شهدت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الشرق الأوسط، وهي الأولى التي يقوم بها زعيم صيني في سبعة أعوام، توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات مع العربية السعودية ومصر، ورفع حجم التجارة مع إيران عشرة أضعاف ما هو عليه على مدار الأعوام العشرة المقبلة. وقد تذهب أهمية هذه الاتفاقيات إلى ما هو أبعد من التجارة؛ حيث تصطف المصالح الصينية أكثر مع المصالح الإيرانية، مقارنة بالمصالح السعودية.
توجه الرئيس شي جين بينغ من الرياض إلى إيران في الشهر الماضي، ليصبح بذلك أول زعيم أجنبي يفعل ذلك بعد رفع العقوبات الدولية عن الجمهورية الإسلامية. ولم يكن ذلك مناسبة للسرور بالنسبة للقادة السعوديين. فقد وقعت الصين والعربية السعودية (ومصر) اتفاقيات تعاون بقيمة 55 مليار دولار خلال زيارة تشي، بما في ذلك اتفاق للتعاون النووي. ومع ذلك، فإن تصميم تشي على كسب ميزة أول مبادر لزيارة إيران، في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى زيادة عزلة الجمهورية الإسلامية الدولية وليس خفضها، يشير إلى أن ثمة شيئاً أكثر من التجارة يجري هنا.
ترافقت زيارة شي للمملكة بعقد مباحثات حول إقامة علاقات أخوية وتعاون استراتيجي. لكن الخطابة لم تفعل الكثير لإخفاء الخلافات الجادة بين الجانبين حول قضايا تتفاوت بين سورية، وبين رفع السعودية راية الوهابية، ذلك التأويل التطهري للإسلام الذي يخشى الكثيرون من أنه يولد النزعة الجهادية، والتدني النسبي لاعتماد الصين على النفط السعودي.
خلافات حول سورية
يبدو المسؤولون الصينيون قلقين من أن يفضي التمويل السعودي المزعوم للمدارس الإسلامية في منطقة تشينغيانغ إلى تشجيع متشددي إقليم إيغور الصيني، الذين كانوا قد قاموا بتحركات منخفضة المستوى من أجل تحصيل حقوق متساوية وحكم ذاتي، إن لم يكن من أجل نيل الاستقلال. وقد طمأن المسؤولون السعوديون نظراءهم الصينيين إلى أنهم لا يدعمون العنف، على الرغم من حقيقة أن الإيغوريين، الذين التحق البعض منهم بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، هم من المسلمين السنة، وينطقون باللغة التركية.
ويبدو أن تلك التطمينات قد فعلت القليل لتهدئة المخاوف الصينية. وفي هذا الصدد، قال محلل صيني لصحيفة “آسيا تايمز”: “إن أكبر مكامن القلق لدينا ليست نفط الشرق الأوسط -وإنما من السعودية”. ولا يعد الانتماء الديني مع ذلك شيئاً يترتب على الصين أن تقلق إزاءه من إيران ذات الأغلبية الشيعية، والتي لطالما قدمت نفسها على أنها قوة ثورية أكثر من كونها قوة طائفية.
تدعم الصين نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتفضل التدخل السوري في سورية لنصرة نظام الأسد -وهو موقف يضعها في تضاد مع السعودية التي تدعم الثوار، والتي ألمحت إلى أنها ستتدخل عسكرياً لصالحهم.
وكانت الضربات الجوية الروسية والأميركية ضد الثوار الإسلاميين المدعومين سعودياً قد سمحت للقوات السورية والكردية بكسب المزيد من السيطرة على حدود سورية. ويعتقد بأن مئات عدة من الإيغوريين قد انضموا إلى “داعش” الذي أصدر مؤخراً أول شريط فيديو تجنيد ناطق باللغة الصينية. ومن شأن هذا التطور أن يزيد من مخاوف الصين
من شينغيانغ.
تصحيح الاختلالات
استشرافاً لرفع العقوبات، صعدت الصين من وتيرة تعاونها في المجال البحري مع إيران. وأفضت زيارة لإيران في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي قام بها أدميرال البحرية الصينية صن جيانغوا، الذي ينظر إليه على نطاق عريض واسع بأنه القائد الثاني لجيش بحرية التحرر الشعبي، إلى توقيع مسودة مذكرة تفاهم لتعاون أوثق في مكافحة الإرهاب والحرب السيبرانية وتقاسم المعلومات الاستخبارية.
وكانت زيارة صن قد تمت بعد مناورات بحرية صينية-إيرانية مشتركة في العام 2014 في الخليج بعنوان “التفتيش والإنقاذ”. وشاركت سفينتان بحريتان حربيتان صينيتان في التمارين التي جرت بالقرب من قاعدة الأسطول الخامس الأميركي في البحرين، في وقت شهد توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بسبب برنامج الجمهورية الإسلامية النووي.
وكانت الزيارة قد بنيت على علاقة أمنية وعسكرية طويلة الأمد، والتي أجبرت الصين على لجمها مؤقتاً نتيجة لفرض العقوبات على إيران. وبالرغم من ذلك، باعت الصين لإيران مواد مضادة لأعمال الشغب ولتعقب التكنولوجيا في العام 2009، والتي استخدمت في التصدي للاحتجاجات المعادية للحكومة ضد انتخاب مزيف مزعوم للرئيس محمود نجاد. وتزامنت الاحتجاجات مع أعمال شغب في تشينيانغ الصينية أيضاً.
وتعود العلاقات العسكرية الصينية-الإيرانية وراء إلى الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، عندما كانت الصين هي المزود العسكري الرئيسي لمعدات المواد الصلبة. وتسببت تلك الإمدادات في توتر مع الولايات المتحدة عندما أطلقت إيران صواريخ سيلكوورم صينية الصنع على السفن الكويتية في الخليج. (يشار إلى أن الكويت اضطرت إلى رفع العلم الأميركي على ناقلاتها النفطية كإجراء احترازي).
ولأنها كانت مجبرة على وقف إمداد الأسلحة المتطورة، فقد ساعدت الصين إيران في إطلاق مشروع لتطوير قطاع الصناعات العسكرية في تصميم وتكنولوجيا الصواريخ المصنعة إيرانياً.
علاقات نفطية متحولة
على نحو مشابه، وفيما يتصل بالشراء النفطي الصيني، تبدو إيران مصممة على كسب حصتها من السوق الصينية مجدداً مع رفع العقوبات. وتتوقع إيران رفع صادرات النفط بواقع 500.000 برميل يومياً، والتي سيذهب الكثير منها إلى الصين. وتضع خطط إيران النفطية البلد في تنافس مباشر مع السعودية التي كانت ذات مرة واحدة من أكبر ممولي الصين بالنفط.
لكن تلك الصورة شرعت في التغير؛ حيث تنقل الصين كما يبدو اعتمادها على النفط بعيداً عن السعودية. وكانت واردات الصين النفطية من السعودية قد ارتفعت بمعدل اثنين في المائة فقط في العام الماضي، بينما قفزت مشترياتها من النفط الروسي إلى نحو 30 في المائة. ومن المرجح أن يخلق هذا التحول انفتاحا لإيران على حساب السعودية أيضاً.
لا يمكن أن يأتي هذا التحول في لحظة أسوأ من الآن، حيث تجبر السعودية على شد الحزام نتيجة لأسعار سلع منخفضة يقابلها إنفاق عال على الحربين في اليمن وسورية، والدفع لدعم أنظمة اوتوقراطية مثل نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
بشكل عام، عاد الرئيس شي جين إلى بكين من رحلته الشرق أوسطية محتفظاً بتأكيده على عدم التدخل ومراعاة الوئام مع التجارة والاتجار والاستثمار في البنية التحتية كجزء من مبادرته “طريق واحد، حزام واحد”. لكن قراءة ورق الشاي تروي حكاية مختلفة.
لدى الصين مصالح كبيرة ومتنامية في الشرق الأوسط، والتي لا تؤثر على أمنها في الطاقة وحسب، بل أيضاً على جهودها لتهدئة إقليم شينغيانغ، وخلق امتداد في الأرض الأوراسية مرتبط من خلال بنية تحتية. وتجعل جغرافية إيران التي تحد القوقاز وآسيا الوسطى وتركيا والشرق الأوسط من إيران رابطاً أكثر أهمية بكثير من السعودية في خطط طريق الحرير الصينية.
نتيجة لذلك، تقوم المصالح الصينية تدريجياً بإجبارها على إعادة ترتيب اصطفافاتها وسياساتها وعلاقاتها في المنطقة. وفي سياق ذلك، تدرك الصين في نهاية المطاف أنها لن تعود قادرة على النأي بنفسها والبقاء في برج عاجي، وأن عليها أن تصبح لاعباً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
جيمس م. دورسي
*زميل رفيع في كلية أس. راجاراتنام للدراسات الدولية، وفي جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، وهو المدير المشارك في معهد معجبي الثقافة التابع لجامعة فيرزبيرغ في ألمانيا.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:China & the Middle East: Tilting Towards Iran.
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
نقلا عن صحيفة الغد الاردني