رغم أن إدارة الرئيس باراك أوباما والعديد من الدوائر الغربية تنظر إلى خطوة التدخل العسكري الروسي في سورية، على أساس أنها مغامرة غير محسوبة سترمي بالنهاية بالرئيس فلاديمير بوتين في مستنقع ربما يعجل بنهاية نظامه، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك.
ويبدو أن بوتين يملك إستراتيجية متكاملة للطاقة يسعى لتنفيذها من خلال سيطرته على الأرض السورية. وبتدخله في سورية وتحالفه مع إيران يصبح الرئيس الروسي ولأول مرة في التاريخ الروسي، صاحب أكبر نفوذ وهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، التي توجد بها أكبر احتياطات النفط والغاز والممرات المائية الرئيسية التي تربط بين آسيا وأوروبا.
وحسب تصريحات خبراء روس ومعلومات وزارة الدفاع الأميركية، فإن روسيا خططت منذ مدة لاستغلال الصراع في سورية للتدخل في المنطقة العربية الحيوية لأمن الطاقة العالمي، وإنشاء قاعدة عسكرية تشكل تواجداً دائماً لها في سورية.
وإن كانت آراء الخبراء الغربيين قد انصبت، حتى الآن، في أهداف روسيا السياسية قصيرة المدى، والمتمثلة في أن الرئيس فلاديمير بوتين يستهدف فك العزلة التي يعانيها دولياً، ودعم موقفه الداخلي في روسيا بإحياء أحلام “روسيا العظمى”، إلا أن الخبير الروسي، نيكولاي كوزانوف، في مقال تحليلي بالمعهد الملكي البريطاني في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يرى أن روسيا لديها أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، وأن الرئيس، فلاديمير بوتين، أعد جيداً لهذا التدخل العسكري في سورية.
وحسب كوزانوف وخبراء غربيين، فإن إستراتيجية الرئيس تتمثل في أربع نقاط أساسية، وهي:
أولاً: السيطرة على توجهات الطاقة العالمية وتحديد أسواقها في المستقبل. على المدى القصير يرى كوزانوف أن بوتين يستهدف فتح حوار مع دول الخليج والسعودية، صاحبة القول الفصل في سياسات منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” وربما ابتزازها مستقبلاً عبر تحالفه مع إيران.
وبالتالي التأثير المباشر على سياسة الطاقة في منطقة الخليج. ويستهدف بوتين عبر تحالفه مع إيران السيطرة على الممرات الرئيسية لتصدير النفط والغاز الطبيعي إلى أنحاء العالم، وعلى رأسها الأسواق الآسيوية والأوروبية، حيث أن روسيا عبر تحالفها مع إيران ستكون صاحبة النفوذ في خليج هرمز، الذي تمر به يومياً 17 مليون برميل إلى أسواق العالم، إضافة إلى أنها ستصبح على مقربة من قناة السويس وخليج عدن.
ويستطيع الرئيس بوتين عبر تواجده العسكري الدائم في سورية إدارة حكومة ضعيفة يقودها الأسد، واستخدامها في الضغط على الدول العربية النفطية الخليجية متى شاء.
وبالتالي ستتمكن روسيا من فرض مصالحها على منظمة “أوبك” لرسم سياسات نفطية تناسبها وتلبي حاجة الصين. وينظر الرئيس بوتين في الوقت الراهن إلى سياسات “أوبك” على أنها تلبي مصالح الإستراتيجية الأميركية.
ثانياً: ضمان سيطرة شركة غاز بروم الروسية على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا لأطول فترة ممكنة، واستخدام الغاز لابتزاز أوروبا وشق صف الاتحاد الأوروبي، عبر التفاوض مع كل دولة بشكل منفرد وتحديد أسعار متضاربة لوحدات الغاز الطبيعي حسب مصالح موسكو السياسية. وترمي إدارة الرئيس بوتين عبر هذه الإستراتيجيات إلى إضعاف القرار الأوروبي ومنع نجاح خطط تنويع مصادر الطاقة في دول الاتحاد. وهي تعكف على تنفيذها منذ تدخل الرئيس بوتين في أوكرانيا وضم جزيرة القرم.
وفي هذا الصدد يلاحظ أن روسيا وقعت مع ألمانيا اتفاقاً لمضاعفة إمداداتها النفطية عبر أنبوب جديد للغاز يمر تحت بحر البلطيق. ويضيف هذا الأنبوب عند اكتماله 55 مليار متر مكعب من إمدادات الغاز الروسي الجديدة في ألمانيا. وهذا الأنبوب يتعارض مع المنطق الأوروبي الرامي إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي في أوروبا وليس زيادته. ولكن تستخدم غاز بروم الشركات الأوروبية وتغريها بالأسعار الرخيصة للغاز لضمان كسبها وتمردها ضد خطط توحيد سياسات الغاز في أوروبا.
ثالثاً: محاولة استخدام تحالف الطاقة القائم مع إيران التي تسيطر ضمنياً على النفط والغاز في العراق لخدمة أهداف بعيدة المدى، من بينها خنق إمدادات الغاز الى تركيا والتأثير على قرارات منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”.
رابعاً: تستهدف روسيا إلغاء نظام البترودولار في المستقبل. وهو النظام الذي تعتمده منظمة “أوبك” منذ السبعينيات لبيع النفط بالدولار. ولدى الرئيس بوتين خطة مشتركة مع الصين يعمل على تنفيذها منذ سنوات للقضاء على سيطرة الدولار كـ”عملة احتياط” دولية، وانضمت إلى هذه الخطة أخيراً إيران ودول مجموعة “بريكس”، التي تضم إلى جانب الصين، كلا من البرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين.
ويرى الرئيس بوتين أن القضاء على بيع النفط بالدولار سيعني عملياً القضاء على قوة الدولار كـ”عملة احتياط” دولية. وذلك لأن دول العالم جميعاً تحتاج للدولار لشراء البترول. وفي حال القضاء على البترودولار، أوتثبيت بيع النفط بعملات أخرى مثل اليورو واليوان والمقايضة، فإن ذلك سيعني عملياً القضاء على حاجة دول العالم للدولار في رصيدها الأجنبي.
ويلاحظ في هذا الصدد أن إيران طلبت من المشترين في أوروبا قبل أسبوعين دفع أثمان تعاقداتها النفطية باليورو وليس بالدولار. كما أن روسيا استخدمت صفقات المقايضة باليوان في صفقات الغاز ومبيعات النفط إلى الصين. وتستهوي هذه الفكرة الصين التي تعمل على تدويل عملتها اليوان خلال الأعوام المقبلة.
موسى مهدي
صحيفة العربي الجديد