ترتفع تكاليف إنتاج النفط مع مرور الوقت بسبب نفاد النفط القريب سهل الاستخراج بينما يبقى النفط البعيد والعصي «صاحب الكلفة الاعلى»، ولذلك فلقد ارتفعت كلفة انتاج النفط في العالم بشكل عام منذ عام 2000م بشكل كبير.
وتختلف قيمة انتاج السوائل البترولية بحسب انواعها، فعلى سبيل المثال يزدهر بأوروبا وامريكا وفي البرازيل انتاج ما يسمي الوقود الحيوي الذي يصنع من الحبوب النباتية، ولقد وضعت كثير من القوانين في هذه البلاد لدعم انتاج هذا الوقود. ولكن تبلغ كلفة انتاج البرميل من هذا الوقود اكثر من مائة دولار وحتى انتاج الايثانول في البرازيل تبلغ كلفة انتاجه حوالي 66 دولارا للبرميل. وباسعار النفط الحالية (حوالي 50 دولارا للبرميل) يصبح انتاج هذا النوع من الوقود غير مجد اقتصاديا، ولولا دعم الحكومات الاوروبية والامريكية التي وضعت تشريعات تجبر شركات الوقود على خلط نسبة معينة من هذا الوقود مع الوقود الاحفوري لأفلست شركات الوقود الحيوي منذ سنوات. وفي نفس السياق تنشط روسيا ومنذ عدة سنوات وبمشاركة شركات النفط العالمية على التنقيب وانتاج النفط من منطقة القطب الشمالى. ولكن كلفة الانتاج هنالك تبلغ اكثر من 110 دولارات للبرميل. وبأسعار النفط الحالية اصبح لزاما اغلاق او تأجيل العمل بهذه المشاريع لانها غير مجدية اقتصاديا.
ومع تطور التقنيات الخاصة بالحفر والتنقيب اصبح بالامكان انتاج النفط من الاماكن العميقة المغمورة بالمياه. ويظهر حقل سانتوس بالبرازيل وبعض الحقول المغمورة في الولايات المتحدة كاحد اهم هذه المواقع. وتبلغ تكاليف الانتاج من المياه المغمورة الامريكية حوالي 60 دولارا للبرميل ومن المياه العميقة البرازيلية حوالي 80 دولارا. وبهذا فان اسعار النفط الحالية لا تشجع الاستثمار والانتاج من هذه الحقول. وكانت البرازيل قد شهدت احد اخر اهم الاكتشافات البترولية العملاقة اذ اكتشف في مياهها العميقة كميات كبيرة من النفط في عام 2007م. ولقد ارتفع انتاج البرازيل النفطي من مستويات 1.7 مليون برميل باليوم إلى حوالي 2.6 مليون برميل باليوم في شهر اغسطس الماضى. ولكن بدأنا نلحظ انخفاضا ملحوظا لانتاج البرازيل مع انخفاض اسعار النفط اذ سجل انتاج البرازيل في شهر مارس الماضي عندما كانت اسعار النفط تمر بأسوأ مراحلها حوالي 2.2 مليون برميل باليوم او انخفاضا بحوالي 15% من قيمة شهر اغسطس الماضى.
وأما النفط غير التقليدي فأهم انواعه الصخري الامريكي والرملي الكندى. ويبلغ معدل انتاج الصخري الامريكي بحسب موقع احصائيات نفطية 73 دولارا للبرميل (تختلف بحسب الموقع) والرملي الكندي حوالي 90 دولارا. ولقد وصل انتاج الولايات المتحدة من الزيت الخام في شهر ابريل 2015م إلى حوالي 9.7 مليون برميل باليوم وانخفض في شهر مارس الماضي وبحسب موقع جودي إلى 9.04 مليون برميل باليوم اي انخفض انتاج امريكا بحوالي 700 الف برميل باليوم ومعظمها او كلها من الزيت الصخرى. وهذا يعرض وبصورة مباشرة ان اصحاب الكلفة العالية لن يستطيعوا الاستمرار بالانتاج. فالنفط حاليا يتوافر في الاسواق العالمية بحوالي 45-50 دولارا للبرميل ولهذا السبب شهدنا افلاسات متعددة لشركات تنتج النفط بكلفة عالية. وحتى الانتاج الكندي لنفط الرمال فقد انخفضت سرعة النمو في انتاجه وبدأت تنطفئ جاذبيته.
واما كلفة الانتاج من دول خارج اوبك فليست كبيرة مقارنة بغير التقليدي والحقول العميقة، فعلى سبيل المثال تبلغ كلفة الانتاج من حقول روسيا العادية على اليابسة وانتاج دول اسيا الوسطى مثل كازاخستان بشكل عام ما بين 15-20 دولارا للبرميل وتصل كلفة الانتاج في عمان إلى حوالي 15 دولارا للبرميل. واما دول اوبك فتبلغ كلفة معظم دولها حوالي 15 دولارا. ولكن تبقى كلفة الامارات حوالي 7 دولارات للبرميل والعراق 6 دولارات من الاقل في اوبك. وبحسب موقع احصائيات نفطية فتبلغ كلفة انتاج المملكة من الحقول البرية حوالي 3 دولارات فقط لتكون بذلك صاحبة اقل كلفة انتاج بالعالم.
ولكن لماذا ما زال نفط الرمال في كندا والنفط الصخري في امريكا وبعض الحقول العميقة ذات الكلفة العالية ينتج نفطا رغم الاسعار التي تعتبر اقل من كلفة الانتاج؟. تنتج امريكا حوالي 4 ملايين برميل باليوم من النفط الصخري من اماكن وحقول مختلفة ذات كلفة انتاجية مختلفة. فعلى سبيل المثال كلفة انتاج ايجل فورد وباكن اقل من الحقول الصخرية الاخرى ولذلك انخفض انتاج امريكا من النفط الصخري بحوالي 700 الف برميل باليوم ربما من الحقول باهظة الكلفة. ولكن لابد من ذكر ان بعض الحقول الصخرية في امريكا ما زالت مجدية اقتصاديا حتى تحت سعر 30 دولارا للبرميل. ولذلك شهدنا ارتفاعا في عدد الحفارات في بعض الحقول مثل هوارد ومدلاند وانخفاضها في اغلب الحقول الصخرية الاخرى. وقد لا تستطيع الشركات المنتجة ايقاف الانتاج بحكم ارتباطها وتورطها بديون وفوائد بنكية فلذلك تنتج ما تستطيع انتاجه. وهنالك اسباب اخرى كارتفاع الكلفة في بدايات الحفر وبعد الانتهاء من حفر البئر وتجهيزه تصبح التكاليف التالية قليلة وهذا احد اسباب استمرار بعض شركات الزيت الصخري بالانتاج.
لاشك ان انخفاض اسعار النفط الكبير قد غير كثيرا من المعادلات الاقتصادية في العالم. فلقد استفادت من هذا الانخفاض دول وتضررت اخرى، فالصين والهند واليابان على سبيل المثال يستوردون حوالي 16 مليون برميل باليوم وبذلك استطاعت هذه الدول مجتمعة توفير حوالي 250 مليار دولار في عام 2015م جراء انخفاض اسعار النفط. وقد تصل قيمة توفيرها لهذا العام حوالي 300 مليار دولار اذا استمرت اسعار النفط العالمية تحوم حول 50 دولارا للبرميل. وفي مقابل ذلك فقدت دول اوبك وروسيا اموالا طائلة تسببت بكثير من الضرر لها (مصائب قوم عند قوم فوائد).
وفي الختام لابد من تذكر ان النفط الصخري قد فرض واقعا جديدا وهو ان اوبك لم تعد من يحدد سقف الاسعار بل اصبحت كلفة انتاج النفط الصخري هي احد اهم اللاعبين بهذا السياق. اذ على اوبك ان تضمن بقاء الاسعار تحت هذا السقف حتى لا تتعرض للمنافسة القوية منه. ويبدو حاليا ان الصين والارجنتين يعدان العدة لبدء نسخ التجربة الامريكية بانتاج النفط غير التقليدي. اذا اصبح هذا النفط ومع تطور التقنيات واقعا على اوبك وروسيا التعايش معه.
لم يعد السؤال التقليدي الذي كان يطرح متى ينفد النفط؟ وهل وصل الانتاج إلى القمة؟ بل تغير السؤال ليصبح من سيتحكم بالاسواق؟ وما العلاقة التي ستكون مستقبلا بين النفط التقليدي وغير التقليدي؟ وهل ستستطيع بدائل الطاقة مع التقدم التقني ومشاكل الكربون ان تحل محل الوقود الاحفوري تقليديا وغير تقليدي؟.
* نقلا عن صحيفة ” اليوم “
Save