ما لم يحدث ما يغيّر مسار الأمور في شكل جذري، فإن وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون تتجه الى تثبيت مواقعها للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي للرئاسة الاميركية، لتصبح المرأة الاولى التي تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. ليس هذا فحسب بل ستكون الرئيسة الاميركية الاولى التي ستخلف باراك اوباما، اول رئيس اسود في تاريخ البلاد.
وفي حال فشلت كلينتون في مسعاها فإن البديل الأبرز حتى الآن هو رجل الأعمال الثري دونالد ترامب الذي سيكون بلا شك اول رئيس اميركي شعبوي يتبنى خطاباً عنصرياً انعزالياً، ذلك انه اذا نفذ اجندته، فهو من دعاة اغلاق الولايات المتحدة ابوابها امام المهاجرين من المسلمين وربما غيرهم. وهو ايضاً من دعاة تقوقع اميركا وانصرافها الى شؤونها الداخلية، بدل تولي القيادة ولعب دور الشرطي في العالم، وهي مواقف عبر عنها ترامب في خطاباته ومناظراته بين الجمهوريين خصوصاً في مواجهة جيب بوش الشقيق الاصغر في العائلة الرئاسية الذي انتهى به المطاف الى الانسحاب من السباق لضعف التأييد له.
وعلى رغم «الدلالة الصحية» التي ينطوي عليها تولي امرأة الرئاسة للمرة الأولى، خصوصاً بعد وصول «اول رئيس اسود» الى البيت الابيض، فإن الأمر يثير في المقابل تساؤلات عما اذا كانت الطبقة السياسية التقليدية تواجه عقبات، وهي تساؤلات يعززها حضور ترامب القوي في السباق مرشحاً لخلافة سلسلة من الرموز الجمهوريين التقليديين الذين توالوا على سدة الرئاسة … من ابراهام لينكولن وصولاً الى رونالد ريغان.
وإذا كان تقدم هيلاري كلينتون في السباق للفوز بلقب مرشح الديموقراطيين للرئاسة، تم بفضل تأييد «الأقليات» من السود والنساء، الامر الذي مكنها من الفوز بثلاث من اربع جولات تمهيدية هذا العام، فإن احداً ليس واثقاً حتى الآن، من ربط تقدم ترامب في اوساط الجمهوريين، بظاهرة صعود التطرف اليميني داخل المعسكر المحافظ، والذي انعكس في ظهور ما سمي «حزب الشاي» وحركات أخرى على هذا المنوال.
لكن الأكيد ان الحماسة التي باتت تبديها «الأقليات» لإسماع صوتها وإثبات حضورها، دفعتها الى المشاركة بكثافة في الإدلاء بأصواتها لكلينتون التي امتلكت رصيداً طويلاً في مناهضة التفرقة العنصرية، يضاف الى رصيد زوجها بيل كلينتون الذي لم تتوان الروائية الأفريقية – الأميركية الشهيرة توني موريسون عن وصفه في مقال لمجلة «نيويوركر» عام 1998، بأنه «أول رئيس أسود» للولايات المتحدة!
غير ان هيلاري لم تكن يوماً لتكتفي بالاعتماد على رصيد زوجها وحده، بل ركزت حملتها للرئاسة على ظواهر خطرة لا يقف المرشحون التقليديون عندها كثيراً، خوفاً من خسارة تأييد او التعرض للتصنيف… قضايا تتعلق بانتهاكات الشرطة ضد السود ووضع حد للتمييز العرقي في الخدمات العامة، اضافة الى الحملة ضد ظاهرة الانتشار العشوائي للأسلحة. كما عادت كلينتون الى الحديث عن ضرورة إصلاح النظام التعليمي وهو مطلب اساسي لدى العامة، اضافة الى احياء اقتراحاتها في شأن توفير وظائف جديدة مستندة الى إنجازات زوجها في هذا المجال.
غير ان الهاجس الأكبر في معسكر الجمهوريين هو بقاء ترامب في صدارة مرشحيهم، ما يضعه في مواجهة غير متكافئة مع كلينتون في الاستحقاق الحاسم الذي يتوقع ان يعجز فيه عن مواجهة الأميركية الأولى سابقاً. عندها ستكون لخسارة مرشح جمهوري للسباق الرئاسي مجدداً، انعكاسات بالغة السلبية على مستقبل الحزب المحافظ وثقة الناخبين به.
سمير السعداوي
صحيفة الحياة اللندنية