضح ما إذا كان بإمكان تركيا أن تحوز الشرعية اللازمة أو تصل إلى الإمكانات الضرورية لها لتضطلع بمثل هذا الدور ما لم تكن مدمجة ليس في حلف شمال الأطلسي فحسب، بل في النظام السياسي الأوروبي أيضاً؟ ومن دون هذا الدعم، تخاطر تركيا بالانحراف نحو نظام سياسي أكثر استبدادية. فاعتداءات الحكومة الأخيرة على الحرّية الأكاديمية، بما في ذلك سجن أساتذة جامعيين لتوقيعهم على عريضة لوقف تدخّل الحكومة في المنطقة الكردية، يسلّط الضوء على الحاجة إلى دمج تركيا بشكل أكبر بدلاً من الاستمرار بعزلها عن الاتحاد الأوروبي. وبعبارة أخرى، على أوروبا والغرب اعتماد سياسة «الجزرة والعصا» حيال تركيا، وهي سياسة أظهرت الولايات المتحدة نجاحها مؤخّراً في علاقاتها مع كوبا وإيران.

ويعارض كثيرون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مستندين إلى وجود اختلافات جغرافية وثقافية ودينية واقتصادية بينها وبين الدول الأوروبية. لكن العضوية في الاتحاد الأوروبي ستمهد الطريق أمام تركيا لتؤدي دورها الإقليمي كدولة محورية. أما الاتحاد الأوروبي فسيتحول بالفعل إلى هيئة سياسية متعددة الهوية تتخطى الحدود القومية، مستعدة للانفتاح على المجتمع الأوروبي- المتوسطي والأوروبي- الآسيوي الذي لطالما حلمت به دول أوروبية كثيرة منضوية تحت الاتحاد. إن العضوية في الاتحاد الأوروبي ستساعد تركيا على تعزيز الأسس الديمقراطية فيها، لا سيما في معاملتها للأقليات، وقد تشجع البلاد لأن تصبح دولة أكثر شمولية وأن تبدأ عملية اللامركزية ومنح الحكم الذاتي للمنطقة الكردية. لكن تكمن المشكلة في أن طلب تركيا للدخول في الاتحاد الأوروبي يسير ببطء شديد. وحتى مع بدء البحث في الفصل 17 بعنوان “السياسة الاقتصادية والمالية” في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تبقى الكثير من الفصول مجمدة منذ عام 2006 حين رفضت تركيا فتح مرافئها ومطاراتها للوافدين من قبرص. وعلى الرغم من العقبات الحالية فإن أي تحول في الإرادة السياسية للمنظمة سيؤدي إلى اختصار الطريق أمام تركيا إلى نحو عامين فقط، هذا إذا ما أراد الاتحاد ذلك. إن أزمة اللاجئين الجديدة وانتشار الاضطرابات في الشرق الأوسط قد يسرع هذه العملية، إلا أن التحول يجب أن يحدث أيضاً على المستوى النفسي وكذلك السياسي من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة.

أولاً وقبل كل شيء، يجب على تركيا أن تتخطى “متلازمة سيفر” الظاهرة في سياستها الخارجية والتخلي عن الفكرة بأن دولاً غربية متحالفة مع أقليات في البلاد أو مع قوى محلية أخرى كحركة «غولن» تسعى للسيطرة عليها أو إضعافها أو حتى تفكيكها. ويتجلى «ارتياب الحصار» موضع البحث بين النخبة لا سيما في العديد من تصريحات الرئيس أردوغان. كما يتجلى أيضاً في مخاوف الشعب لا سيما الناخبين القوميين. وخلال محاضرة ألقيتها مؤخراً حول القومية الكردية والحاجة إلى استقلال أكبر للأكراد بهدف المساعدة في التخفيف من النزاعات في تركيا قدمتها في جامعة مالتيبي باسطنبول، تمت مقاطعتي ومعارضتي بشدة فيما وصف بأنه «استشراق» مبسط جداً واعتبارات استعمارية مفترضة في محاولاتي الواضحة للحد من حق تقرير المصير والحرية أمام الشعب التركي. إن هذه الحساسية المفرطة للقومية تشكل واحدة من القيود الكبرى التي تعيق التوصل إلى حل سلمي للمسألة الكردية، وتقبّل أخطاء الماضي من أرمينيا إلى قبرص، ودخول تركيا إلى عالم حديث وليبيرالي وديمقراطي بشكل كلّي، لا سيما عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت نفسه، على الاتحاد الأوروبي أن يتخطى مخاوفه القديمة المتمثلة في اجتياح عثماني لدوله. ويتعيّن على فرنسا أن تتقبل وجود مقاربات مختلفة ومحترمة للدين والدولة والحياة الاجتماعية. كما يجب على ألمانيا أن تفهم أن المنافس الشرعي الاقليمي ليس بالضرورة غريماً لها، لا بل قد يكون حليفاً وقيادياً إقليمياً في المنطقة الجنوبية الشرقية. لقد انتهى زمن السلطنة العثمانية، وليس من “سلطان” جديد يدعى أردوغان، حتى وإن كان يتعيّن عليه أن يحد من إجراءاته الاستبدادية ويخفف من طموحاته لنظام رئاسي لكي تتمكن تركيا من دخول الاتحاد الأوروبي. ويمكن لكلا الجانبين أن يستفيد من ذلك: فهناك بلاد تبحث عن دور إقليمي أكبر يعيد لها أمجادها الغابرة ويعيد تكييف هويتها لكي تتماشى مع زمن العولمة ويمكنها الاستفادة من توجيه الدول الأوروبية الإيجابي في مجال حقوق الانسان ومسائل الديمقراطية، وهناك قارة أوروبية تواجه أزمات في عدة قطاعات تحتاج لأن تحتضن الناحية الجنوبية الشرقية من البحر المتوسط كعضو رئيسي تاريخي ومعاصر في المنطقة.

إن مدينة القرن الذهبي قد تشكّل من جديد مصدراً للوحي. فاسطنبول الجميلة التي تعدّ تاريخياً جسراً بين الشرق والغرب وتنتهي إليها أوروبا القديمة ويبدأ منها طريق تجارة الحرير مع آسيا، يمكن أن توحّد ثانية المسيحية والإسلام وتعيد توجيه أوروربا بعيداً عن صراع الحضارات ذات الهويات الطائفية وتساند نهضة مثالية جديدة لـ «الوحدة في التنوع»، في أوروبا والعالم أجمع. إن الاعتداءات الأخيرة في كل من أوروبا وتركيا تشجع على الحاجة إلى التعاون في إعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، وإلى أوروبا التي تبرز فيها الحاجة إليه بشكل متزايد.

ماوريتسيو جيري

معهد واشنطن