صدّرت الدول النفطية العربية نحو 21.5 مليون برميل يومياً خلال 2014. واتجهت الغالبية العظمى من هذه الصادرات إلى الدول الآسيوية، بدلاً من الدول الصناعية الغربية. وبلغ حجم الصادرات إلى الدول الآسيوية (الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورة وبلدان آسيوية أخرى) 15.2 مليون برميل يومياً، أو نحو 70.7 في المئة من مجمل الصادرات العربية. وبلغ حجم الصادرات في العام نفسه إلى كل من أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية والدول الأوروبية، نحو 5.6 مليون برميل يومياً (منها 2.1 مليون برميل يومياً إلى أميركا الشمالية، و3.3 مليون برميل يومياً إلى الدول الأوروبية)، ما يجعل نسبة نفط الدول العربية المصدّر إلى هذه الدول نحو 26 في المئة فقط من الإجمالي.
توافرت هذه المعلومات وكثير غيرها في الموسوعة السنوية «التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2015»، الذي صدر العدد الخامس والثلاثون منه أخيراً. وتعد التقرير سنوياً منذ 1980، جامعة الدول العربية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي ومنظمة البلدان العربية المصدّرة للبترول (أوابك). ويهدف التقرير إلى عرض صورة علمية ودقيقة عن الاقتصاد العربي سنوياً، إذ يغطي مختلف الجوانب الاقتصادية العربية، إضافة إلى فصل خاص عن الاقتصاد الفلسطيني. وهو بهذا يعتبر مرجعاً مهماً للباحثين في مختلف أوجه الاقتصاد العربي الحديث.
تدل المعلومات عن وجهة صادرات الدول النفطية، على الأهمية القصوى في دعم العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية مع الدول الآسيوية الصناعية والناشئة، نظراً إلى ما تشكّله من ضمان للمصالح المشتركة للطرفين. فبالنسبة إلى الدول العربية، تعتبر آسيا السوق الأساسية للصادرات النفطية. وبالنسبة إلى دول القارة العملاقة، يزداد اهتمام هذه الدول بضمان سلامة الإمدادات النفطية وعدم انقطاعها بسبب الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية في الشرق الأوسط.
واللافت، أن الاعتماد الآسيوي لا يقتصر فقط على وارداته النفطية من الدول العربية، بل أيضاً الغازية. تشير المعلومات الواردة في التقرير، إلى تصدير الدول العربية في 2014 نحو 198.2 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي بنوعيه المسال أو عبر الأنابيب. وكما هي الحال مع الصادرات النفطية، تتّجه الغالبية الساحقة من هذه الصادرات إلى دول آسيا والمحيط الهادئ. وبالأرقام، بلغ في 2014 مجمل الصادرات الغازية 1.6 بليون متر مكعب إلى أميركا الشمالية، و1.8 بليون إلى أميركا الجنوبية، و4.0 بليون إلى أفريقيا، و22.9 بليون إلى دول الشرق الأوسط، و63.8 بليون إلى الدول الأوروبية، وكانت الحصة الأكبر من الصادرات البالغة 104.1 بليون متر مكعب من نصيب دول آسيا والمحيط الهادئ.
ويشمل التقرير في بحثه الشامل في الاقتصادات العربية، تحليلاً وافياً ومؤشرات مهمة حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ يشير إلى أن عدد السكان في الدول العربية ارتفع إلى 378 مليون شخص، وأن نسبتهم إلى سكان العالم تشكّل نحو 5.2 في المئة، في حين بلغ عدد القوى العاملة العربية 124 مليون شخص في 2013، وسجل معدل البطالة 11.3 في المئة. كذلك، بلغت قيمة الدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة 206.8 بلــيون دولار، وقيمة خدمة الدين العام الخارجي 19.3 بليون دولار، ونسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 21.7 في المئة، ونسبة خدمة الدين الخارجي إلى حصيلة صادرات السلع والخدمات 5.9 في المئة.
ويلفت التقرير إلى ظاهرة مهمة ذات أبعاد اقتصادية مستقبلية بالنسبة إلى الصادرات البترولية والريع النفطي، وهي الارتفاع المستمر والمتصاعد للطلب على الطاقة في الدول العربية، إذ ارتفع الطلب في 2014 بنسبة 4.3 في المئة ليصل إجمالي الطلب إلى نحو 14.3 مليون برميل من مكافئ النفط يومياً، مقارنة بـ13.7 مليون برميل من مكافئ النفط يومياً في 2013. وجاءت الزيادة في الطلب على الطاقة في صورة رئيسة من ست دول عربية، هي: السعودية (197 ألف برميل من مكافئ النفط يومياً) ومصر (105 آلاف) وقطر (87 ألفاً) والإمارات (68 ألفاً) والجزائر (41 ألفاً) والعراق (32 ألفاً).
ويشير التقرير إلى ظاهرة معروفة، وهي اتسام الطلب على الطاقة في الدول العربية على الغاز والنفط كمصدرين رئيسين لتغطية احتياجات الطاقة فيها، إذ لبيا معاً في 2014 نحو 98.2 في المئة من إجمالي استهلاكها. لكن اللافت هو الدور المتصاعد للغاز في الاستهلاك العربي، إذ يزداد استهلاكه ليحتل المركز الأول بحصة من إجمالي استهلاك الطاقة تبلغ 50.5 في المئة، يليه النفط في المركز الثاني بحصة 47.7 في المئة. والسبب الرئيس في ازدياد استهلاك الغاز هو تبوؤه الصدارة في استعماله كوقود لتوليد الكهرباء وتحلية المياه. لكن يلاحظ أيضاً، الدور الثانوي والمتناقص لاستعمال بدائل الطاقة الأخرى، وأهمها الطاقة الكهرومائية والفحم الحجري اللذان يؤديان دوراً ثانوياً ومتناقصاً في صورة مستمرة، وبلغت حصتهما معاً نحو 1.8 في المئة عام 2014. أما حصة بدائل الطاقة المستدامة من شمس ورياح، فلا تزال ضعيفة جداً، ولا تؤدي سوى دور هامشي، علماً أن دولاً مثل المغرب ومصر والإمارات والأردن، تعمل لزيادة استعمالها الطاقات المستدامة.
يشكل التقرير الموحد إنجازاً مهما للمؤسسات العربية الاقتصادية المشتركة. لكن ثمة حاجة ماسة الى المنظمات العربية غير الحكومية لأداء دور مشابه في تزويد المكتبة العربية بالمعلومات الأساسية عن الاقتصاد العربي. ويمكنها تزويد المكتبة العربية بتقرير سنوي للإهدار المتزايد الذي ينخر بالاقتصاد والمجتمع العربيين، من فساد وطائفية وتخريب وإهمال، إذ لا يمكن رسم صورة كاملة عن تطورات المجتمع العربي من دون التعرّض بإسهاب ودقة للتخلّف والعوارض المرضية المنتشرة في مجتمعاتنا هذه الأيام، والتي أدت إلى حال التدهور التي نحن فيها.
* نقلا عن صحيفة ” الحياة “