فى أثناء زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج مقر جامعة الدول العربية على هامش زيارته مصر فى يناير الماضي، ألقى كلمة مهمة طرح فى مستهلها سؤالا عن الشرق الأوسط قائلا: «إن الشرق الأوسط أرض خصبة، لكنها طالما تعانى ويلات الحرب والصراع، ولم تتخلص منها حتى اليوم، الأمر الذى يؤلمنا ويجعلنا نتساءل: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟».
لم يكن طرح السؤال الصريح أمرا اعتياديا فى كلمات الزعماء الصينيين فى الدول الصديقة، إذ إن المعروف عنهم فى مثل هذه الكلمات هو الاكتفاء بالتأكيد على الصداقة، وسبل تطويرها، فأسلوب الرئيس الصينى هذه المرة جديد إلى حد ما، ولكنه ليس غريبا على من يتابع الأحداث المتعاقبة فى الشرق الأوسط فى السنوات الأخيرة، وردود الفعل عليها فى العالم، بل يمكن القول إن هذا «السؤال عن الشرق الأوسط» هو سؤال يفرض نفسه على شعوب العالم، ومنهم الشعب الصيني، ولاشك فى أن هذا السؤال يراود بالدرجة الأولى أذهان الشعوب العربية، باعتبارهم الضحية الأولى للمآسى التى جرت وتجرى الآن فى المنطقة.
كما قدم الرئيس الصينى فى كلمته الحلول المقترحة لمشكلات الشرق الأوسط، حيث لخصها بعبارات موجزة: «يكمن مفتاح تسوية الخلافات فى تعزيز الحوار، ومفتاح فك المعضلة فى تسريع التنمية، ومفتاح اختيار الطريق وتطابقه مع الخصوصيات الوطنية»، وفى رأيى أن هذه التصورات مهمة للغاية، إذ إنها لا تعبر عن وجهة نظر الرئيس الصينى الشخصى فحسب، بل تمثل أيضا النظر السائد فى الأوساط الثقافية والأكاديمية الصينية لمستقبل المنطقة، وأهم من ذلك، إنها الحلول التى يمكن للصين أن تسهم فى إنجاحها بشكل فريد وفعال.
يقترن دور الصين فى تحقيق السلام فى الشرق الأوسط بميزة فريدة لها، وهى أنها تحظى بشعبية جيدة فى جميع دول المنطقة مما يؤهلها للقيام بالوساطة بين المتخاصمين دون أن تثير امتعاضا من أى طرف من الأطراف المتنازعة، وترجع هذه الشعبية إلى أسباب عديدة أذكر منها على سبيل المثال: 1ـ لا تتدخل الصين فى الشئون الداخلية للغير، ولا تتورط فى الصراعات بين الدول أو الصراعات الداخلية.
2ـ تعامل الصين دول المنطقة بمساواة وصدق، ولا تملى إرادتها على هذه الدول بإكراه.
3ـ لا تفرض قيمها أو نمطها فى التنمية على الآخرين، بل تكتفى بتقديم النصائح والمقترحات، كما يحدث بين الصديق والصديق.
4ـ لا تلجأ إلى فرض الحصار أو العقوبات لحل الأزمات مثلما تفعله الدول الغربية كثيرا، بل تدعو دوما إلى الحوار والتفاوض وضبط النفس.
5ـ تشارك بشكل قوى وفعال فى المشاريع الاقتصادية والتنموية لدول المنطقة دون استثناء، مما يحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك للجميع.
6ـ تقدم مساعدات مادية وإنسانية إلى الدول الصغيرة والفقيرة بقدر الإمكان، ذلك إضافة إلى تاريخها الخالى من أى سجل استعمارى أو عدوانى ضد دول المنطقة، وكانت لى خبرة فى العمل الدبلوماسى لبعض سنوات فى أواخر تسعينيات القرن الماضي، لذا كنت شاهدا لهذه الأسباب الناجحة التى حققت للصين شعبية واسعة فى الشرق الأوسط، كما يمكن القول إن هذا الميراث الدبلوماسى هو ما خلفته أجيال متلاحقة من القيادة الصينية، وفى مقدمتهم الزعيم الراحل ماو تسى دونغ ورفيقه المعروف شو آن لاي، ولحسن الحظ أن هذا الميراث الثمين تم تناقله جيلا بعد جيل، وظل محفوظا بشكل جيد حتى يومنا هذا، ونتيجة لذلك، نرى أن صورة الصين فى الشرق الأوسط، وفى العالم العربى خاصة هى صورة »الحرير الناعم« بعكس صورة بعض الدول الكبرى التى تقترن فى أذهان الناس دائما بالنار والقنابل ومسبب الفوضى والمشكلات.
هكذا، يتمثل الدور الصينى السياسى فى المنطقة فى الدعوة إلى الحلول السلمية لقضاياها والتوسط بين الأطراف المتنازعة، سواء كان الأمر يتعلق بالأزمة السورية أو النزاع بين السعودية وإيران أو القضية المحورية فى المنطقة، وهى القضية الفلسطينية، ويبدو فى بعض الأحيان أن الحوار السلمى صعب المنال وبطيء التقدم، إلا أن تدعياته السلبية أقل ونتيجته أكثر ديمومة.
أما مجال التنمية، فهو المجال الذى يكون للصين باع طويل فيه، لما تمتلكه من قدرات اقتصادية وإنتاجية هائلة وثروات مالية كبيرة تراكمت فى مسيرة الإصلاح والانفتاح التى انطلقت منذ عام 1978 ويعرف العرب الحضور الصينى القوى فى العقود الأخيرة فى عمليات الإعمار والتصنيع فى جميع الدول العربية تقريبا.
تنظر الصين إلى مصر نظرة احترام وتقدير عاليين دائما، وتقدر دورها المهم فى الحفاظ على الأمن والسلام فى المنطقة فى التاريخ، كما فى الحاضر، وفى ظل الصعوبات الهائلة التى تواجه العالم العربى اليوم، تبرز أهمية مصر أكثر من وقت آخر إقليميا وعالميا، باعتبارها دليل اتجاه الريح فى الشرق الأوسط، لذا تحمل مصر اليوم آمال شعوب المنطقة، بل شعوب العالم أجمع لكى تكون ركيزة للاستقرار ونموذجا للتنمية فى المنطقة، وستقف الصين بحزم إلى جانب مصر، رفيقين فى الدرب الطويل للعبور إلى بر الأمان.
شوى تشينغ قوه
نقلا عن الأهرام