الكل يتساءل إلى أين يتجه ذلك البلد العريق وريث الحضارات وملتقى الثقافات والذى عايش التاريخ منذ طفولته وكان دائمًا مركز إشعاع وبؤرة ضوء لمن حوله؟ وهناك توافق عام على أن أمام «مصر» طريقين، إما أن تصبح دولة عصرية حديثة تستطيع أن تفرض وجودها فى المنطقة وأن تصبح بحق واحدة من «نمور الجنوب» تصل إلى مستوى دول مثل «الهند» و«جنوب أفريقيا» و«البرازيل» وغيرها، وإما أن تتراجع لتصبح دولة «بوليسية صفراء» يتحكم فيها قلة من الأفراد ولا تستطيع الانطلاق إلى الأمام أو التحليق فى سماوات اليقظة والصحوة والنهوض، وهنا نستلهم من تاريخ «الكنانة» – «مصر» ذلك الكيان المستمر المستقر عبر آلاف السنين – روحًا جديدة قادرة على اجتياز العقبات المزمنة والقفز فوق الأزمات الطارئة لأن «مصر» العريقة عصية على التراجع باعتبارها دولة قديمة شديدة المراس تعبر عن كبريائها فى كل حين، وتستطيع أن تقاوم عوادى الزمان وخطوب الدهر، إن «مصر» مطالبة الآن – شعبًا وحكومة – بأن تتأمل المحاور التالية:
أولًا: واجهت الشعوب فى مراحل تاريخها المختلفة منحنيات صعبة تفرض عليها إعادة النظر فى وضعها العام وتقييم ما كانت عليه وما سوف تكون على ضوء التطورات التى مرت والتجارب التى عاشتها وأدت إلى ما هى عليه، فلقد عاشت «مصر» فى السنوات الخمس الأخيرة تحولات ضخمة وتغييرات كبيرة فرضت عليها أن تنظر إلى الأمام بشكل مختلف وأن تعيد تقويم أوضاعها وأن تبحث فى أسباب تراجعها، و«مصر» بلد عريق، واجهت محطات مختلفة عبر تاريخها الطويل، قد لا تكون دولة ديمقراطية متميزة ولكنها دولة تصنع «الرأى العام» لها ولمن حولها وتستطيع أن تقود بسبب ما لديها من تراكم خبرات عبر السنين على نحو يجعلها قادرة على قراءة الحاضر واستشراف المستقبل، والشعب المصرى يملك من «الفراسة» ما يجعله قادرًا على فهم الغث من السمين وفرز الأشخاص ذوى الوطنية الصادقة والجهد المخلص والكفاءة العالية.
ثانيًا: إننا نلاحظ فى الأسابيع الأخيرة ظهور نغمة إحباط ومشاعر سلبية بدأت تسود فى قطاعات مختلفة لأن الناس اكتشفت أن القائد الذى راهنت عليه قد بدأ يشعر أن تجاوبهم معه ليس كما كان يتوقع بل هو دون ما توقعه الكثيرون أيضًا، وعندما أدلى الرئيس بخطابه الأخير شعر الناس بأن الرئيس غاضب وأن لهجته تنم عن تطلعه لمزيد من الشراكة الوطنية والتجاوب الفعال وضرورة محاربة الشائعات ومواجهة الحرب النفسية التى يحاول البعض إشاعة آثارها، واضعين فى الاعتبار أن «مصر» بلد مستهدف ترصده قوى معادية تحاول أن تعيق مسيرته وأن توقف قدرته على التحليق نحو آفاق المستقبل، فالكل يحب «مصر» أرضًا وشعبًا والكل يتحسب منها مكانة ودورًا! فنحن أمام بلد فريد فى نوعه لا يريد لها أحد السقوط الكامل لأن سقوطها ــ لا قدر الله ـــ يعنى انهيار المنطقة كما أنه لا يوجد أيضًا من يريد لها التحليق على مسارات النهضة والتقدم بحيث تكون قائدة رائدة كما كانت دائمًا.
ثالثًا: إن الذى يتأمل حالة الاقتصاد المصرى و«النظام النقدى» تحديدًا سوف يكتشف أن هناك قوى تلعب فى «سوق العملة» وتحويلات المصريين فى الخارج، وأن هناك من يجمع أموال المصريين ومدخراتهم لكى يقوم بتوجيهها فى عمليات مصرفية مشبوهة وقنوات غير قانونية هى أقرب للتهريب منها إلى غيره، فالمطلوب هو خنق الشعب المصرى اقتصاديًا وترويعه أمنيًا وإحباطه سياسيًا وحرمانه من العوائد الطبيعية للعمالة المصرية فى الخارج، إن ارتفاع سعر «الدولار» فى «مصر» هو مؤشر لعمليات «المضاربة الخفية» على العملة المصرية لإضعاف قيمتها بل وهز الاقتصاد المصرى وخلق موجة من رفع الأسعار بحيث يتذمر الشارع ويضج الناس، إنها محاولات خبيثة لـ«دق إسفين» بين نظام الحكم وشعبه ومحاولة لإثارة السخط بين صفوف الجماهير خصوصًا تلك الأسر الأكثر عددًا والأشد فقرًا وهم الذين يمثلون السواد الأعظم من الناس فى بلادنا، إن محاولة ضرب «مصر» اقتصاديًا هى نتيجة عملية استهداف يشارك فيها مصريون وغير مصريين لأن أعداء ثورتى «مصر» فى عامي2011، 2013 يمثلون شرائح مؤثرة فى دوائر المال والاقتصاد فى المنطقة العربية كلها، إن «حرب العملة» التى حاول «البنك المركزى المصرى» طويلًا أن يحسمها ما زالت تمضى على الطريق الذى بدأت منه عداءً للشعب وتقليصًا لموارده ونشرًا للشائعات المخربة فى كل اتجاه.
مصطفى الفقي
صحيفة المصري اليوم