مَنْ يمكنه إخفاء الحقيقة إلى الأبد؟

مَنْ يمكنه إخفاء الحقيقة إلى الأبد؟

349

حسناً فعل بعض المسؤولين في فصائل الحشد الشعبي بالاعتراف بحصول انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء العمليات العسكرية لتحرير الفلوجة، مع أنهم عموماً سعوا للتهوين منها كثيراً ولإيجاد ذرائع ومبررات لها، فالإنكار لا يفضي إلى شيء مع واقع أن الحقائق حتى إذا أُخفيت اليوم ستظهر بتفاصيلها في يوم ما وإن طال الزمن.
بالطبع لا توجد على مدى التاريخ حرب خالية من صفحات سوداء. حتى أقدس الحروب، بما فيها حروب التحرر الوطني، كان فيها جانب مخزٍ وباعث على الشعور بالعار. يكفي أن يموت شخص واحد بريء لوصم هذه الحرب بالقذرة، فليس في وسع أحد أو قوة التراجع عن الخطأ من هذا النوع إعادة الحياة الى المقتول من دون ذنب، وما من ثروة أو كلام يمكن أن يعوّضا أُمّاً أو زوجة أو حبيبة أو أختاً أو ابنة أو أباً أو زوجاً أو أخاً أو ابناً، عن الخسارة الفادحة الناجمة عن القتل في الحرب، خطأً وقع أو عمداً.
الحرب ضد داعش لم تزل في بدايتها تقريباً، ففي الانتظار ثمة معارك، يمكن أن يطول أمد البعض منها، سيتعيّن على القوات المقاتلة بكافة صنوفها، خوضها مع داعش لتحرير سائر المناطق المحتلة وفي مقدمها مدينة الموصل، واحتمال الخطأ وارتكاب الانتهاكات قائم دائماً.
الاعتراف بحصول الانتهاكات في الفلوجة مهم لعدم تكرارها في المعارك المرتقبة، أو في الأقل الحدّ منها، وعدم تكرار الانتهاكات أو الحدّ منها سيجعلان مهمة قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيشمركة أسهل في مقاتلة داعش وتحقيق النصر عليه في أقصر مدّة وأقل كلفةً بشرية ومادية.
منذ سنة عرض برنامج “بانوراما” الشهير في القناة الأولى لتلفزيون (بي بي سي) تحقيقاً فضح نشاطات إرهابية لحكومات بريطانيّة مختلفة، بواسطة أجهزة استخبارية وعسكرية بالتعاون مع ميليشيات محلية وقتلة مأجورين، أدت الى قتل مئات من النشطاء السياسيين والمدنيين من المطالبين بالاستقلال لآيرلندا الشمالية، طوال نحو أربعة عقود (1960 – 1998).
البرنامج الذي أثار ضجة كبيرة في الداخل والخارج وأدّى إلى فتح تحقيق في القضية، استند إلى وثائق وشهادات حيّة لأشخاص عديدين، بينهم عناصر سابقون من الأجهزة الاستخبارية والعسكرية البريطانية.
هنا أيضاً، في يوم ما، ستعمل فرق صحفية، مثل فريق بي بي سي، على البحث عن حقيقة ما يجري الآن ارتباطاً بعمليات التحرير، وما جرى طوال السنوات السابقة، وستستند هذه الفرق، كما فريق بي بي سي أيضاً، إلى وثائق وشهود عيان، وستظهر الحقيقة ناصعة وساطعة. يومها سيُدان ليس فقط مَنْ ارتكبوا الانتهاكات، بل أيضاً أولئك الذين سعوا لنفيها والتستّر عليها وعلى كلّ الحقائق الموجعة المتّصلة بسيطرة داعش على ثلث مساحة البلاد، وبكلّ الجرائم التي ارتكبها التنظيم الإرهابي.. وسيُفتضح كلّ تقصير وتواطؤ، حكومي وغير حكومي، مهّدا الطريق أمام داعش ليرتكب جرائمه المهولة بدم بارد.

عدنان حسين

موقع المدى